18 أكتوبر 2024
حكومة لبنان وهوس الاستئثار والمحاصصة
مرت قرابة ستين يوماً على تكليف الرئيس سعد الحريري تأليف الحكومة اللبنانية، بموجب الاستشارات النيابية المُلزِمة التي أجراها، في حينه، رئيس الجمهورية، ميشال عون، والنتيجة أن كل الاتصالات واللقاءات والمشاورات التي أجراها وأدارها الرئيس المكلف مع القوى السياسية، ومع الكتل النيابية، لم تفضِ إلى نتيجة، أو إلى اتفاقٍ على تشكيل حكومة واسعة، تمثّل أغلب القوى السياسية، لا سيما تلك الكبرى التي تحظى بتمثيل وازن في المجلس النيابي. قدّم الرجل في مرحلة تصوّراً مبدئياً لشكل الحكومة، وتركيبتها، وتوزّع القوى السياسية على مقاعدها، إلا أن التصوّر رُفض مباشرة من أكثر من طرف، خصوصا من رئيس الجمهورية الذي يُعتبر شريكاً مع الرئيس المكلف في مكانٍ ما، خصوصا في مسألة التوقيع على التشكيلة التي يتقدّم بها الرئيس المكلف إلى المجلس النيابي لنيل ثقته.
وبالمناسبة، لا تُعتبر مدة شهرين طويلة قياساً على تجارب سابقة في تشكيل الحكومات، فقد احتاج بعضها إلى قرابة العام، كما في حكومة الرئيس تمام سلام، وبعضها الآخر إلى شهور، كما في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. وقد برزت خلال هذه الفترة عقباتٌ، بعضها داخلي يتصل بأداء القوى السياسية ومطالبها وشروطها، وبعضها الآخر كان خارجياً غير منظور بشكل واضح، إلا أن المشهد، في الأيام الأخيرة، بدا كما لو أنها مسألة محاولة استئثار بالسلطة، ومعركة تمهيدية لمعارك أخرى، على مستوى النظام السياسي في لبنان، فضلاً عن قضية المحاصصة وتوزيع المقاعد والمغانم، كما لو أن الحكومة "قطعة جبن"، وكل طرف يريد أن يستأثر بأكبر قدر منها.
تبدو العقد الداخلية البارزة حتى الساعة في مسألة تأليف الحكومة على الشكل الآتي: رفض من التيار الوطني الحر (21 مقعداً نيابياً) الذي يرأسه صهر رئيس الجمهورية، وزير الخارجية جبران باسيل، تمثّل القوات اللبنانية (16 مقعداً نيابياً) منافِسته في الساحة المسيحية، بأكثر من ثلاثة وزراء في الحكومة، من دون أن يكون من بينها أية وزارة سيادية أو أساسية، ما يعود إلى محاولة إقصاء "القوات" عن الحضور الفاعل في الساحة المسيحية، كجزء من معركة
رئاسة الجمهورية مستقبلاً بعد انتهاء ولاية الرئيس الحالي، ميشال عون، خصوصا وأن كلاً من رئيس التيار الوطني، جبران باسيل، ورئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، يطمحان إلى شغل منصب رئاسة الجمهورية، فضلاً عن أن إقصاء "القوات" عن الحكومة، أو حصر تمثيلها فيها بمقاعد قليلة، سيعطي التيار حصة كبيرة في الحكومة. وبالتالي إمكانية فرض السياسات التي يريدها، وهذا ما يخشاه رئيس الحكومة المكلف، ولا يريده، لذا يتمسّك بحضور "القوات" في الحكومة بشكل فاعل.
ثاني العقد الداخلية البارزة التي تؤخّر تأليف الحكومة أيضاً مسألة اقتطاع وزير من الحصة الدرزية لصالح التيار الوطني الحر، وتحالفه مع رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني، الوزير طلال أرسلان، والذي فاز بمقعد نيابي وحيد عن حزبه، وهذا ما يرفضه الزعيم الدرزي، وليد جنبلاط، ويتمسّك بتمثيل الطائفة الدرزية في الحكومة، باعتبار أن حزبه فاز بكل المقاعد الدرزية في المجلس النيابي، ما عدا مقعد أرسلان (7 من 8 مقاعد)، والخلاف هنا أيضاً مع التيار الوطني الحر، ومن خلفه مع رئيس الجمهورية الذي يتمسّك بتوزير أرسلان، ولو على حساب جنبلاط.
