حكومة نتنياهو: لا ورقة توت يسارية ولا أكاذيب سلام

16 مايو 2015
لا تخطط حكومة نتنياهو لإطلاق عملية سلمية (فرانس برس)
+ الخط -
لم تكن المرة الأولى التي يشهد فيها الكنيست الإسرائيلي تأخيراً وخلافات قبل ساعات بل وحتى لحظات من تشكيل الحكومة الجديدة، على غرار ما شهده ليلة الجمعة عند التصويت على حكومة بنيامين نتنياهو الرابعة. فقد سبق لمثل هذا المشهد أن تكرر، وبالذات مع نتنياهو نفسه، قبل عرض حكومته الأولى بلحظات في العام 1996، عندما تغيب أرئيل شارون عن قاعة التصويت ولم يعد إلا بعد أن ابتز من نتنياهو ما تبين أنه أكبر وأهم وزارة في إسرائيل هي وزارة البنى التحتية. وقد استنفد شارون كل موارد الوزارة لتطبيق برامجه في تعزيز الاستيطان في الضفة الغربية، بالرغم من اتفاق أوسلو، ووفق الخرائط التي طالما عرضها في جولاته الميدانية في الضفة الغربية أمام الصحافيين ووسائل الإعلام.

اقرأ أيضاً: حلّ الدولتين غائب عن الخطوط العريضة لحكومة نتنياهو

حكومة نتنياهو الجديدة، وإن خلت من الوزير الليكودي السابق جلعاد أردان لأول مرة في إسرائيل منذ العام 2001 مع تشكيل حكومة أرئيل شارون الأولى، إلا أنها تفتقر إلى ورقة توت تجمّل سياساتها أمام المجتمع الدولي على عكس معظم الحكومات الإسرائيلية السابقة.
حتى حكومة شارون الأولى، حكومة الانتفاضة الثانية وعدوان "السور الواقي" الذي اجتاح فيه شارون مدن الضفة الغربية وضرب الحصار على الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، كانت تتمتع بغطاء وافر منحه إياها شمعون بيريز وباقي وزراء حزب العمل.
وتكرر الأمر في حكومة شارون الثانية التي امتدت لغاية العام 2006، وتبوأ فيها شمعون بيريز وفؤاد بن إليعيزر وباقي وزراء العمل مناصب رفيعة، شكلت درعاً واقياً لحكومة شارون بعد أن كان بيريز ورفاقه قد انقلبوا على أوسلو واتهموا عرفات بأنه عاد إلى "دعم الإرهاب"، ولا سيما بعد فشل مؤتمر كامب ديفيد في عهد إيهود باراك في العام 2000.
أما حكومة إيهود أولمرت الأولى (بعد إصابة شارون بمرضه وغيبوبته)، فقد تفوقت على الحكومات السابقة. وإلى جانب الغطاء الذي وفره لها حزب العمل، استعان بوزير عربي مسلم، هو غالب مجادلة، الذي ظل في الحكومة حتى بعد استقالة نظيره في العمل أوفير بينس، احتجاجاً على ضم أفيغدور ليبرمان للحكومة.
ولم يمنع ذلك باقي أقطاب العمل من توفير الدرع الواقي عالمياً لحكومة أولمرت ولا سيما في أوج عدوان الرصاص المصبوب على قطاع غزة. بل إن مشاركة حزب العمل في حكومة أولمرت، كان لها الأثر الأكبر في رد تقرير غولدستون.
وعندما شكل نتنياهو حكومته الثانية، بعد فشل تسيبي ليفني في تأليف الحكومة، استخلص العبرة من غروره الذي ميز حكومته الأولى بعد تغلبه على شمعون بيريز في العام 1996، التي كانت يمينية بامتياز واضطره افتقاره إلى "ورقة توت من اليسار" إلى الذهاب إلى انتخابات جديدة بعد انتفاضة النفق وتأزم وضع حكومته.
لذلك حرص نتنياهو بشكل خاص منذ عودته للحكم، وعند تشكيل حكومتيه الثانية عام 2009 والثالثة عام 2013، على ألّا تخلو حكوماته الجديدة من أي مركب يساري أو وسطي يصلح واجهة لإسرائيل وقناة للاتصال مع العالم الخارجي، ولا سيما أوروبا والولايات المتحدة. طوّر نتنياهو في حكومته الثانية علاقات مميزة مع خصمه اللدود شمعون بيريز الذي كان قد أًصبح رئيساً لإسرائيل، وأوكل إليه مرات عديدة مهام سياسية، كان بمقدوره عند اللزوم أن ينسحب منها، بعد امتصاص الغضب الدولي، بذريعة أن الرئيس الإسرائيلي غير مخول باتخاذ قرارات سياسية حاسمة.
وعاد نتنياهو إلى المناورة نفسها في حكومته السابقة عندما أصر على ضم تسيبي ليفني، وقد تراجعت قوتها البرلمانية بعد انهيار حزب كديما وتشكيلها لحزب "هتنوعاه" الذي حاز في الانتخابات الماضية على ستة مقاعد فقط.
ظنت ليفني أنها ستكون مطلقة الصلاحيات في إدارة المفاوضات مع الجانب الفلسطيني، عبر كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات، لكن سرعان ما تبين لها أن الكلمة الفصل في نهاية المطاف هي لنتنياهو عبر موفده الشخصي يتسحاق مولوخو.
واليوم مع تشكيله حكومته الرابعة، فإن نتنياهو يعود إلى التشكيلة الأيديولوجية نفسها تقريباً لحكومته الأولى، مدعماً بنصره الانتخابي وفوز الليكود بثلاثين مقعداً وانهيار اليسار الإسرائيلي.

