حكومة الوفاق تقود ليبيا إلى ترميم مواردها الاقتصادية

07 ابريل 2016
طرابلس ترحب بحكومة الوفاق الوطني (فرانس برس)
+ الخط -
أرهق النزاع المسلح الذي تشهده ليبيا منذ سنوات مقدرات الاقتصاد، وكانت التوقعات تذهب إلى وقت قريب لإمكانية إفلاس الحكومة الليبية، بعد تراجع احتياطي النقد الأجنبي إلى 87 مليار دولار بنهاية 2015، وكذلك تراجع عائدات البلاد من النفط.
ويكفي رصيد ليبيا من الاحتياطيات الأجنبية الاحتياجات الأساسية لمدة 4 سنوات.
ومع نهاية عام 2014، حقق نمو الناتج المحلي معدلا سالبا بنسبة 24%، وإن كانت بعض التقديرات تذهب لإمكانية تحقيق معدل نمو إيجابي بنسبة 10.8% بنهاية عام 2015، نظرا لسعي الفصائل الليبية لحل سياسي.
ولكن الخطوة الأخيرة التي اتخذت تحت رعاية الأمم المتحدة بتشكيل مجلس رئاسي، والسعي لتكوين حكومة الوفاق، قد يسهم في تحقيق حالة من الاستقرار، الذي يؤمن للبلاد عودة إنتاج النفط بحصة تكفي لنفقاتها الجارية، وإمكانية ترتيب أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية.
وبعد قرار حكومة الإنقاذ الوطني في طرابلس، التخلي عن السلطة لصالح حكومة الوفاق، أصبح في ليبيا بحكم الأمر الواقع حكومتان بدلا من ثلاث، هما حكومة الوفاق وسلطات في شرق البلاد كانت تحظى باعتراف دولي قبل تشكيل حكومة الوفاق، وتحثها الأسرة الدولية على التخلي عن السلطة.
الخطوة الأولى التي اتخذها المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، الأحد الماضي، بتجميد الحسابات المصرفية الممولة من الخزانة العامة، للوزارات والجهات والمصالح الحكومية، تسهم بحالة من التفاؤل في إمكانية الوصول لوقف انهيار الوضع الاقتصادي الحالي على الأقل، فكون الخطوة اتخذت بترتيب مع البنك المركزي الليبي، تبرهن على تعاطي المؤسسات الاقتصادية الرئيسة مع حكومة الوفاق.
ويحسب لأول قرار للمجلس الرئاسي يتعلق بالأوضاع الاقتصادية، أنه استثنى من قرار تجميد الحسابات المصرفية، ما يتعلق بالباب الأول من الموازنة العامة للدولة، والخاص بالأجور والمزايا المرتبطة بها، وهو ما يعني تأمين الحد الأدنى من الالتزامات الحياتية للعاملين لدى أجهزة الدولة، ويحقق نوعا من الاستقرار الاجتماعي الذي تحتاجه ليبيا في الوقت الراهن.


دعم أممي

تحظى حكومة الوفاق الليبية بدعم من الأمم المتحدة ومؤسساتها، وسوف يتيح لها هذا الدعم فرصة تمويلية، من خلال رفع الحظر من قبل مجلس الأمن عن الصندوق السيادي الليبي، والذي تم تجميد أرصدته منذ عام 2011، لمنع نظام القذافي من التصرف في أمواله.
ويحتوي هذا الصندوق على نحو 67 مليار دولار، ولكن مجلس الأمن اشترط لرفع الحظر سيطرة حكومة الوفاق على أمور الصندوق، وكذلك المؤسسة الوطنية للنفط، والبنك المركزي. وقد أظهر كل من البنك المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط تعاونهما مع حكومة الوفاق، وهو ما يفتح الباب قريبا لرفع الحظر الأممي عن الصندوق السيادي.
وهذه الخطوة التي تتمثل في وعد مجلس الأمن وكذلك استجابة المؤسسات الليبية، سوف تتيح ملاءة مالية تمكن حكومة الوفاق الوطني من تأمين الاحتياجات الاقتصادية بشكل أفضل، ليس فقط على صعيد الاحتياجات الضرورية، ولكن لتأمين وزيادة إنتاج وتصدير النفط، ليصل الإنتاج إلى نحو مليون برميل، وهو معدل سهل تحقيقه في حال الوصول لمصالحة وطنية، وتأمين آبار النفط وتجنبيها مواطن الصراع.


