31 أكتوبر 2017
حماس ومحاذير التفاهمات مع دحلان
على الرغم من تضارب التسريبات بشأن تفاهمات قيل إن قيادة حركة حماس في قطاع غزة توصلت إليها، الأسبوع الماضي في القاهرة، مع القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان بشأن إدارة شؤون قطاع غزة، إلا أن هناك ما يدلل على أن الطرفين قد توصلا إلى إطار عام من التفاهمات غير النهائية، والتي ستخضع لمزيد من البحث. وقد اتضح أن لدحلان تحديدا مصلحة واضحة في تغذية التسريبات بشأن هذه التفاهمات، حيث إنه ترك لمقربين منه في الخارج، ونخب محسوبة على تياره في الداخل الفلسطيني، بالحديث عن هذه التفاهمات في إطلالات إعلامية، وعبر إغراق مواقع التواصل الاجتماعي بتفاصيل كثيرة. واللافت أن قيادة "حماس" التزمت الصمت، وتجنبت تقديم روايةٍ موازية، حتى عندما استغلت سلطة رام الله هذه التسريبات في التعريض بالحركة. ويتضح أن إطار التفاهمات يستند إلى معادلةٍ بسيطة وواضحة، قوامها: التزام دحلان القيام بخطواتٍ لتخفيف مظاهر الحصار على قطاع غزة، في مقابل منح تياره حرية العمل والحركة في القطاع، من خلال السماح لكبار مساعديه بالعودة إلى غزة، واستئناف الاحتكاك مع قواعد حركة فتح التي تؤيده.
بمعزل عن مدى دقة التسريبات وصحة تفاصيلها، يمكن القول إنه ليس فقط من حق "حماس" اختبار كل الخيارات السياسية التي يمكن أن تسهم في تقليص تأثير الحصار وفرملة تداعياته التي توشك أن تفضي إلى انهيار الخدمات الأساسية بشكل مطلق؛ بل من واجب الحركة التسلح بكل متطلبات المرونة السياسية، في سعيها إلى مواجهة هذا الخطر الهائل. وإن كان لم يعد سرا أن السعي إلى رفع الحصار كان وراء حرص "حماس" على إجراء مفاوضاتٍ مع حركة فتح، أثمرت عن عدة اتفاقاتٍ لإنهاء الانقسام الداخلي؛ فليس مستهجناً أن تسعى الحركة إلى التفاهم مع دحلان، بعدما تعذر تطبيق الاتفاقات مع "فتح" برئاسة محمود عباس.
مع ذلك، من السذاجة التعاطي مع دحلان بوصفه طرفا يتصرّف بالأصالة عن نفسه، أو يمثل جهة فلسطينية مستقلة، بل هو ببساطة أداة لدى محور إقليمي، يتبنى موقفا عدائيا واضحا وجليا من المقاومة والحركات الإسلامية، بشقيها العسكري والسياسي، وضمنها "حماس". ويزيد الأمور تعقيدا أن التسريبات بشأن التفاهمات المذكورة قد تزامنت مع الحملة الهوجاء التي يشنها المحور الذي يعمل لديه دحلان على دولة قطر، حيث تبين أن أهم مسوغات هذه الحملة هو علاقة الدوحة بالمقاومة الفلسطينية، فعندما يطالب وزير خارجية السعودية، عادل الجبير، الذي تتقاسم بلاده مع الإمارات ومصر عبد الفتاح السيسي قيادة هذا المحور، قطر بقطع علاقاتها بحماس، من الشروط لإنهاء المقاطعة عليها، فإنه يمكن النظر بريبةٍ كثيرة إلى حرص دحلان على إبرام التفاهمات مع الحركة. من هنا، على "حماس" أن تراعي أربعة محاذير رئيسة، قبل إبرام أي اتفاق مع دحلان، تتمثل في التالي:
أولاَ: على الرغم من أنه يفترض ألا تكون مصر طرفا في الاتفاق بين دحلان و"حماس"، فإن هذا الاتفاق سيحسّن من قدرة نظام السيسي على ابتزاز الحركة، واستدراجها إلى تقديم تنازلاتٍ كبيرة لصالحه وصالح إسرائيل، فدحلان سيدفع لحركة حماس بالعملة المصرية، بمعنى أن مصر هي من ستقدّم التسهيلات التي يعد بها، سواء فيما يتعلق بفتح معبر رفح الحدودي وإدخال الوقود اللازم لتشغيل محطة توليد الكهرباء وغيرها. وهذا يمنح نظام السيسي القدرة على ربط هذه التسهيلات بقضايا لا علاقة لدحلان "ظاهريا" بها، مثل الترتيبات الأمنية على الحدود بين القطاع وشمال سيناء، ومطالبة القاهرة "حماس" بتسليم أشخاصٍ تدّعي أنهم فرّوا من سيناء إلى غزة. ليس هذا فحسب، بل يمارس نظام السيسي حاليا ضغوطا كبيرة على قيادة "حماس" لإنهاء ملف الأسرى والمفقودين الصهاينة في قطاع غزة بأي ثمن، كما تؤكد قيادات في الحركة. وواضحٌ أنه، في حال تم الشروع في تطبيق التسهيلات، سيتقلص هامش المناورة أمام حماس أكثر، بحيث إنها ستكون مطالبة بالاختيار بين تواصل التسهيلات والتفريط بورقة الأسرى الصهاينة التي تعد الضمانة الوحيدة لإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال.