أما العقدة الثالثة البارزة، وهي الأقل تأثيراً، فهي توزير شخصية سنّية من خارج الفريق الذي يرأسه رئيس الحكومة المكلّف، سعد الحريري، الذي يرفض هذه المسألة، علماً أن تياره السياسي (المستقبل) يمثّل فقط ثلثي المقاعد السنية في المجلس النيابي تقريباً (17 من أصل 27 مقعداً سنّياً)، لكنها تبقى العقدة الأقل تأثيراً من غيرها.
هناك أيضاً عقدة رابعة، ولا تقلّ شأناً وخطورة، هي مطالبة رئيس الجمهورية بحصة وزارية خاصة به، من ثلاثة أو أربعة وزراء، باعتبار ذلك عرفاً جرى العمل به مع رؤساء جمهورية سابقين، لكن أغلب القوى السياسية ترفض ذلك، وتخشاه، على اعتبار أن الرئيس الحالي، ميشال عون، جاء من فريق سياسي، فهو كان رئيساً للتيار الوطني الحر، والتيار ما زال جزءاً أساسياً من الحياة السياسية اللبنانية، وبالتالي فإن إعطاء التيار حصة وزارية، وإعطاء رئيس الجمهورية حصة وزارية إضافية سيعطي الرئيس الثلث زائداً واحداً في الحكومة، وهو ما يحوّله الحاكم الفعلي للبلاد، بدل الحكومة مجتمعة، وفق ما أقرّه الدستور اللبناني في اتفاق الطائف. وبالتالي، فإن رئيس الحكومة المكلّف يرفض هذا الأمر، ومعظم القوى السياسية ترفضه أيضاً، بما في ذلك حلفاء التيار الوطني الحر، وحلفاء الرئيس. وقد ولّدت هذه النقطة بالذات خلافاً غير معلن بشأن الصلاحيات بين رئيسي الجمهورية والحكومة المكلف، ألمح فيه رئيس الجمهورية إلى أن صلاحياته ليست فقط التوقيع، فيما تشدّد رئيس الحكومة المكلف في صلاحياته، وأكد أنه المعني الوحيد بالتأليف، ورفض أي مساسٍ بالصلاحيات في بلد قائم على توزيع الصلاحيات بين المكونات الأساسية، ما جعل العلاقة تتوتّر أخيرا بين الرئيسين عون والحريري، مع التذكير أن وصول عون إلى الرئاسة الأولى كان بفضل تسوية وصفقة عقدها قبل نحو عامين مع الحريري.
ولا يُنسى أن الجميع سيكون أمام معركة أخرى، فيما لو جرى تذليل العقبات في هذه العقد، هي معركة توزيع المقاعد والحصص على القوى السياسية والكتل النيابية، فضلاً عن معركة البيان الوزاري لاحقاً.
أما العقد الخارجية، وهي غير منظورة بشكل مباشر، فقد تكون موجودة وحاضرة في صميم المواقف الداخلية، ولاعتباراتٍ تتعلّق بمصالح كل واحدةٍ من الدول المهتمة بالشأن اللبناني، أو التي تربط الشأن اللبناني بمصالحها، والحديث عنها شيء آخر.
هو هوس السلطة والاستئثار بها في لبنان يؤخّر ولادة الحكومة، بل يريد أن يعيد البلاد إلى عقود سابقة، كانت فيها الامتيازات لصالح فئةٍ على حساب فئة أخرى، دونما نظر أو اعتبار لما في المحيط من حرائق قد تمتد إلى لبنان في أي لحظة.
وبالمناسبة، لا تُعتبر مدة شهرين طويلة قياساً على تجارب سابقة في تشكيل الحكومات، فقد احتاج بعضها إلى قرابة العام، كما في حكومة الرئيس تمام سلام، وبعضها الآخر إلى شهور، كما في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. وقد برزت خلال هذه الفترة عقباتٌ، بعضها داخلي يتصل بأداء القوى السياسية ومطالبها وشروطها، وبعضها الآخر كان خارجياً غير منظور بشكل واضح، إلا أن المشهد، في الأيام الأخيرة، بدا كما لو أنها مسألة محاولة استئثار بالسلطة، ومعركة تمهيدية لمعارك أخرى، على مستوى النظام السياسي في لبنان، فضلاً عن قضية المحاصصة وتوزيع المقاعد والمغانم، كما لو أن الحكومة "قطعة جبن"، وكل طرف يريد أن يستأثر بأكبر قدر منها.
