حلم السكن في دمشق

01 ديسمبر 2018
يصعب إيجاد مسكن (لؤي بشارة/ فرانس برس)
+ الخط -
ما زالت دمشق تلك المدينة المغرية لكثير من الشباب السوري، الذي يحلم بالدراسة والعمل فيها. هذه المدينة تنبض بالحياة على عكس قرى كبيرة أخرى، وقد سمع الشباب قصصاً جميلة عن شوارع دمشق القديمة وأسواقها، كسوق الحميدية والصالحية والحمراء والشعلان وحديقة تشرين والسبكي. كلّ تلك الأحلام تصطدم بواقع المعيشة الصعب، على رأسها بدل إيجار المساكن المرتفع.

جميلة وصديقاتها الأربع القادمات من دير الزور للدراسة في دمشق، حالفهن الحظ بأن وجدن منزلاً في جنوب دمشق. تقول جميلة لـ "العربي الجديد": "كان الهمّ الرئيسي لدي عندما وصلت إلى دمشق إيجاد منزل أقيم فيه. كان الوضع في المدينة الجامعية سيّئاً جداً. قرّرت استئجار منزل أعيش فيه، لكن المبالغ التي طلبت مني خيالية، وقد اكتشفت أن في دمشق منازل تؤجر شهرياً بنحو مليون ليرة سورية (نحو ألفي دولار)".

تضيف: "في ظلّ ارتفاع بدلات الإيجار، اضطررت للذهاب إلى أحياء بعيدة. هناك من عرض علي غرفة واحدة بـ 150 ألف ليرة (نحو 300 دولار). تابعت البحث إلى أن وجدت شقة صغيرة في منطقة سكن عشوائية في جنوب دمشق، فيها بعض الأثاث في مقابل 50 ألف ليرة (نحو مائة دولار) شهرياً. تواصلت مع صديقاتي وتشاركنا المسكن على الرغم من أن المنطقة بعيدة عن جامعتنا نحو ساعة. لكن ذلك أفضل الموجود بالنسبة إلينا".



حيان أبو صعب يسكن في غرفة تغطي أرضها سجادة صغيرة وفراش في إحدى زواياها، فيها غاز صغير وبعض المواد الغذائية. يقول لـ "العربي الجديد": "وجدت هذه الغرفة بعد بحث لمدة ثلاثة أشهر وبمساعدة أحد الأقارب، الذي كان قد تسبّب في تخفيض بدل الإيجار من 30 ألفاً (نحو 61 دولاراً) إلى 26 ألفاً و500 ليرة (نحو 53 دولاراً)". يضيف: "بالطبع، المبلغ ليس صغيراً ويجد أبي صعوبة في تأمينه. طبيعة دراستي الجامعية لا تسمح لي بالعمل، ما جعلني أحاول إيجاد شريك أو اثنين في الغرفة ليساعداني في تأمين بدل الإيجار".

من جهتها، تقول الطالبة الجامعية لانا علي: "كنت أتمنى السكن خارج المدينة الجامعية. في غرفتي 8 فتيات، وبالكاد نستطيع النوم. بعض الفتيات ينمن على الأرض، لكن ليس بمقدور عائلتي تحمّل بدل إيجار منزل أو غرفة. اليوم، أقضي الوقت بين منزل عمتي والمدينة. لا أحب أن أثقل عليهم على الرغم من سوء الوضع". تضيف: "بعض أصحاب المنازل يضعون شرط تأجير طالبات، ويأخذون من كل فتاة 10 آلاف ليرة (نحو 20 دولاراً)، ما يجعل بدل إيجار المنزل أكثر من المتعارف عليه".

أما يحيى سليم، فهو شاب وحيد لعائلته، تخرّج من المعهد التجاري ولم يجد عملاً في مدينته، ما دفعه للسفر إلى العاصمة دمشق للعمل. يسكن مع 10 شباب في غرفة في إحدى ضواحي دمشق. يقول لـ "العربي الجديد": "استئجار منزل مستقل بالنسبة لي في دمشق قد يكون أحد أحلامي التي أعتقد أنها صعبة التحقيق. بدل إيجار منزل في المناطق العشوائية في دمشق يساوي راتبي الشهري، علماً أنني أعمل في القطاع الخاص وأتقاضى ضعفي راتب موظف حكومي في بداية حياته الوظيفية".

يضيف: "لن أحدثكم عن بدل إيجار منزل داخل دمشق لأنّ هذا يتطلب أن تعمل عائلتي جميعها"، لافتاً إلى أن "غالبية الشباب هم من أبناء الأزمة الذين لم يحالفهم الحظ بالسفر أو القيام بأعمال غير شرعية. وقد تحوّلت أبسط مقومات الحياة، وهي السكن، إلى حلم". ويذكر أنّ صديقاً له يعيش مع عائلته التي تستأجر منزلاً قريباً من منزله. صديقه ينفق راتبه وراتب شقيقته على بدل إيجار المنزل، في حين أن راتب والده وشقيقه الأصغر سناً وشقيقته الأخرى مخصصة لتأمين احتياجات المنزل. ولولا أنّه يعمل مساء بائعاً في متجر، لعانى من عجز مالي. وهناك عائلات تسكن في منزل واحد حتى تستطيع تأمين بدل إيجار منزل.



بدوره، يقول أبو أحمد نجاد، الذي يؤجّر منزله لمجموعة من الفتيات، منهن طالبات جامعيات وعاملات، في حديث لـ "العربي الجديد": "بدل إيجار منزلي مصدر دخل مهم لي. قبل الأزمة، كان بدل الإيجار 10 آلاف ليرة سورية (نحو 200 دولار)، أي ما يعادل اليوم نحو 100 ألف ليرة سورية. اليوم، أتقاضى 80 ألف ليرة، ما يعني أن بدل إيجاره اليوم أقل ممّا كان قبل الأزمة". ويرى أنّ خيار تأجيره لفتيات أفضل من العائلات التي لا تستطيع تأمين مثل هذا المبلغ، كما أنّ الفتيات يحافظن على المنزل أكثر من العائلات، خصوصاً إذا كان لديهم أطفال".

ويذكر أنّ "الكثير من أصحاب المنازل، خصوصاً من تركوا دمشق وعادوا إلى مدنهم، تركوا فيها بعضاً من أثاثهم، وأجّرت على أنها منازل مفروشة، وقد ارتفعت بدلات الإيجار، وأصبحنا نضرب قيمة أي شيء بعشرة، باستثناء الرواتب. الموظّف الذي كان راتبه نحو 500 دولار أميركي، أصبح يتقاضى ما يعادل 70 دولاراً أميركياً، في حين أن العائلة تحتاج لتؤمّن لوازمها الأساسية 300 دولار، وتصنف على أنها عائلة فقيرة".