19 أكتوبر 2019
حكومة الوفاق والتدخل في ليبيا
لمّا تم التوصل إلى اتفاق بين الفرقاء الليبيين، برعاية الأمم المتحدة، لتشكيل حكومة وفاق وطنية، سارعت مختلف الأطراف إقليمياً ودولياً إلى التأكيد على دعمها الحكومة الجديدة لمحاربة الإرهاب، ووضع حد للحرب الأهلية في البلاد. لكن دوافع هذه المصلحة المشتركة مختلفة، بل ومتناقضة تماماً. فبعض الأطراف الإقليمية والدولية تدعم حكومة الوفاق الوطني الليبية، أملاً في شرعنتها للتدخل في البلاد، بينما يساندها بعض آخر تحديداً لتفادي التدخل الأجنبي. هكذا وجدت حكومة الوفاق الوطني الليبية نفسها بين مطرقتين وسندانين، في الوقت نفسه. فهي بين مطرقة وسندان حكومتين ليبيتين متصارعتين، لا يجمعها إلا شيء واحد، معارضة حكومة الوفاق من جهة، ومطرقة وسندان الأطراف الخارجية الساعية إلى التدخل في ليبيا والمعارضة له.
أبدت حكومة الوفاق حساسية في الأسبوعين الأخيرين من موضوع التدخل، لمّا تأكد خبر وجود وحداتٍ من القوات الخاصة الفرنسية في الأراضي الليبية، متخصصة في محاربة الإرهاب، حيث دانت هذا التدخل الفرنسي في أراضيها من دون علمها. ثم اتضح أن موقفها لا يدين التدخل بحد ذاته، وإنما عدم التنسيق معها لقيادة هذه العمليات، ما يوحي بأنها تبنت خيار التدخل علناً. ولم يعد هناك أدنى شك في هذا التوجه، خصوصاً مع تأكد دخول قوات أميركية، جواً وبراً، وقوات بريطانية براً، الحرب على الجماعات الإرهابية في ليبيا. وقد أقر المجلس الرئاسي الليبي بوجود وحدات خاصة، أميركية وبريطانية في الأراضي الليبية، للقيام بعملياتٍ نوعية ضد الجماعات الإرهابية، ولتدريب القوات الليبية حول بعض التقنيات القتالية والتحرك في مسارح ملغومة. كما أقر المجلس نفسه باستخدام القوات البريطانية الخاصة أسلحة جديدة متطورة.
لهذه التطورات الأخيرة خمس دلالات قوية. الأولى، أن حكومة الوفاق الوطني تبنت بشكل لا ريب فيه خيار التدخل الأجنبي، وإن كان التدخل محدوداً إلى حد الآن، مما يعني أنها ستدخل في مواجهة سياسية مع الأطراف الإقليمية والدولية التي ساندتها لتفادي التدخل. فضلاً عن ذلك، يشكل وجود قوات أميركية وبريطانية تقوم بعمليات نوعية ومشتركة في الأراضي الليبية، بحد
ذاته، بغض النظر عن قبول الحكومة الليبية من عدمه، مصدراً إضافياً للخلاف بين أميركا وبريطانيا من جهة ودول أخرى معارضة للتدخل مجدّداً في ليبيا. الدلالة الثانية، تحول سريع في الموقف الليبي من التدخل، فبعد أن كان مرحباً بالتدخل الجوي (الضربات الجوية) من دون نشر القوات البرية، تطور بسرعة ليقبل فكرة التدخل البري. وربما يكون هذا التحول نتيجة مقايضاتٍ سياسيةٍ بين الحكومة الليبية والأطراف المتدخلة، فضلاً عن تطورات المعارك ميدانياً في ليبيا. الدلالة الثالثة، أن قبول أميركا وبريطانيا نشر قوات برية خاصة، على الرغم من تفضيلها الضربات الجوية دون سواها، يعود إلى وجود مصلحةٍ عسكرية في ذلك. وربما تكمن هذه المصلحة في تجريب أنظمةٍ جديدةٍ من الأسلحة في ليبيا في مسرح عسكري، غير معقد نسبياً مقاربة بالمسرح السوري. الدلالة الرابعة، التفضيلات الاستراتيجية لحكومة الوفاق الليبية، فالأخيرة دانت بشدة وجود قوات فرنسية خاصة على أراضيها، بينما فتحت الباب على مصراعيه جواً وبراً (من خلال الشرعية) للقوات الأميركية والبريطانية. فهل تشير هذه التفضيلات على تباعد بين حكومة الوفاق وفرنسا أم إلى مجرد سوء تفاهم وخلل في التنسيق بين الطرفين؟ في حال عدم الإعلان، في الأيام والأسابيع المقبلة، عن نشر قوات فرنسية خاصة إلى جانب القوات الأميركية والبريطانية في ليبيا ستتأكد التفضيلات الاستراتيجية لحكومة الوفاق. الدلالة الخامسة، أن ليبيا أصبحت مسرحاً كبيراً لتجريب الأسلحة الغربية الجديدة، فقد أكد المجلس الرئاسي الليبي أن القوات البريطانية تجرّب أسلحة جديدة في عملياتها الجارية في البلاد.