ويضاف لوعد مجلس الأمن برفع الحظر عن الصندوق السيادي الليبي، أنه قد صدرت عقوبات اقتصادية من قبل الاتحاد الأوربي بحق 3 من القيادات المعارضة لحكومة الوفاق.

تحديات بوجه الوفاق

أعلنت حكومة الوفاق في ليبيا، والتي يرأسها فايز السراج، ثلاثة أهداف رئيسة لها، وهي تتطلب إمكانيات كبيرة لتحقيقها، ليس على الصعيد الاقتصادي فحسب، ولكن على الصعيد السياسي والعسكري، وإن كانت أميركا وأوروبا أعلنتا عن مساعدتهما العسكرية لحكومة الوفاق إذا طلبت ذلك.
وتتمثل هذه الأهداف في التوصل إلى وقف إطلاق النار في عموم ليبيا، والمصالحة الوطنية وإعادة النازحين، والتصدي لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف ستواجه حكومة الوفاق مجموعة من التحديات على الصعيد الاقتصادي.
فالوصول إلى وقف إطلاق النار في عموم ليبيا، تحد كبير في ظل رفض بعض المليشيات والقوى السياسية التي تسيطر على مناطق مهمة على الأرض، وقد يتطلب الأمر تسويات سياسية كبيرة.

كما أن قضية النازحين لها بعد اقتصادي يمثل عبئا على حكومة الوفاق حاليا، في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية. ووفق بيانات الأمم المتحدة وصل عدد النازحين داخل ليبيا منتصف عام 2015 إلى نحو 83.6 ألف أسرة، تضم نحو 434 ألف نازح.
وفي حالة نجاح حكومة الوفاق في تحقيق حالة من وقف إطلاق النار بعموم ليبيا، والوصول لمصالحة وطنية وعودة النازحين، ستكون معضلة تنظيم الدولة الإسلامية، أحد المستنزفات الاقتصادية، إذ لم تسفر التجربة في كل من العراق وسورية عن نتائج إيجابية تتمثل في القضاء على هذا التنظيم.
ويفتح هذا المجال الباب لتعطيل التعافي الاقتصادي، ويساعد على إهدار الموارد الاقتصادية الليبية المحدودة في حرب مفتوحة مع "داعش"، وبخاصة في ظل عدم سيطرة الحكومة الليبية على حدودها المفتوحة مع أكثر من دولة.
وفي ظل مجتمع قبلي، ووجود دور كبير للدولة العميقة في ليبيا، سيكون الفساد من أهم التحديات التي تواجه حكومة الوفاق، خلال المرحلة المقبلة، فمؤشر الشفافية الدولية لعام 2015، يدرج ليبيا ضمن أفسد 10 دول على مستوى العالم.
وتفرض الظروف الحالية على حكومة الوفاق أو أية حكومة في ليبيا، التعامل في إطار برامج حكومية تعتمد على الاستيراد، لتقديم المساعدات والمنح الحكومية، وبخاصة فيما يتعلق باحتياجات النازحين والفقراء، أو متطلبات الأجهزة والمؤسسات الحكومية، وهو ما يفتح المجال واسعا لممارسات الفساد، ولعل الخطوة الأولى التي اتخذتها حكومة الوفاق بتجميد الحسابات المصرفية للمؤسسات والأجهزة الحكومية، تكمنها من السيطرة على النفقات العامة بشكل يسمح برقابة أكثر فعالية، تمكن من مكافحة الفساد خلال الفترة القادمة.
ثمة احتمالات كبيرة بالتفاؤل في نجاح حكومة الوفاق الوطني، على الصعيد الدولي، لأسباب اقتصادية، من أهمها أن استقرار ليبيا سياسيا وأمنيا، سيؤدي إلى التفرغ لإعادة الإعمار وهي الفرصة التي تنتظرها الحكومات الغربية وأميركا، لتنشيط اقتصادياتها وإخراجها من حالة الركود، فضلًا عن أن التوجهات الاقتصادية لحكومة الوفاق ستكون ملائمة للتوجهات الغربية والأميركية، من حيث إعطاء فرصة أكبر للقطاع الخاص.


المساهمون