ثانيا: في وقتٍ ستكون فيه "حماس" تحت طائلة ابتزاز السيسي، سيتمتع محمد دحلان بهامش مناورة كبيرة لإعادة بناء نفوذ تياره في قطاع غزة، وستتعاظم شعبيته بشكل كبير، لأنه سينظر إليه "مخلص" غزة من مشكلاتها. وليس مستبعداً أن تفتعل إسرائيل، في لحظةٍ ما، مواجهة من "حماس" للقضاء على وجودها العسكري وإسقاط حكمها، على اعتبار أن البديل سيكون جاهزا.
ثالثا: أي اتفاق بين دحلان و"حماس" سيؤثر على طابع تحالفات الحركة الإقليمية، ولا سيما مع كل من قطر وتركيا. وقد يكون المحور السعودي الإماراتي المصري معنيا بأن يتوصل دحلان إلى تفاهماتٍ من أجل دفع "حماس" بعيدا عن حلفائها الطبيعيين.
رابعا: إذا أخذنا بالاعتبار أن المحور المذكور يرتبط بعلاقات شراكة وتنسيق مع كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، فإن هناك ما يبعث على الشك بأن هذا المحور معنيٌّ باستغلال الحصار على قطاع غزة لمساعدة تل أبيب وواشنطن في دفن صيغة "حل الدولتين". فإن كانت التسريبات صحيحةً، فإن تفاهمات دحلان ــ حماس ترمي إلى ربط قطاع غزة بمصر، وإسدال الستار نهائياً على فكرة الوحدة السياسية للضفة الغربية وقطاع غزة. صحيح أن حل الدولتين لا يعد إنجازا كبيرا للشعب الفلسطيني، لكن أي تعاون عربي في تجاوزه يعد إسهاما في تمكين اليمين الصهيوني من إنفاذ مخططه الهادف إلى تصفية القضية الفلسطينية.
قصارى القول، التفاهمات مع دحلان محفوفة بالمخاطر، ليس بسبب طابعها وتفاصيلها، بل بفعل السياقات والخلفيات الإقليمية التي تتبلور في إطارها. من هنا، على "حماس" توخي الحذر الشديد، قبل أن تكبّل ذاتها بقيود يصعب الفكاك منها. وعليها أن تختبر خياراتٍ أخرى لإدارة الأزمة، حتى تتوفر ظروفٌ داخلية أو إقليمية، تحسّن من قدرتها على المناورة. فعلى سبيل المثال، غياب محمود عباس عن مشهد الأحداث، الآتي لا محالة، سيوجد بيئةً فلسطينيةً داخلية، ستعفي الحركة من دفع أثمانٍ كثيرة ستدفعها لدحلان والمحور الذي يدعمه.
بمعزل عن مدى دقة التسريبات وصحة تفاصيلها، يمكن القول إنه ليس فقط من حق "حماس" اختبار كل الخيارات السياسية التي يمكن أن تسهم في تقليص تأثير الحصار وفرملة تداعياته التي توشك أن تفضي إلى انهيار الخدمات الأساسية بشكل مطلق؛ بل من واجب الحركة التسلح بكل متطلبات المرونة السياسية، في سعيها إلى مواجهة هذا الخطر الهائل. وإن كان لم يعد سرا أن السعي إلى رفع الحصار كان وراء حرص "حماس" على إجراء مفاوضاتٍ مع حركة فتح، أثمرت عن عدة اتفاقاتٍ لإنهاء الانقسام الداخلي؛ فليس مستهجناً أن تسعى الحركة إلى التفاهم مع دحلان، بعدما تعذر تطبيق الاتفاقات مع "فتح" برئاسة محمود عباس.
