حمدي غيث... ثلاث حكايات مع يوسف شاهين

11 مارس 2016
حمدي غيث (أنس عوض)
+ الخط -
في بداية الخمسينيات، كان هناك تاريخ جديد يكتب في مصر في كل المجالات، إذ انقلب مجموعة من ضباط الجيش مع دعم وتأييدٍ شعبي هائل في يوليو/حزيران 1952 على السلطة. ممّا خلق آمالاً كبيرة بشأن الاحتمالات في الحياة الجديدة في مصر، في الموسيقى أو المسرح أو الثقافة، وبالطبع، السينما. وقتها كان هنالك شاب عائد من أميركا بعد دراسة الإخراج يدعى، يوسف جبرائيل شاهين، أخرج أوّل أفلامه عام 1950، ولكنه ما زال يشعر بأنّ لديه الكثير الذي يمكن أن يقدِّمه ويطوِّره. وشاب يافع آخر، عاشق للمسرح يُدعَى، محمود حمدي غيث، درس في معهد التمثيل في مصر، ثم أكمل دراسته بفرنسا، وعاد هو الآخر في بداية الخمسينيات، لقاؤهما كان حكاية قصيرة ومميزة وكبيرة في تاريخ السينما في مصر والعالم العربي. 


عام 1954 أوّل عمل مشترك
شاهين، أخرج في بداية مسيرته عدداً من الأفلام التجارية، التي لا تظهر فيها بصمته السينمائيّة بوضوح. وفي المقابل، كان غيث يتحرك في المسرح، وبعض الأعمال في الراديو، وذلك اعتماداً على صوته الإذاعي المميز، دون أن ينال فرصة حقيقية في السينما. عام 1954 كان محورياً لكل منهما، للمخرج شاهين والمسرحي غيث. شاهين يخرج لأول مرة فيلماً سينمائيًا يتحمل الجانب الأكبر من مسؤوليته ومغامراته. إذ يختارُ للبطولة صديقًا قديمًا في أول تجاربه يدعى، عمر الشريف، مع، فاتن حمامة، وفي الأدوار المساعدة هناك ممثلون كبار مثل، فريد شوقي وزكي رستم، وهناك أيضاً شابّ سيمثل في السينما للمرة الأولى، ويسمّى حمدي غيث.

إقرأ أيضاً: حلم العالمية: هل انتهى زمن الأسطورة؟

فيلم "صراع في الوادي" تحفة في السينما المصريّة 
دور "سليم" في فيلم "صراع في الوادي"، كان محورياً ومهمًا، قصة الانتقام الملحمية في الجنوب التي سردها، يوسف شاهين، كانت بحاجة إلى ممثل ذي "كاريزما" حادّة. يشعر المشاهد بقوته وسيطرته على الجانب الآخر من الشخصيات الرئيسية، وخبرة حمدي غيث المسرحيّة، وملامحه الشخصيّة الحادة، وصوته الجهوري، والحس المسرحي الواضح في أدائه، جعل حضوره قوياً للغاية في الفيلم، ليصبح واحداً من كلاسيكيات السينما المصرية، ومن أكثر أفلامها أصالة وشهرة واحترامًا.

أفلام مدعومة من الدولة القوميّة
بعد هذا الفيلم، اتَّجه، يوسف شاهين، للكثير من التجارب. بعضها يظهرُ فيها الجانب الذاتي والفني والشخصي مثل "باب الحديد". والبعض الآخر. تم دعمها من الدولة المصريّة آنذاك، وذلك في إطار دعمها للسينما المحليّة لتقوية سياستها القومية السائدة في تلك الفترة، مثل فيلم "جميلة"، أو فيلم تجاري آخر مدعوم من الدولة بعنوان "أنت حبيبي". في المقابل، كان حمدي غيث أكثر اهتماماً بالمسرح، والذاكرة التوثيقية الأرشيفية لم تسجل الكثير من أعماله المسرحيّة في ذلك الوقت (قليلة هي الأعمال التي تتناول تجربة حمدي غيث المسرحيّة)، قبل أن يعود الثنائي للتعاون من جديد في أهم أدوار غيث، وأكثرها بقاءً في الذاكرة على الإطلاق، وهو دور ريتشارد قلب الأسد.

ربط عبد الناصر بصلاح الدين
ولمّا جاء فيلم "الناصر صلاح الدين" عام 1963، كان رؤيةً غير ملتزمة بالتاريخ، وتحاول أصلاً إلحاق التاريخ بحدث سياسي مرحلي. حيث كان طموح الدولة المصرية في الستينيات، ربط شخصية صلاح الدين الأيوبي، بشخصيّة الزعيم السياسي العربي جمال عبدالناصر. لذلك ساهم الجيش المصري في الفيلم الفانتازي بصورة مجاميع وفيالق وألوية، بينما، يوسف شاهين، كان مهتماً بالأساس بالجانب الفني أكثر من الهدف السياسي، وبرغبته في إثبات قدرته على تقديم "ملحمة تاريخية"، يمكن أن تقارن بأعمال “هوليوود”، دون عُشْر الإمكانات السينمائيّة الواقعيّة المتاحة، ولذلك جمع عدداً من أهم ممثلي السينما المصرية. في الدور الرئيسي كان أحمد مظهر، وعلى الناحية الأخرى منه، كان حمدي غيث في دور "ريتشارد" ملك إنجلترا.
مثل "صراع في الوادي"، فإن كاريزما حمدي غيث وقدراته التمثيلية المسرحيّة، وصوته الجميل بالأخص، منحت الفيلم الكثير من الموازنة بين طرفين متصارعين، وعلى الرغم من أن شخصيّة "ريتشارد" كانت في الناحية الأخرى من انتماء المشاهد. إلا أنَّه استطاع أن يحظى طوال الوقت باحترامه، وبتقدير الملك له، الذي أتى "دفاعاً عن محكوميه"، ليبقى الدور هو الأشهر في تاريخ غيث كممثل.


"فجر يوم جديد" كسر الثنائي
اللقاء الثالث لغيث مع شاهين كان بعدها بعامين فقط في فيلم "فجر يوم جديد". الدور كان أقصر وأخف، وتم الدور لشخصية "حسين"، الذي يحمل جملة أخلاقية مناهضة للبرجوازية، التي يحاول الفيلم أن ينتقدها. ولكن العمل مر بمشاكل كبيرة مع الرقابة، ولم يحظ بنفس تقدير الفيلمين الأوّلين، وكانت تلك هي نهاية التعاون بين ممثل موهوب جداً هو حمدي غيث، ومخرج هو من الأهم ربّما، في تاريخ السينما المصرية، هو يوسف شاهين.


نهاية الحكاية
استمرّ شاهين في تقديم أفلامه وتجاربه التي بدأت تأخذ شكلاً أكثر ذاتيّة، بينما ظلّ غيث مهتماً بالمسرح، والعمل النقابي مع الممثلين، وزادت مشاركاته في التلفزيون، وتحديداً في الأدوار التاريخية، ولم يترك بصمة أخرى في السينما إلا عند مشاركته عام 1999 مع المخرج، داود عبد السيد، في فيلم "أرض الخوف"، قبل أن يتوفى عام 2006. ويلحقه شاهين، أيضًا، عام 2008.

إقرأ أيضاً: فنانون مع الحرية... في الأغاني والأفلام فقط
دلالات
المساهمون