مساء الإثنين الماضي، بينما كانت الحاجة حلوة أبو راس مع زوجها وابنها حكمت عائدين من أداء واجب العزاء في بلدة الساوية جنوبي مدينة نابلس إلى الشمال من الضفة الغربية المحتلة، وعند محاولة قطع الشارع الرئيس، كانت مركبة عسكرية إسرائيلية، تمر بسرعة فائقة، لتدهس أمه التي تقدمت بخطوتين إلى الشارع، حتى ارتفعت عن الأرض مترين وسقطت، وليفر سائق المركبة من المكان مسرعا كأنه لم يفعل شيء، وفق ما يقوله حكمت.
ويضيف في حديث لـ"العربي الجديد": "صرت أصرخ وأركض تجاه أمي، لأجدها غائبة عن الوعي ملقاة على الأرض، والجيب العسكري يمضي مسرعا هاربا من المكان.. نقلناها إلى المشفى بسرعة كبيرة، حيث كانت حالتها الصحية حرجة، وأدخلت غرفة العمليات وأجريت لها عملية استئصال للطحال، كانت جروحها عديدة أيضا، جرحين في الكبد، كسور في القفص الصدري، خلع في الكتف، وكسر في رجلها اليسار.. وما تزال حتى اللحظة بحالة صعبة في غرفة العناية المكثفة".
حلوة، حارسة البيدر، عاشقة الأرض، الفلاحة الحرة التي لا تخيفها أشكال المستوطنين وبيوتهم التي تمتد على رؤوس الجبال القريبة من أرضها، ولم يهمها يوما ذاك الحاجز الذي يفصل بين أراضي البلدة والمستوطنة الجاثمة قربها "كانت تخرج لتقطف الميرمية والزعتر الجبلي بالمحاذاة من المستوطنة، دون أن يهمها مستوطن أو جندي صهيوني" يقول نجلها حكمت.
قبل نحو أربع سنوات، اعتدى المستوطنون عليها، وهي تزرع أرضها، وانهالوا عليها مع ابنتها بالضرب، وأصيبت بجروح متوسطة حينها مكثت بعدها في المشفى أياما، لكنها عادت بعد ذلك لتزرع وتحصد وتحمي الأرض، فهي عاشقة الأرض.. يذكر نجلها ما كانت تقول دوماً: "لو كل الناس بهتموا في أرضهم وبحرثوها وبزرعوها كان ما شفنا هالمستوطنات معبية الجبال".
يدعو نجلها كثيرا، وهو يحكي عنها، والحزن باد عليه بشكل واضح، يتمنى أن تعود لتطعمهم خبزها الذي اعتادوا عليه كل يوم، يقول: "يا رب ترجع تنورلنا الدار، وتعيد الفرحة علينا، ترجع لطابونها اللي ما فرطت فيه، كل الناس صاروا يخبزوا ع الفرن ما عداها، لساتوا الطابون اللي من سنين شغال وبتخبز عليه".
ترقد الحاجة أبو راس في مشفى النجاح الوطني في مدينة نابلس، ولا يتوقف الناس عن الوفود إلى المشفى للسؤال عنها والاطمئنان عليها، إذ يشير حكمت إلى أنه لم يبق سوى الأطفال الصغار من البلدة لم يأتوا لزيارتها، فهي كانت محبة لأهلها ولبلدها تشارك الجميع أفراحهم وأتراحهم ولا تقصر مع أحد، يحبها الجميع ويتمنى لها الخير.
ويضيف: "أمي الأمية التي لا تعرف القراءة والكتابة، خرّجت أبناءها من الجامعات، ودرسوا الماجستير والدراسات العليا، كنا في الشتاء عندما نجتمع عند كانون النار جميعا مع الإخوة والأخوات، نستمع لحديثها الشيق المليء بالعبر والحكم"، ويدعو حكمت ربه أن تعود للبيت سالمة معافاة من إصابتها.
بين ثمانين لوحة في معرض "سيدات الأرض" للمصور الفلسطيني علاء بدارنة، كانت في إحدى زواياه صورة الحاجة أبو راس، وهي تحصد القمح من أرضها مستخدمة المنجل، كانت الصور تلخص المرأة الفلسطينية المقاومة الحامية لأرضها والمكافحة في حياتها، وكانت أبو راس إحدى تلك النساء المقاومات بحبها لأرضها.
يقول بدارنة لـ"العربي الجديد": أنا لا أختار المرأة الفلسطينية التي تعمل بالأرض بشكل عشوائي، بل أبحث بشكل دقيق وأسافر من أجل الوصول إلى المرأة المناسبة". ويضيف: "كنت أرى الحاجة حلوة دائماً في الأراضي القريبة من الشارع الرئيس أثناء مروري منه، كانت دائما تزرع أو تحصد أرضها، وفي يوم من الأيام وصلت إلى أحد أبنائها ورتبنا لقاءً معها كان عند السادسة صباحا وفي يوم حصاد".
ويصفها قائلا: "كانت سيدة عظيمة، مبتسمة، تحكي عن تاريخ الحصاد الذي شهدته على طول عمرها، وعن ثقافة العلاقة مع الأرض، وسردت أيضا الحاجة حلوة لنا قصة أرضها القريبة من المستوطنة، وكيف تصلها برغم الخطر والتواجد الدائم للمستوطنين".
ويتابع: "قمت بالتقاط عدد من الصور للحاجة حلوة، وكانت من أجمل الصور والتي قررت لاحقا أن تكون من ضمن الصور العروضة في معرض "سيدات الأرض" وقبل أيام قليلة من المعرض فجعت بخبر دهسها من قبل الاحتلال أمام بيتها، وهي الآن في المشفى، لكن صورها حاضرة في المعرض، وأتمنى أن تتعافى وتعود لأرضها وأهلها وبيتها عما قريب".