بناء على ما سبق، يتضح أن حكومة الوفاق الوطني الليبية، التي وجدت نفسها، منذ تشكيلها، بين مطرقة وسندان الأطراف الإقليمية والدولية الساعية إلى التدخل والمعارضة له، حسمت أمرها للخروج من هذه المعضلة، مراهنة على خيار التدخل (الجوي ثم الجوي والبري معاً)، مما يعني أنها حسمت أيضاً الأمر، في ما يتعلق بدرجة "استقلاليتها". فبتبنيها خيار التدخل الأجنبي تقلل من هامش مناوراتها في التعامل مع الأطراف الخارجية، وتخسر، في الوقت نفسه، الضغط الموازن الذي كانت تستفيد منه، بفضل دعم الأطراف الخارجية المعارضة للتدخل. كما أن تبنيها خيار التدخل يزيد من حدة صراعها مع القوى المحلية المعارضة له، مما يحدّ عملياً من إمكانية احتكارها العنف المشروع في البلاد.
والمشكلة أن خيارات حكومة الوفاق الوطني الليبية قد تكون صائبة، في ما يتعلق بمحاربة الإرهاب، لكنها محفوفة بالمخاطر، في ما يخص إمكانية جمع شمل الفرقاء الليبيين، ذلك أن البلاد تعيش حرباً أهلية وإرهاباً في الوقت نفسه. وبما أن الأولى تشكل الأرضية الخصبة للثاني، يصعب اجتثاث الإرهاب، من دون وضع حد للحرب الأهلية في البلاد. ومن الأهمية بمكان، الإشارة، هنا، إلى أن محاربة الإرهاب أصبحت رهان قوة دولياً، وأداة لإدارة الصراع والتنافس محلياً وإقليمياً وعالمياً. ومن هنا، فالتعامل مع الإرهاب في سياق حربٍ أهليةٍ، يكون أصعب وأعقد.
أبدت حكومة الوفاق حساسية في الأسبوعين الأخيرين من موضوع التدخل، لمّا تأكد خبر وجود وحداتٍ من القوات الخاصة الفرنسية في الأراضي الليبية، متخصصة في محاربة الإرهاب، حيث دانت هذا التدخل الفرنسي في أراضيها من دون علمها. ثم اتضح أن موقفها لا يدين التدخل بحد ذاته، وإنما عدم التنسيق معها لقيادة هذه العمليات، ما يوحي بأنها تبنت خيار التدخل علناً. ولم يعد هناك أدنى شك في هذا التوجه، خصوصاً مع تأكد دخول قوات أميركية، جواً وبراً، وقوات بريطانية براً، الحرب على الجماعات الإرهابية في ليبيا. وقد أقر المجلس الرئاسي الليبي بوجود وحدات خاصة، أميركية وبريطانية في الأراضي الليبية، للقيام بعملياتٍ نوعية ضد الجماعات الإرهابية، ولتدريب القوات الليبية حول بعض التقنيات القتالية والتحرك في مسارح ملغومة. كما أقر المجلس نفسه باستخدام القوات البريطانية الخاصة أسلحة جديدة متطورة.
لهذه التطورات الأخيرة خمس دلالات قوية. الأولى، أن حكومة الوفاق الوطني تبنت بشكل لا ريب فيه خيار التدخل الأجنبي، وإن كان التدخل محدوداً إلى حد الآن، مما يعني أنها ستدخل في مواجهة سياسية مع الأطراف الإقليمية والدولية التي ساندتها لتفادي التدخل. فضلاً عن ذلك، يشكل وجود قوات أميركية وبريطانية تقوم بعمليات نوعية ومشتركة في الأراضي الليبية، بحد
بناء على ما سبق، يتضح أن حكومة الوفاق الوطني الليبية، التي وجدت نفسها، منذ تشكيلها، بين مطرقة وسندان الأطراف الإقليمية والدولية الساعية إلى التدخل والمعارضة له، حسمت أمرها للخروج من هذه المعضلة، مراهنة على خيار التدخل (الجوي ثم الجوي والبري معاً)، مما يعني أنها حسمت أيضاً الأمر، في ما يتعلق بدرجة "استقلاليتها". فبتبنيها خيار التدخل الأجنبي تقلل من هامش مناوراتها في التعامل مع الأطراف الخارجية، وتخسر، في الوقت نفسه، الضغط الموازن الذي كانت تستفيد منه، بفضل دعم الأطراف الخارجية المعارضة للتدخل. كما أن تبنيها خيار التدخل يزيد من حدة صراعها مع القوى المحلية المعارضة له، مما يحدّ عملياً من إمكانية احتكارها العنف المشروع في البلاد.
والمشكلة أن خيارات حكومة الوفاق الوطني الليبية قد تكون صائبة، في ما يتعلق بمحاربة الإرهاب، لكنها محفوفة بالمخاطر، في ما يخص إمكانية جمع شمل الفرقاء الليبيين، ذلك أن البلاد تعيش حرباً أهلية وإرهاباً في الوقت نفسه. وبما أن الأولى تشكل الأرضية الخصبة للثاني، يصعب اجتثاث الإرهاب، من دون وضع حد للحرب الأهلية في البلاد. ومن الأهمية بمكان، الإشارة، هنا، إلى أن محاربة الإرهاب أصبحت رهان قوة دولياً، وأداة لإدارة الصراع والتنافس محلياً وإقليمياً وعالمياً. ومن هنا، فالتعامل مع الإرهاب في سياق حربٍ أهليةٍ، يكون أصعب وأعقد.