العيش، الحرية، العدالة الاجتماعية. ثلاثة مطالب استنبط منها المصريون شعار ثورة الـ 25 من يناير/كانون الثاني 2011. ومع تفاقم الأزمات الاقتصادية وتدني مستوى الخدمات خلال السنوات الثلاث الماضية، لاح في الأفق في محافظات الصعيد، الواقعة جنوبي مصر، شعار جديد أساسه "العدالة في توزيع الأزمات".
أزمات حقيقية
ليس صعباً اكتشاف المعاناة الاستثنائية التي يعيشها صعيد مصر، حين التعرّف إلى أزمة الانقطاع شبه الدائم للتيار الكهربائي في أغلب أوقات العام، وتحديداً في فصل الصيف. ولعل التصريحات الصادمة التي أدلى بها رئيس جهاز مرفق تنظيم الكهرباء وحماية المستهلك حافظ سلماوي، تعليقاً على تفاقم مشكلة الكهرباء في الصعيد، تكشف نظرة الحكومة الحقيقية لهذا الإقليم.
فعندما واجهت "العربي الجديد" سلماوي بسؤالٍ حول أسباب تراخي الحكومة في معالجة أزمة انقطاع الكهرباء، إلى درجة أًصابت حياة المواطنين بالشلل التام لأيامٍ كاملةٍ، أجاب سلماوي بلهجة صارمة: "الصعيد لا يتمتع بنفس درجة التسليط الإعلامي الذي تحظى بها القاهرة ومحافظات الوجه البحري، لذا أصابه النصيب الأكبر من الأزمة".
ويكشف سلماوي الدور المحوري الذي يلعبه الإعلام في توجيه سياسات الحكومة، قائلاً "نعلم أن أزمة الكهرباء تفاقمت في الصعيد منذ عام 2010، أي قبل عامين من ضرب الأزمة للقاهرة. إلا أن الحكومة لم تواجه ضغطاً حقيقياً إلا في عام 2012، عندما شنت وسائل الإعلام هجوماً شرساً على معضلة أزمة الكهرباء في القاهرة".
ويضم الصعيد عشر محافظات تحظى بالنصيب الأقل من التيار الكهربائي المخصص للشبكة القومية، بسبب حرمان قرى بالكامل من البنية الأساسية مثل الكهرباء والصرف الصحي. حيث تجاوزت معدلات الانقطاع الـ 12 ساعة متواصلة خلال الأشهر الماضية. في حين أن ذلك المعدل لم يتخط خمس ساعات في الوجه البحري في شمال مصر.
والمثير في الأمر أن معدلات الاستهلاك الطبيعية للتيار الكهربائي في الصعيد، تنخفض عن نظيرتها في القاهرة والوجه البحري. وذلك، نظراً لعدم امتلاك أغلب المنازل في الوجه القبلي (الصعيد) أجهزة كهربائية حديثة، تستهلك كميات كبيرة من الكهرباء بسبب تدني مستوى دخل المواطنين.
ويفسر سلماوي هذا "الوضع العجيب"، بأن الحكومة لجأت إلى تخفيف الأحمال الكهربائية الموجهة نحو "الوجه القبلي"، بهدف تغذية القاهرة والوجه البحري بأكبر قدر ممكن من الكهرباء. ما فاقم الأزمة مبكراً في الصعيد.
وكعادتها عند الحديث عن صعيد مصر، تقف الحكومة عند حدود التصريحات والخطط دون أن يكون لها صدى على أرض الواقع. ويؤكد وزير التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري، أشرف العربي، خلال مؤتمر اقتصادي ناقش التحديات الاستثمارية ومشكلات المواطنين، على أن "الحكومة الحالية تتبنى نظرة مختلفة للتنمية، تقوم على توزيع ثمارها على جميع المواطنين، وتحديداً بالمناطق الأكثر فقراً مثل الصعيد".
