حمزة حرمته الأوضاع الاقتصادية من التعليم

31 يناير 2019
داخل محلّه (العربي الجديد)
+ الخط -

لا تسير الحياة كما يتمنى المرء في معظم الأحيان. على سبيل المثال، يحلم الكثير من الشبان الفلسطينيين بمتابعة تعليمهم، من دون أن يحالفهم الحظ لأسباب عدّة، خصوصاً الظروف المعيشية الصعبة التي تضطرّهم لترك التعليم ومساعدة عائلاتهم.

عندما تدخل مخيّم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في مدينة صيدا (جنوب لبنان)، الذي لا تتعدّى مساحته الكيلومتر الواحد، تشعر بأن هناك حياة تنبض في السوق. وتعلو صرخات الأطفال في الزواريب الفقيرة. وحين تمرّ من أمام بوابات المدارس التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، وترى الأطفال خارجين من المدارس مع انتهاء الدوام المدرسي، ينتابك إحساس بأن الدنيا ما زالت بألف خير، وأن هؤلاء التلاميذ مقبلون على حياة أفضل، وسيتمكنون من الالتحاق بالجامعات. وفي الطرقات، يرتدي كثيرون الزي المدرسي الأزرق، ويتسابقون لشراء الترمس والفول وغزل البنات. لكنّ ما إن تتوغّل في سوق الخضار أكثر فأكثر، سترى في وجوه الكثير من الشباب الحزن. في كلّ يوم يمر، يأملون أن تنقلب حياتهم رأساً على عقب. لكنّ الحياة لم تكن منصفة معهم. الكثير من الشباب في المخيم لم يتمكنوا من متابعة تعليمهم في المدارس، وبالتالي لم يتمكنوا من الالتحاق بالجامعات أو تعلّم مهنة. وفي النتيجة، يقبلون بأي عمل للحصول على المال ومساعدة عائلاتهم الفقيرة. إلا أنهم يخشون المستقبل، لأنهم لا يملكون شهادة ولا مهنة، علهم يكونون قادرين على مجابهته.
وكلّما رأوا شباناً آخرين وقد قست عليهم الظروف، يشعرون بخوف أكبر.

حمزة السعدي شاب في الثامنة عشرة من العمر، يعيش في مخيم عين الحلوة. كان يحلم بأن يبني مستقبلاً مغايراً للمستقبل الذي يعيشه اليوم، وتحديداً متابعة تعليمه والالتحاق بالجامعة ودراسة التخصص الأحب إلى قلبه. إلا أنه كان قد ترك مقاعد الدراسة ليعمل ويساعد والده بتأمين تكاليف الحياة. يقول: "تركت المدرسة بعدما أنهيت الصف الثامن الأساسي، ولم تكن الأسباب التي دعتني إلى ترك المدرسة تتعلّق بمستواي الدراسي، أو عدم رغبتي في التعليم، بل كانت الأسباب معيشية اقتصادية بحتة".



يضيف السعدي: "نحن الشباب نترك المدرسة من أجل تأمين حياتنا ومعيشتنا. حتى إن معظم الذين تركوا المدرسة في عمر مبكر لم يتعلموا مهنة للمستقبل". ويوضح: "فتحت محلاً لتوصيل النراجيل إلى المحال والمنازل. كثيرون آخرون يشبهونني. كما أن الوضع الأمني دائم التوتر في المخيم لا يسمح لنا بتعلم مهنة. كلّما فكرنا بعمل تعاكسنا الظروف. كما أن تعلم مهنة يحتاج وقتاً كبيراً، وبالتالي لن نكون قادرين على توفير المال. يتوجب علينا تأمين المال لمساعدة أهلنا. لذلك، فتحت محلاً للنراجيل للحصول على المال، لكنني صرت بلا شهادة ولا مهنة".

يتابع حمزة: "لتعلم مهنة، علينا على الأقل إنهاء الصف التاسع الأساسي، لأن المعاهد لا تسمح للتلميذ الذي لم ينه دراسة الصف التاسع تعلم مهنة توفر له حياة كريمة في المستقبل". يضيف أن عدداً من أصدقائه أيضاً لم يرغبوا في ترك المدرسة، لكن ظروفهم المعيشية أجبرتهم على تركها بسبب الوضع الاقتصادي السيئ، ومساعدتهم أهلهم.

ويوضح حمزة أن والده يعمل سائقاً. ولأنه فلسطيني، يضطر إلى أخذ الحيطة والحذر، ما لا يجعله يعمل بحرية، وبالتالي يصبح دخله أقل، علماً أنه يحتاج إلى توفير المال للوقود، وتصليح السيارة، ودفع بدل إيجار اللوحة العمومية. لذلك، لم يكن قادراً على تأمين المتطلبات المعيشية الأخرى. "لم يكن من خيار أمامي غير ترك المدرسة والعمل لمساعدته في تأمين حياة كريمة لي ولأخوتي بالحد الأدنى".



من المسؤول عن مستقبل أولئك الشباب الذين تحرمهم ظروفهم المعيشيّة القاهرة من متابعة تعليمهم، كما تحرمهم الظروف الأمنية غير المستقرة من تعلم مهنة؟ على الأرجح، لن يكون هناك أي مستقبل إن ظلّ الحال على ما هو عليه. ولا يتوقّع أحد من أولئك الشبان الذين أرهقتهم الحياة أن تتحسّن الظروف في أحد الأيام، بل باتوا يشعرون باليأس أكثر بأكثر. كلّ يوم يمر ينذر بأسوأ منه.

حال حمزة لا يختلف عن حال كثيرين من الشباب، الذين يصابون غالباً باليأس على خلفية ظروفهم المعيشيّة الصعبة. ينجح بعضهم في التغلّب عليها أحياناً، قبل أن يحبطوا مجدداً. هؤلاء يتمسّكون بكل بارقة أمل ممكنة، ولو كانت قصة نجاح شاب آخر استطاع أن يجد لنفسه مساحة خاصة في مجتمعه.
المساهمون