تبدو العقد الداخلية البارزة حتى الساعة في مسألة تأليف الحكومة على الشكل الآتي: رفض من التيار الوطني الحر (21 مقعداً نيابياً) الذي يرأسه صهر رئيس الجمهورية، وزير الخارجية جبران باسيل، تمثّل القوات اللبنانية (16 مقعداً نيابياً) منافِسته في الساحة المسيحية، بأكثر من ثلاثة وزراء في الحكومة، من دون أن يكون من بينها أية وزارة سيادية أو أساسية، ما يعود إلى محاولة إقصاء "القوات" عن الحضور الفاعل في الساحة المسيحية، كجزء من معركة
ثاني العقد الداخلية البارزة التي تؤخّر تأليف الحكومة أيضاً مسألة اقتطاع وزير من الحصة الدرزية لصالح التيار الوطني الحر، وتحالفه مع رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني، الوزير طلال أرسلان، والذي فاز بمقعد نيابي وحيد عن حزبه، وهذا ما يرفضه الزعيم الدرزي، وليد جنبلاط، ويتمسّك بتمثيل الطائفة الدرزية في الحكومة، باعتبار أن حزبه فاز بكل المقاعد الدرزية في المجلس النيابي، ما عدا مقعد أرسلان (7 من 8 مقاعد)، والخلاف هنا أيضاً مع التيار الوطني الحر، ومن خلفه مع رئيس الجمهورية الذي يتمسّك بتوزير أرسلان، ولو على حساب جنبلاط.
أما العقدة الثالثة البارزة، وهي الأقل تأثيراً، فهي توزير شخصية سنّية من خارج الفريق الذي يرأسه رئيس الحكومة المكلّف، سعد الحريري، الذي يرفض هذه المسألة، علماً أن تياره السياسي (المستقبل) يمثّل فقط ثلثي المقاعد السنية في المجلس النيابي تقريباً (17 من أصل 27 مقعداً سنّياً)، لكنها تبقى العقدة الأقل تأثيراً من غيرها.
هناك أيضاً عقدة رابعة، ولا تقلّ شأناً وخطورة، هي مطالبة رئيس الجمهورية بحصة وزارية خاصة به، من ثلاثة أو أربعة وزراء، باعتبار ذلك عرفاً جرى العمل به مع رؤساء جمهورية سابقين، لكن أغلب القوى السياسية ترفض ذلك، وتخشاه، على اعتبار أن الرئيس الحالي، ميشال عون، جاء من فريق سياسي، فهو كان رئيساً للتيار الوطني الحر، والتيار ما زال جزءاً أساسياً من الحياة السياسية اللبنانية، وبالتالي فإن إعطاء التيار حصة وزارية، وإعطاء رئيس الجمهورية حصة وزارية إضافية سيعطي الرئيس الثلث زائداً واحداً في الحكومة، وهو ما يحوّله الحاكم الفعلي للبلاد، بدل الحكومة مجتمعة، وفق ما أقرّه الدستور اللبناني في اتفاق الطائف. وبالتالي، فإن رئيس الحكومة المكلّف يرفض هذا الأمر، ومعظم القوى السياسية ترفضه أيضاً، بما في ذلك حلفاء التيار الوطني الحر، وحلفاء الرئيس. وقد ولّدت هذه النقطة بالذات خلافاً غير معلن بشأن الصلاحيات بين رئيسي الجمهورية والحكومة المكلف، ألمح فيه رئيس الجمهورية إلى أن صلاحياته ليست فقط التوقيع، فيما تشدّد رئيس الحكومة المكلف في صلاحياته، وأكد أنه المعني الوحيد بالتأليف، ورفض أي مساسٍ بالصلاحيات في بلد قائم على توزيع الصلاحيات بين المكونات الأساسية، ما جعل العلاقة تتوتّر أخيرا بين الرئيسين عون والحريري، مع التذكير أن وصول عون إلى الرئاسة الأولى كان بفضل تسوية وصفقة عقدها قبل نحو عامين مع الحريري.
ولا يُنسى أن الجميع سيكون أمام معركة أخرى، فيما لو جرى تذليل العقبات في هذه العقد، هي معركة توزيع المقاعد والحصص على القوى السياسية والكتل النيابية، فضلاً عن معركة البيان الوزاري لاحقاً.
أما العقد الخارجية، وهي غير منظورة بشكل مباشر، فقد تكون موجودة وحاضرة في صميم المواقف الداخلية، ولاعتباراتٍ تتعلّق بمصالح كل واحدةٍ من الدول المهتمة بالشأن اللبناني، أو التي تربط الشأن اللبناني بمصالحها، والحديث عنها شيء آخر.
هو هوس السلطة والاستئثار بها في لبنان يؤخّر ولادة الحكومة، بل يريد أن يعيد البلاد إلى عقود سابقة، كانت فيها الامتيازات لصالح فئةٍ على حساب فئة أخرى، دونما نظر أو اعتبار لما في المحيط من حرائق قد تمتد إلى لبنان في أي لحظة.