لكن، وفقاً لإحصائيات رسمية صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن نسبة الفقر في صعيد مصر بلغت %49، في حين أن نسبة الفقر في البلاد تبلغ 26.3%. في حين تقدر تقارير التنمية البشرية الصادرة عن الجهاز الإنمائي للأمم المتحدة "UNDP" أن معدل الفقر في مصر يبلغ 46%؛ وذلك استناداً إلى خط الفقر في الدول النامية المحدد بمتوسط دولارين يومياً للمواطن.
وفي محاولة لخلق بصيص من الأمل، يؤكد وزير التخطيط أن خطة التنمية تتضمن ضخ حزمة استثمارات تحفيزية بقيمة تتجاوز 60 مليار جنيه مصري. وذلك لتطوير شبكة البنية التحتية في محافظات مصر وعلى رأسها الصعيد. أيضاً من أجل إمداد المواطنين بالخدمات الأساسية من شبكات المياه، الصرف الصحي، الكهرباء والطرق.
وحين نعود بالزمن إلى الوراء، سنكتشف أن الخطط التنموية التي أعلنتها الحكومات المتعاقبة على مصر، احتلت فيها الصعيد مساحة كبيرة. من هذه الخطط مثلاً إطلاق وعود بإقامة مشاريع لتشغيل المعطّلين، توفير مدارس لاستيعاب الطلاب، ومد شبكات البنية الأساسية... إلا أنه حين نتفحص الواقع سنجد أن هذه الحكومات اكتفت بإنجازات محدودة على سبيل الدعاية لخطط التنمية.
ويبدو أن التصريحات الأخيرة لوزير الاستثمار أشرف سالمان، لم تخرج عن هذا المضمار. فقد شدد الأخير على أنه يعكف على الترويج لمشاريع في الصعيد، عبر منح المستثمرين إعفاءات ضريبية في المناطق الأكثر احتياجاً للتنمية. وتصطدم هذه السياسة التحفيزية بأساسيات تدشين التي تتطلب توفير بنية أساسية قوية، وهو أمر تفتقر إليه محافظات الوجه القبلي.
وعلى الرغم من انخفاض حدة انقطاع التيار الكهرباء بصورة ملموسة في القاهرة والإسكندرية وغيرها من محافظات الوجه البحري، إلا أن الأمر مختلف في صعيد مصر. فوفقاً للطالب بكلية الحقوق جامعة "أسيوط" مدحت طه، ما زال هناك انقطاع للكهرباء لبعض الوقت في أسيوط، مما يتسبب في توقف حياة المواطنين لحين عودة التيار.
ويتابع في حديثه لـ "العربي الجديد" أن الأزمة الحقيقية ليست في انقطاع التيار الكهربائي، "بل تكمن في حرمان العديد من المنازل بالقرى من أبسط الخدمات الأساسية لمزاولة الحياة بشكلٍ طبيعي، وفي المقابل يخرج علينا المسؤولون بتصريحات جوفاء عن تنمية الصعيد".
وفي الوقت الذي تتمتع فيه العاصمة بوفرة البنزين الآن، تتكدس السيارات أمام محطات تموين في الصعيد حسب طه، الذي يؤكد أن "أزمة الوقود ليست مسألة عابرة في الوجه القبلي الذي يضم أكثر من 31 مليون نسمة، بل هي مشكلة تتكرر، بسبب عدم وجود رقابة حقيقية للسيطرة على السوق السوداء.
وكنموذج دامغ على ركود المشاريع في الأدراج الحكومية بعد تعلق آمال المواطنين بها، هو تخصيص الحكومة مساحة خمسة آلاف فدان في محافظة سوهاج منذ عام 2006 لإقامة مدرسة عملاقة للتعليم الفني، غير أنه لم يحن الوقت لتنفيذها بسبب غياب التمويل، حسب أحد المستثمرين بالصعيد.