هي إذاً حكومة تفتقر إلى ورقة توت يسارية، لكنها تبقي باباً مفتوحاً لدخول زعيم المعسكر الصهيوني للحكومة، وبنفس الحيلة، والذريعة، التي استخدمها نتنياهو لترويض تسيبي ليفني في حكومته السابقة "المسيرة السلمية".
حكومة نتنياهو الرابعة لا تحمل الكثير من مفاجآت في هذا السياق، ولا حاجة لإبداء "الغضب" أو الاستنكار من تشكيلتها وكيفية توزيع المناصب الحساسة فيها مثل إعطاء وزارة العدل للوزيرة المتطرفة من البيت اليهودي أيليت شاكيد، أو منح تسيبي حوطيبيلي منصب نائبة وزير خارجية مطلقة الصلاحيات، ما دام المنصب الرئيس شاغراً. ففي نهاية المطاف تتمتع حكومة نتنياهو الجديدة بتجانس أيديولوجي توفر فيما مضى لنتنياهو في حكومته الأولى، ولمناحيم بيغن في فترتي حكمه بين 1977 و1983.
ولا حاجة إلى الذهاب بعيداً في محاولة اكتشاف آفاق حكومة نتنياهو، فهي كما وردت في الخطوط العريضة التي عرضت على الكنيست لا تملك أية نية أو توجه لإطلاق عملية سلمية أو مسار سياسي مع الجانب الفلسطيني. وأقصى ما ستحمله هذه الحكومة، هو تكرار لادعاءات نتنياهو بأن القضية الفلسطينية هي آخر ما يمكن أن يشغل بال الشرق الأوسط والمنطقة العربية في الظروف الراهنة، وأنه فقط عبر بناء شبكة مصالح مشتركة مع دول "المحور السني المعتدل" وعبر تسوية إقليمية شاملة يمكن الوصول إلى حل سلمي، لكن ليس قبل أن تنضج الظروف الملائمة له، وليس قبل أن يعترف الفلسطينيون بيهودية إسرائيل، ويتنازلوا عن حق العودة والقدس. وهي بحسب ما استذكره الوزير العمالي السابق، حاييم رامون، في مقالة له أمس في "يديعوت أحرونوت"، نقلاً عن والد نتنياهو نفسه، بن تسيون نتنياهو، الشروط التي يعرف نتنياهو أن العرب لن يقبلوها.

اقرأ أيضاًمسؤولون أوروبيون يطالبون بسياسة حازمة ضد إسرائيل

المساهمون