مع ذلك، من السذاجة التعاطي مع دحلان بوصفه طرفا يتصرّف بالأصالة عن نفسه، أو يمثل جهة فلسطينية مستقلة، بل هو ببساطة أداة لدى محور إقليمي، يتبنى موقفا عدائيا واضحا وجليا من المقاومة والحركات الإسلامية، بشقيها العسكري والسياسي، وضمنها "حماس". ويزيد الأمور تعقيدا أن التسريبات بشأن التفاهمات المذكورة قد تزامنت مع الحملة الهوجاء التي يشنها المحور الذي يعمل لديه دحلان على دولة قطر، حيث تبين أن أهم مسوغات هذه الحملة هو علاقة الدوحة بالمقاومة الفلسطينية، فعندما يطالب وزير خارجية السعودية، عادل الجبير، الذي تتقاسم بلاده مع الإمارات ومصر عبد الفتاح السيسي قيادة هذا المحور، قطر بقطع علاقاتها بحماس، من الشروط لإنهاء المقاطعة عليها، فإنه يمكن النظر بريبةٍ كثيرة إلى حرص دحلان على إبرام التفاهمات مع الحركة. من هنا، على "حماس" أن تراعي أربعة محاذير رئيسة، قبل إبرام أي اتفاق مع دحلان، تتمثل في التالي:
أولاَ: على الرغم من أنه يفترض ألا تكون مصر طرفا في الاتفاق بين دحلان و"حماس"، فإن هذا الاتفاق سيحسّن من قدرة نظام السيسي على ابتزاز الحركة، واستدراجها إلى تقديم تنازلاتٍ كبيرة لصالحه وصالح إسرائيل، فدحلان سيدفع لحركة حماس بالعملة المصرية، بمعنى أن مصر هي من ستقدّم التسهيلات التي يعد بها، سواء فيما يتعلق بفتح معبر رفح الحدودي وإدخال الوقود اللازم لتشغيل محطة توليد الكهرباء وغيرها. وهذا يمنح نظام السيسي القدرة على ربط هذه التسهيلات بقضايا لا علاقة لدحلان "ظاهريا" بها، مثل الترتيبات الأمنية على الحدود بين القطاع وشمال سيناء، ومطالبة القاهرة "حماس" بتسليم أشخاصٍ تدّعي أنهم فرّوا من سيناء إلى غزة. ليس هذا فحسب، بل يمارس نظام السيسي حاليا ضغوطا كبيرة على قيادة "حماس" لإنهاء ملف الأسرى والمفقودين الصهاينة في قطاع غزة بأي ثمن، كما تؤكد قيادات في الحركة. وواضحٌ أنه، في حال تم الشروع في تطبيق التسهيلات، سيتقلص هامش المناورة أمام حماس أكثر، بحيث إنها ستكون مطالبة بالاختيار بين تواصل التسهيلات والتفريط بورقة الأسرى الصهاينة التي تعد الضمانة الوحيدة لإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال.
ثانيا: في وقتٍ ستكون فيه "حماس" تحت طائلة ابتزاز السيسي، سيتمتع محمد دحلان بهامش مناورة كبيرة لإعادة بناء نفوذ تياره في قطاع غزة، وستتعاظم شعبيته بشكل كبير، لأنه سينظر إليه "مخلص" غزة من مشكلاتها. وليس مستبعداً أن تفتعل إسرائيل، في لحظةٍ ما، مواجهة من "حماس" للقضاء على وجودها العسكري وإسقاط حكمها، على اعتبار أن البديل سيكون جاهزا.
ثالثا: أي اتفاق بين دحلان و"حماس" سيؤثر على طابع تحالفات الحركة الإقليمية، ولا سيما مع كل من قطر وتركيا. وقد يكون المحور السعودي الإماراتي المصري معنيا بأن يتوصل دحلان إلى تفاهماتٍ من أجل دفع "حماس" بعيدا عن حلفائها الطبيعيين.
رابعا: إذا أخذنا بالاعتبار أن المحور المذكور يرتبط بعلاقات شراكة وتنسيق مع كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، فإن هناك ما يبعث على الشك بأن هذا المحور معنيٌّ باستغلال الحصار على قطاع غزة لمساعدة تل أبيب وواشنطن في دفن صيغة "حل الدولتين". فإن كانت التسريبات صحيحةً، فإن تفاهمات دحلان ــ حماس ترمي إلى ربط قطاع غزة بمصر، وإسدال الستار نهائياً على فكرة الوحدة السياسية للضفة الغربية وقطاع غزة. صحيح أن حل الدولتين لا يعد إنجازا كبيرا للشعب الفلسطيني، لكن أي تعاون عربي في تجاوزه يعد إسهاما في تمكين اليمين الصهيوني من إنفاذ مخططه الهادف إلى تصفية القضية الفلسطينية.
قصارى القول، التفاهمات مع دحلان محفوفة بالمخاطر، ليس بسبب طابعها وتفاصيلها، بل بفعل السياقات والخلفيات الإقليمية التي تتبلور في إطارها. من هنا، على "حماس" توخي الحذر الشديد، قبل أن تكبّل ذاتها بقيود يصعب الفكاك منها. وعليها أن تختبر خياراتٍ أخرى لإدارة الأزمة، حتى تتوفر ظروفٌ داخلية أو إقليمية، تحسّن من قدرتها على المناورة. فعلى سبيل المثال، غياب محمود عباس عن مشهد الأحداث، الآتي لا محالة، سيوجد بيئةً فلسطينيةً داخلية، ستعفي الحركة من دفع أثمانٍ كثيرة ستدفعها لدحلان والمحور الذي يدعمه.