ويشير المستثمر ذاته إلى أن "المصانع تفتقد إلى الدعم الحقيقي من قبل الحكومة. وذلك مثل اشتراط مركز تحديث الصناعة التابع لوزارة الصناعة التأمين على 10 عمال من كل مصنع للحصول على دعم مالي. بالرغم من وجود عشرات المصانع في الصعيد يعمل بها أقل من 10 عمال أصلاً".
أزمات حقيقية
ليس صعباً اكتشاف المعاناة الاستثنائية التي يعيشها صعيد مصر، حين التعرّف إلى أزمة الانقطاع شبه الدائم للتيار الكهربائي في أغلب أوقات العام، وتحديداً في فصل الصيف. ولعل التصريحات الصادمة التي أدلى بها رئيس جهاز مرفق تنظيم الكهرباء وحماية المستهلك حافظ سلماوي، تعليقاً على تفاقم مشكلة الكهرباء في الصعيد، تكشف نظرة الحكومة الحقيقية لهذا الإقليم.
فعندما واجهت "العربي الجديد" سلماوي بسؤالٍ حول أسباب تراخي الحكومة في معالجة أزمة انقطاع الكهرباء، إلى درجة أًصابت حياة المواطنين بالشلل التام لأيامٍ كاملةٍ، أجاب سلماوي بلهجة صارمة: "الصعيد لا يتمتع بنفس درجة التسليط الإعلامي الذي تحظى بها القاهرة ومحافظات الوجه البحري، لذا أصابه النصيب الأكبر من الأزمة".
ويكشف سلماوي الدور المحوري الذي يلعبه الإعلام في توجيه سياسات الحكومة، قائلاً "نعلم أن أزمة الكهرباء تفاقمت في الصعيد منذ عام 2010، أي قبل عامين من ضرب الأزمة للقاهرة. إلا أن الحكومة لم تواجه ضغطاً حقيقياً إلا في عام 2012، عندما شنت وسائل الإعلام هجوماً شرساً على معضلة أزمة الكهرباء في القاهرة".
ويضم الصعيد عشر محافظات تحظى بالنصيب الأقل من التيار الكهربائي المخصص للشبكة القومية، بسبب حرمان قرى بالكامل من البنية الأساسية مثل الكهرباء والصرف الصحي. حيث تجاوزت معدلات الانقطاع الـ 12 ساعة متواصلة خلال الأشهر الماضية. في حين أن ذلك المعدل لم يتخط خمس ساعات في الوجه البحري في شمال مصر.
والمثير في الأمر أن معدلات الاستهلاك الطبيعية للتيار الكهربائي في الصعيد، تنخفض عن نظيرتها في القاهرة والوجه البحري. وذلك، نظراً لعدم امتلاك أغلب المنازل في الوجه القبلي (الصعيد) أجهزة كهربائية حديثة، تستهلك كميات كبيرة من الكهرباء بسبب تدني مستوى دخل المواطنين.
ويفسر سلماوي هذا "الوضع العجيب"، بأن الحكومة لجأت إلى تخفيف الأحمال الكهربائية الموجهة نحو "الوجه القبلي"، بهدف تغذية القاهرة والوجه البحري بأكبر قدر ممكن من الكهرباء. ما فاقم الأزمة مبكراً في الصعيد.
وكعادتها عند الحديث عن صعيد مصر، تقف الحكومة عند حدود التصريحات والخطط دون أن يكون لها صدى على أرض الواقع. ويؤكد وزير التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري، أشرف العربي، خلال مؤتمر اقتصادي ناقش التحديات الاستثمارية ومشكلات المواطنين، على أن "الحكومة الحالية تتبنى نظرة مختلفة للتنمية، تقوم على توزيع ثمارها على جميع المواطنين، وتحديداً بالمناطق الأكثر فقراً مثل الصعيد".
لكن، وفقاً لإحصائيات رسمية صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن نسبة الفقر في صعيد مصر بلغت %49، في حين أن نسبة الفقر في البلاد تبلغ 26.3%. في حين تقدر تقارير التنمية البشرية الصادرة عن الجهاز الإنمائي للأمم المتحدة "UNDP" أن معدل الفقر في مصر يبلغ 46%؛ وذلك استناداً إلى خط الفقر في الدول النامية المحدد بمتوسط دولارين يومياً للمواطن.
