ما إن انتهت معركة تحرير الموصل، بسيطرة القوات العراقية على المدينة إثر معارك ضارية استمرت نحو ثمانية أشهر مع تنظيم "داعش" الإرهابي، حتى برزت مشكلات عديدة على مستويات متباينة لا يعلم أحد كيفية معالجتها.
ومن أبرز المشكلات الناجمة عن معركة تحرير الموصل، وجود عشرات الأطفال الذين فقدوا عائلاتهم خلال قصف المدينة لينتهي الحال بهم في مخيمات النزوح داخل خيام كبيرة خصصت لهم، وبعضهم لا زال على الأرصفة ينتظر وصول منظمات محلية أو أجنبية لمساعدته.
وتصاعدت في العراق دعوات كفالة الأطفال وتربيتهم، خاصة لمن لم يتم التعرف على أقربائهم.
وتقول منظمة السلام لحقوق الإنسان، إنها سلمت 13 طفلا دون سن السادسة إلى عوائل عراقية، بعضها حرمت من الإنجاب، بغية رعايتهم ريثما يظهر أقرباؤهم، إلا أن الكثير من تلك العوائل تتمنى ولو سرا ألا يظهر الأقارب حتى يبقى الأطفال لديها.
وقال رئيس المنظمة محمد علي، لـ"العربي الجديد"، إنه تم توثيق محاضر استلام وتسليم، وإبلاغ الشرطة بذلك، بهدف عدم إبقاء الأطفال في الخيام أو الشوارع، وتوفير تعليم وحياة اجتماعية تقيهم من الضياع، مؤكدا أن عدد الأطفال الذين فقدوا الأب والأم في الموصل وحدها أكثر من 1800 طفل، وجد نحو 1600 منهم أقرباء، أما الباقون فصاروا بلا مصير معروف.
مريم، في الثامنة من عمرها، بعد أن أخرجها رجال الإنقاذ من تحت أنقاض منزلها الذي تحول إلى ركام بسبب صاروخ قتل كل أفراد أسرتها، بقيت عدة أيام في مستشفى ألماني خيري قبل أن ترعاها منظمة محلية، ثم انتقلت للعيش في منزل عائلة من أهل الموصل، قالوا إنهم كانوا يعرفون والدها الذي كان يعمل حدادا في المدينة.
ويقول سعدي الحمداني، كافل الطفلة مريم، لـ"العربي الجديد": "سأبقيها عندي حتى يأتي أحد أخوالها أو أعمامها، وإن لم يأت أحد ستبقى عندي وتكون ابنتي"، ويضيف "ما زالت تعاني من كوابيس، وتستيقظ ليلا فزعة، وتسأل عن أمها كثيرا".
أم حسن (41 سنة)، أرملة فقدت زوجها وأولادها في معارك الموصل، فقررت أن تكفل الطفل أحمد ابن الثلاث سنوات، وعادت للعيش في غرفة صغيرة بالساحل الشرقي للموصل، وتقول "عسى أن يملأ علي الدنيا. لا أريد أن أبقى وحيدة بعد أن فقدت أولادي الاثنين وزوجي".
وتضيف لـ"العربي الجديد": "أتمنى أن لا يظهر أي من أقربائه، فهو صغير ويمكن أن يكبر وأكون أمه وكل شيء في حياته، وهو سيكون بالنسبة لي كذلك".
وتفتح الشرطة العراقية سجلا لكل حالة تبني من أجل التوثيق لأغراض قانونية. ويقول العقيد علي مازن لـ"العربي الجديد"، إن "القانون العراقي يمنع التبني بالمعنى المعروف، إلا أنه يسمح بالكفالة"، ويضيف "يبقى الطفل على اسم أهله، ولا ينقل على اسم العائلة الجديدة، لذا نحن نوثق تلك الحالات".
ولاحظ ناشطون ومتطوعون في منظمات إنسانية تعمل في مخيمات الموصل، اهتمام الأرامل بتبني الأطفال الذين فقدوا أسرهم بسبب الحرب أكثر من غيرهن. يقول الناشط جابر الحديدي، إن "ظاهرة التبني أخذت بالانتشار، ولاحظنا إقبال الأرامل على تبني الأطفال المنكوبين رغم ظروفهن المعيشية القاسية في المخيمات. أغلبهن قررن ذلك حرصاً على رعاية الصغار والحفاظ عليهم من الضياع، وبعضهن وجد في الأطفال تعويضا عن فقد عائلاتهن".
وبيّن الحديدي لـ"العربي الجديد"، أن عددا كبيرا من العائلات الموصلية قرر تبني أطفال خرجوا من المدينة بعد مقتل أسرهم، ولكن الأرامل كانت لهن الصدارة "ربما لشعورهن بمعاناة هؤلاء الأطفال، كونهن أمهات فقدن أطفالهن وأزواجهن خلال الحرب".
وذكرت الأمم المتحدة في تقارير سابقة قبل انتهاء معارك الموصل، أن نسبة الأطفال بين نازحي الموصل تشكل نحو 55 في المائة، وأن نحو 100 ألف طفل محاصرون في ظروف خطرة في المدينة القديمة، فيما فر نحو 700 ألف مدني من الموصل، وهو ما يعادل نحو ثلث عدد السكان.