حكومة إطفاء الحرائق

02 نوفمبر 2015
رئيس الوزراء المصري، شريف إسماعيل (فرانس برس)
+ الخط -

تحوّلت الحكومة المصرية إلى ما يشبه الشخص الذي كل همّه إطفاء الحرائق الملتهبة في كل ركن في بيته، وغرق الوزراء ومساعدوهم وموظفوهم في المشاكل والحرائق اليومية والطارئة، من عيّنة تفاقم الأحوال المعيشية للمواطن واختفاء البنزين والسولار وأنبوبة غاز الطهي وارتفاع الأسعار واختفاء سلع رئيسية ونقص الدولار.

والملفت للنظر أن الحكومة وأعضاءها ابتعدوا تماماً عن إطفاء حرائق أكبر، وربما أهم منها الأزمات الاقتصادية العنيفة مثل تفاقم مشكلة الدين المحلي والخارجي وعجز الموازنة العامة وزيادة عجز الميزان التجاري، وتراجع الاحتياطي الأجنبي لدي البنك المركزي، وانخفاض إيرادات البلاد من العملة الصعبة، إضافة إلى حريق أهم يتعلق بالعمل على زيادة اإنتاج للحد من فاتورة الواردات التي تتجاوز قيمتها 62 مليار دولار سنوياً وتستنزف موارد البلاد من العملة الصعبة.

خذ مثلا وزير السياحة، فبدلاً من أن يركز جهده على تنشيط قطاع السياحة المتردي واستعادة إيراداته التي كان عليها قبل ثورة 25 يناير، تحوّل الآن إلى مطفئ حرائق وقتية وطارئة، آخرها سقوط الطائرة الروسية بسيناء، وقبلها حادث مقتل السياح المكسيكيين في الصحراء الغربية، والأكبر من ذلك حرائق الإرهاب بسيناء، والمناخ المتوتر الذي تعيش فيه البلاد منذ 3 يوليو 2013.

وبدلاً من أن يعمل وزير الصناعة والتجارة على تنفيذ خطة حكومته الرامية إلى زيادة إيرادات الصادرات إلى 28 مليار دولار بنهاية العام الجاري 2015، راح يعلن، أمس، أن حكومته تستهدف فقط وقف تراجع صادراتها للخارج مع نهاية العام بعد أن هبطت الصادرات غير البترولية 19% خلال التسعة أشهر الأولى من 2015 لتبلغ 13.884 مليار دولار مقابل 17.200 ملياراً قبل عام.

وتحوّل الوزير أيضا إلى مطفئ لحرائق أخرى، منها تفاقم فاتورة الواردات على حساب الصادرات، ونقص وقود تشغيل المصانع، وتعثر المصانع مالياً وإداريا وإغلاق نحو 5 آلاف منها، ومع الحرائق اليومية نسي الوزير ملفاته الأساسية ومنها تطوير المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتطوير قطاع الصناعة وزيادة قدرته الإنتاجية، وتحسين جودة المنتج المصري ليكون أكثر قدرة على المنافسة في الأسواق الخارجية.

وبدلاً من أن يركز وزير الاستثمار على تنفيذ خطة تستهدف زيادة الاستثمارات الخارجية وإعادة ما هرب منها خلال السنوات الخمس الأخيرة بسبب الاضطرابات الأمنية والسياسية، بات دوره ينحصر في إقناع البنك المركزي بضرورة توفير النقد الأجنبي للمستثمرين الأجانب لشراء مستلزمات الإنتاج والسلع الوسيطة والمواد الخام لمصانعهم، وتحويل جزء من أرباحهم للخارج.

كما انشغل الوزير بملف أهم وأخطر من وجهة نظره وهو إقناع المصريين بأن المشروعات الكبرى والقومية لم تتحول إلى فنكوش ووهم كما يزعم بعضهم، ومن حين لآخر يخرج الرجل على وسائل الإعلام  للتأكيد أن هذه المشروعات لم تفشل، وأن المستثمرين الأجانب لا يزالون مهتمين بها، بل وينصح المصريين بألا ينساقوا وراء الشائعات المغرضة التي تتربص بالوطن.

ويتكرر الموقف مع وزير البترول الذي بدلاً من أن يركز جهده على جذب كبريات شركات التنقيب عن النفط والغاز العالمية إلى بلاده، بات كل تركيزه على توفير المشتقات البترولية من بنزين وسولار وغاز للسوق حتى لا يثير اختفاءها غضب الرأي العام، إضافة لإقناع البنك المركزي بضرورة منحه قيمة فاتورة واردات الطاقة البالغة أكثر من مليار دولار شهريا.

إذاً نحن أمام حكومة ليس لديها خطط طويلة الأجل، وكل تركيزها هو إطفاء الحرائق اليومية والوقتية ليس إلا، وبالتالي لن نتحدث هنا عن تنفيذ خطط لمعالجة البطالة والفقر والفساد والترهل الإداري بالدولة، ولن نرى خططاً لزيادة إنتاج المصانع والشركات وقبلها الموظف المصري، ولن ننتظر سيناريوهات ورؤية مستقبلية وطويلة الأجل، فهذه رفاهية في بلد تزداد فيه الحرائق يوما بعد يوم.

اقرأ أيضا: سياح روس يلغون رحلاتهم لمصر وشركات طيران تتجنب سيناء

المساهمون