لم يخب ظنّي يوماً بقدرة صديقي الأخضر، وهو وفيّ وصبور جداً. رافقني أثناء حياتي الأولى وقاسمني السرّاء والضرّاء طوال سنين عديدة. أخبرته أخيراً عن رغبتي في الانتقال إلى الكوكب الأحمر، وعن حاجتي إليه كي يبقى معي، فأنا مللت البقاء وحدي هنا، بعدما أحالوني إلى التقاعد، ورحلت عني زوجتي منذ ثلاث سنوات كي تعيش لوحدها في الكوكب الأزرق، مفضلة مواصلة حياتها هناك قرب البحر والليل الدائمين، خصوصاً بعدما ازداد مرضها جرّاء سماع الأخبار طيلة النهار وعدم قدرتها على السير في شوارع المدينة كي تموّه عن نفسها قليلاً، بسبب شتائم سائقي السيارات البذيئة والسرقات العلنية المكشوفة كل يوم، بلا أي شعور بالخجل أو الندم والحياء.
وكان ابني وابنتي قد سبقانا في السفر إلى الكوكب البرتقالي، ولم يعد من خوف عليهما في ذلك المكان الذي يبقى فيه الوقت فجراً طوال الوقت، لا يتبدل ولا يتغير قطّ. حتّى أنهما أخبرانا قبل سفر والدتهما أن لا حاجة لشراء ثياب جديدة أبداً، طالما أن الحرارة هي نفسها دائماً وأن المكان والزمان شيء واحد.
وفي الحال، قدمت بيتي الصغير المكون من حجرة واحدة فيها ثلاث لوحات وكرسي مريح وطاولة عليها علبة مناديل ورقية لم أفتحها بعد، إلى السيدة التي تنظف درج البناية كل أسبوع، وطلبت منها أن تبقي الأمر سرّاً، وأن تحافظ على الحجرة كما هي ومن دون مقابل، ولها كذلك حينما تنقطع الطرق أن تبقى في الحجرة، وأخبرتها عن المكان الذي خبأت فيه الشموع، فربما تحتاج إليها في ليالي الشتاء القادمة.
وحالما حزمت أمتعتي وهي قليلة، مع عصا وجدتها مرمية قدّام الدرج، رفعتها وأرحتها على كتفي اليمنى، سمعت صوت حماري الأخضر مستعجلاً إياي النزول إليه، فهو بدوره تشوق للإقامة في الكوكب الأحمر.
مدّ صديقي الأخضر جناحيه، وقد زاده الحماس واللهفة قوة فوق قوة، ورفع رأسه ذات الجبين العريض المستوي، وحدق بعينيه الحزينتين في كل ما حوله، ثم كما لو كان يرفس شخصاً بغيضاً وراءنا، رفع قدميه الخلفيتين واحدة تلو أخرى حتى كدت أقع أرضاً لو لم أتمسك بخصلات عنقه.
وما هي إلا غمضة عين حتى وجدنا أنفسنا على قمة جبل صخري كبير وعال جداً تكسوه بضع شجيرات متقاربة وقصيرة الجذوع، لكنها ذات أوراق حمراء صغيرة جداً ولامعة. عرفت فيما بعد أن هذه الأوراق هي شموع الليل، وأن لا ظلام هنا، طالما كانت هذه الأشجار حية.
في الصباح زارنا رجل عجوز بعينين باسمتين، ورحب بقدومنا، واستغرب وجود العصا قربي. سرّه كثيراً لون صديقي الحمار الذي كان لا يزال يغط في النوم، ويبدو أن اللون هو الذي جذبه إلينا، لكنه سأل عن العصا التي كنت أخط بها على الصخر أسفل قدمي. أخبرته أنها آخر شيء لقيته على كوكب الأرض، وقد جلبتها معي كتذكار. سألني عن الشوارع والبيوت، فأخبرته عن حجرتي الصغيرة، وعن السيدة النشطة التي تنظف درج البناية، وعن الشموع، فاستغرب كل ذلك، ووقف قائلاً: ما هذا، لديكم بيوت وحجرات وشموع وسلالم، لك كل هذه الأشياء المتعبة.
أحسست أنني قد أزعجته، وكان صديقي الأخضر قد استيقظ للتو ورفع صوته، وكانت تلك النغمة الرائعة أول شيء جميل لفت انتباه الرجل العجوز إضافة إلى لون شعره القريب من لون العشب.