وفي محاولة لخلق بصيص من الأمل، يؤكد وزير التخطيط أن خطة التنمية تتضمن ضخ حزمة استثمارات تحفيزية بقيمة تتجاوز 60 مليار جنيه مصري. وذلك لتطوير شبكة البنية التحتية في محافظات مصر وعلى رأسها الصعيد. أيضاً من أجل إمداد المواطنين بالخدمات الأساسية من شبكات المياه، الصرف الصحي، الكهرباء والطرق.
وحين نعود بالزمن إلى الوراء، سنكتشف أن الخطط التنموية التي أعلنتها الحكومات المتعاقبة على مصر، احتلت فيها الصعيد مساحة كبيرة. من هذه الخطط مثلاً إطلاق وعود بإقامة مشاريع لتشغيل المعطّلين، توفير مدارس لاستيعاب الطلاب، ومد شبكات البنية الأساسية... إلا أنه حين نتفحص الواقع سنجد أن هذه الحكومات اكتفت بإنجازات محدودة على سبيل الدعاية لخطط التنمية.
ويبدو أن التصريحات الأخيرة لوزير الاستثمار أشرف سالمان، لم تخرج عن هذا المضمار. فقد شدد الأخير على أنه يعكف على الترويج لمشاريع في الصعيد، عبر منح المستثمرين إعفاءات ضريبية في المناطق الأكثر احتياجاً للتنمية. وتصطدم هذه السياسة التحفيزية بأساسيات تدشين التي تتطلب توفير بنية أساسية قوية، وهو أمر تفتقر إليه محافظات الوجه القبلي.
وعلى الرغم من انخفاض حدة انقطاع التيار الكهرباء بصورة ملموسة في القاهرة والإسكندرية وغيرها من محافظات الوجه البحري، إلا أن الأمر مختلف في صعيد مصر. فوفقاً للطالب بكلية الحقوق جامعة "أسيوط" مدحت طه، ما زال هناك انقطاع للكهرباء لبعض الوقت في أسيوط، مما يتسبب في توقف حياة المواطنين لحين عودة التيار.
ويتابع في حديثه لـ "العربي الجديد" أن الأزمة الحقيقية ليست في انقطاع التيار الكهربائي، "بل تكمن في حرمان العديد من المنازل بالقرى من أبسط الخدمات الأساسية لمزاولة الحياة بشكلٍ طبيعي، وفي المقابل يخرج علينا المسؤولون بتصريحات جوفاء عن تنمية الصعيد".
وفي الوقت الذي تتمتع فيه العاصمة بوفرة البنزين الآن، تتكدس السيارات أمام محطات تموين في الصعيد حسب طه، الذي يؤكد أن "أزمة الوقود ليست مسألة عابرة في الوجه القبلي الذي يضم أكثر من 31 مليون نسمة، بل هي مشكلة تتكرر، بسبب عدم وجود رقابة حقيقية للسيطرة على السوق السوداء.
وكنموذج دامغ على ركود المشاريع في الأدراج الحكومية بعد تعلق آمال المواطنين بها، هو تخصيص الحكومة مساحة خمسة آلاف فدان في محافظة سوهاج منذ عام 2006 لإقامة مدرسة عملاقة للتعليم الفني، غير أنه لم يحن الوقت لتنفيذها بسبب غياب التمويل، حسب أحد المستثمرين بالصعيد.
ويشير المستثمر ذاته إلى أن "المصانع تفتقد إلى الدعم الحقيقي من قبل الحكومة. وذلك مثل اشتراط مركز تحديث الصناعة التابع لوزارة الصناعة التأمين على 10 عمال من كل مصنع للحصول على دعم مالي. بالرغم من وجود عشرات المصانع في الصعيد يعمل بها أقل من 10 عمال أصلاً".