يستعدّ الأكراد للدخول في أحدث جولة مباحثات مع الحكومة العراقية حول جملة من الملفات الخلافية العالقة، المتراكمة خلال فترة حكومتي المالكي 2006 ـ 2014، بعدما أدى الوزراء الأكراد اليمين في البرلمان يوم السبت الماضي والتحقوا بأعمالهم.
وأفاد مصدر كردي، رفض الكشف عن اسمه، لـ "العربي الجديد"، أن "وفداً كردياً رفيعاً سيقوده رئيس وزراء إقليم كردستان نيجيرفان برزاني سيذهب إلى بغداد في غضون أيام قليلة، لبحث الخلافات الكثيرة المتراكمة خلال سنوات، وتتعلق بقضايا سياسية وقانونية ومالية".
وتنقسم الخلافات القائمة بين الأكراد والحكومة العراقية إلى سياسية تتعلق بحسم مستقبل عائدات عدد من المناطق، يصنّفها دستور البلاد بـ "المتنازع عليها بين إقليم كردستان والحكومة العراقية"، وهي تضمّ مدنا وبلدات عديدة، أهمها كركوك الغنية بالنفط.
ويتجلّى التباين الآخر في الخلافات الاقتصادية والمالية، المتعلقة بتصدير النفط المنتج من حقول إقليم كردستان، وبإعادة إطلاق حصة الإقليم من الموازنة العامة للبلاد، وصرف رواتب موظفيه وقد أوقفهما المالكي منذ بداية العام الحالي. كما أن هناك بنوداً خلافية أخرى، مرتبطة بموضوع تخصيصات قوات "البشمركة" (القوات الكردية)، التي ترفض بغداد صرفها. إضافة إلى خلافات قانونية تشريعية، تتعلق بتشريع قانون النفط والغاز الوطني.
ويطلب الأكراد من الحكومة العراقية صرف أكثر من ثمانية مليارات دولار مخصصة للإقليم عن الأشهر الماضية من العام الحالي، وكان المالكي قد أوقفها بهدف الضغط على الأكراد، من أجل إيقاف تصدير النفط بمعزل عن وزارة النفط العراقية.
وتأتي المطالبات الكردية في وقت تعاني فيه الخزينة العراقية من مشاكل، بسبب التراجع الحادّ في أرصدتها المالية، التي تتوفر من مبيعات النفط.
ويقول وكيل وزارة المالية العراقي فاضل نبي، لـ "العربي الجديد"، إن "مصاريف الحكومة العراقية تتراوح بين خمسة إلى ستة مليارات دولار شهرياً، فيما يدخل الخزانة العراقية نحو ستة مليارات دولار، من بيع نحو مليونين ونصف مليون برميل من النفط كل شهر". وأكد "لذلك الوضع المالي العراقي ليس جيداً".
وأشار نبي، إلى أن "الوضع المالي كان هكذا، قبل أن تتفاقم الأوضاع نتيجة الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في الأشهر الخمسة الأخيرة".
وأضاف وكيل وزارة المالية العراقي أنه "قد تكون المفاوضات بين إقليم كردستان والحكومة العراقية هذه المرة أكثر سهولة من ذي قبل، عندما كان المالكي رئيساً للوزراء، لأن الأشخاص الذين كانوا يعقّدون التفاوض في الحكومة لم يستمرّوا في مواقعهم، خصوصاً وزير النفط السابق عبد الكريم لعيبي، الذي كان تابعاً لحسين الشهرستاني. شكّل هؤلاء أكبر العقد أمام نجاح المفاوضات".
وزاد "أيضاً وزير المالية صفاء الدين الصافي، كان يأتمر مباشرة بأوامر من المالكي وكان يعرقل المحادثات، والآن تغيّر الشهرستاني، ووزير النفط، ووزيرا المالية والتخطيط". وتابع "أنا متفائل بإمكان تطويق المشاكل، ولا سيما أن كثيرا منها يتعلق بموضوع تصدير النفط من كردستان وآليات التصدير، وأين ستودع أموال النفط".
ووصف نائب رئيس مجلس النواب العراقي، ئارام شيخ محمد، التحاق الوزراء الأكراد بأعمالهم في حكومة العبادي، عاملاً يساعد على "فتح الأبواب والبدء بمفاوضات جادة، لحلّ جميع القضايا الخلافية بين حكومة إقليم كردستان والحكومة الاتحادية".
وأعرب في بيان عن أمله في أن "تبتعد الحكومة الاتحادية عن إقحام الأمور المعيشية لمواطني الإقليم في الخلافات السياسية، لتثبت أنها حكومة كل العراقيين دون أي تمييز قومي أو ديني أو طائفي".
بدوره، قال وزير المالية العراقي الجديد هوشيار زيباري في أول تصريح له، إن "الأولوية بالنسبة له ستكون لوضع الموازنة العامة، وإعادة الرواتب المتوقفة لموظفي إقليم كردستان وإعادة حصة الإقليم من الموازنة".
لكن تلك ليست الصورة كاملة، فهناك في الجانب الكردي، من لا يرى إمكانية حل الخلافات بين الجانبين، مثل سكرتير برلمان كردستان، فخر الدين قادر، الذي أعرب عن عدم تفائله بالمحادثات المقبلة بين الأكراد والحكومة العراقية الحالية.
وأشار إلى أن "حكومة العبادي انتهكت أول الشروط التي وضعها الأكراد أمام مشاركتهم في حكومته، فقد اشترطوا عليه إجراء تعديل على برنامج عمل حكومته لكنه لم يفعل ذلك". ويضيف قادر في تصريح أورده الإعلام المحلي الكردي، "ليس هناك من فرق بين العبادي والمالكي، ففي اجتماعات الأطراف السياسية الكردية بحضور ممثل عن الأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي، وضعت الأطراف الكردية، شرطاً أمام العبادي لمشاركتها في حكومته، وهو إجراء تعديلات على برنامج الحكومة، لكن ذلك لم يحصل".
ويضيف سكرتير برلمان كردستان، "لذلك لا أخفي عدم تفاؤلي بالمحادثات بين الجانبين، إذ لم يؤثر تغيير الوجوه على فكرة إدارة الدولة". ويرى مراقبون أنه "من شأن تصريحات أدلى بها وزير الدفاع العراقي الجديد خالد العبيدي، مساء السبت الماضي، وهي الأولى له منذ تسميته، أن تزيد قتامة مستقبل المحادثات بين الأكراد وبغداد". إذ اتهم العبيدي إقليم كردستان بـ "إيواء إرهابيين مطلوبين للحكومة العراقية على أراضيه". ودعا إلى تسليمهم، وكان يقصد عدداً من القادة المعارضين للحكومة العراقية. وطالب قوات الجيش والشرطة في كردستان بـ "اعتقال المتهمين بقضايا إرهابية لأنهم يهددون أمن مدن الإقليم وبقية محافظات البلاد".