يبدو أن العجوز سيخوض حديثاً شيقاً مع صديقي الأخضر، فيما كنت أعض على أسناني من البرد، بعدما هبت ريح قوية حملت العصا بعيدة عني، وكان ذلك الحدث الذي أضحكنا جميعاً، بعدما أشار إلي صديقي أن العجوز يسكن مغارة صغيرة قريبة وقد دعانا إلى حفل تعارف، فعاد إلينا النشاط وقمنا معاً تحرسنا أوراق الأشجار الحمراء، التي أخذت تنام شيئاً فشيئاً غير آبهة بالريح القارسة، في انتظار قدوم الليل بعد وقت طويل، كي تنهض وتنير لنا الطريق، لنرى جمال الجبل الأحمر والكهوف الحمراء الكثيرة في الكوكب الأحمر.
وكان ابني وابنتي قد سبقانا في السفر إلى الكوكب البرتقالي، ولم يعد من خوف عليهما في ذلك المكان الذي يبقى فيه الوقت فجراً طوال الوقت، لا يتبدل ولا يتغير قطّ. حتّى أنهما أخبرانا قبل سفر والدتهما أن لا حاجة لشراء ثياب جديدة أبداً، طالما أن الحرارة هي نفسها دائماً وأن المكان والزمان شيء واحد.
وفي الحال، قدمت بيتي الصغير المكون من حجرة واحدة فيها ثلاث لوحات وكرسي مريح وطاولة عليها علبة مناديل ورقية لم أفتحها بعد، إلى السيدة التي تنظف درج البناية كل أسبوع، وطلبت منها أن تبقي الأمر سرّاً، وأن تحافظ على الحجرة كما هي ومن دون مقابل، ولها كذلك حينما تنقطع الطرق أن تبقى في الحجرة، وأخبرتها عن المكان الذي خبأت فيه الشموع، فربما تحتاج إليها في ليالي الشتاء القادمة.
وحالما حزمت أمتعتي وهي قليلة، مع عصا وجدتها مرمية قدّام الدرج، رفعتها وأرحتها على كتفي اليمنى، سمعت صوت حماري الأخضر مستعجلاً إياي النزول إليه، فهو بدوره تشوق للإقامة في الكوكب الأحمر.
مدّ صديقي الأخضر جناحيه، وقد زاده الحماس واللهفة قوة فوق قوة، ورفع رأسه ذات الجبين العريض المستوي، وحدق بعينيه الحزينتين في كل ما حوله، ثم كما لو كان يرفس شخصاً بغيضاً وراءنا، رفع قدميه الخلفيتين واحدة تلو أخرى حتى كدت أقع أرضاً لو لم أتمسك بخصلات عنقه.
وما هي إلا غمضة عين حتى وجدنا أنفسنا على قمة جبل صخري كبير وعال جداً تكسوه بضع شجيرات متقاربة وقصيرة الجذوع، لكنها ذات أوراق حمراء صغيرة جداً ولامعة. عرفت فيما بعد أن هذه الأوراق هي شموع الليل، وأن لا ظلام هنا، طالما كانت هذه الأشجار حية.
في الصباح زارنا رجل عجوز بعينين باسمتين، ورحب بقدومنا، واستغرب وجود العصا قربي. سرّه كثيراً لون صديقي الحمار الذي كان لا يزال يغط في النوم، ويبدو أن اللون هو الذي جذبه إلينا، لكنه سأل عن العصا التي كنت أخط بها على الصخر أسفل قدمي. أخبرته أنها آخر شيء لقيته على كوكب الأرض، وقد جلبتها معي كتذكار. سألني عن الشوارع والبيوت، فأخبرته عن حجرتي الصغيرة، وعن السيدة النشطة التي تنظف درج البناية، وعن الشموع، فاستغرب كل ذلك، ووقف قائلاً: ما هذا، لديكم بيوت وحجرات وشموع وسلالم، لك كل هذه الأشياء المتعبة.
أحسست أنني قد أزعجته، وكان صديقي الأخضر قد استيقظ للتو ورفع صوته، وكانت تلك النغمة الرائعة أول شيء جميل لفت انتباه الرجل العجوز إضافة إلى لون شعره القريب من لون العشب.
يبدو أن العجوز سيخوض حديثاً شيقاً مع صديقي الأخضر، فيما كنت أعض على أسناني من البرد، بعدما هبت ريح قوية حملت العصا بعيدة عني، وكان ذلك الحدث الذي أضحكنا جميعاً، بعدما أشار إلي صديقي أن العجوز يسكن مغارة صغيرة قريبة وقد دعانا إلى حفل تعارف، فعاد إلينا النشاط وقمنا معاً تحرسنا أوراق الأشجار الحمراء، التي أخذت تنام شيئاً فشيئاً غير آبهة بالريح القارسة، في انتظار قدوم الليل بعد وقت طويل، كي تنهض وتنير لنا الطريق، لنرى جمال الجبل الأحمر والكهوف الحمراء الكثيرة في الكوكب الأحمر.