حكواتي: عائلتي.. لماذا أكتب كثيراً عنها؟

17 مايو 2014
كلّ لديه مهنة.. ومهنة الكاميرا العائلية
+ الخط -

لمَ أكتب كثيراً عن عائلتي؟

ولا مرّة حاولت البحث عن سبب ذلك ولا يهمني الأمر.
لكن ما أدركه جيداً أنّ أيّ شخص يستطيع كتابة الكثير عنهم، أو عن عائلته ربما.
كيف لا أفعل ذلك وقد عشت في وسط عائلة كانت تتكوّن من جدّة وأم وأب وأولادهم التسعة، وكلهم كانوا يعيشون في بيتٍ واحد، ولا أحد منهم يشبه الآخر، وكأنني عشت مع العالم كلّه. فالأمر بالنسبة لي كان كنزاً حقيقاً.

كنّا ننام نحن التسعة بعضنا إلى جانب بعض، ما يجعل الغرفة تشبه صحن "اليبرق". وقبل النوم كانت جدتي كمعظم الجدّات تتحوّل إلى حكواتي العائلة.
أختي الكبيرة كانت تؤمن بالتعاويذ السحرية، الدينية منها وتلك التي قرأتها في قصص الأطفال، فلا أذكرها إلا وهي تتمتم إحداها.. تعويذة قبل النوم، تعويذة قبل الأكل، تعويذة عند الخوف... إلخ.
أخي الأكبر كان تاجراً منذ طفولته، كل ما كان يشغل تفكيره هو التجارة حتى وإن خسر، وبدأ رحلته تلك بتجارة "الدحل".
أختي الأخرى لا نعرفها جيداً، كانت تعيش من أجل أن تدرس فقط، وكثيراً ما بكيت من أجلها عندما كنت صغيراً لاعتقادي بأن الأمر كان عقوبة لها لذنب ارتكبتْهُ.
أخي الآخر كان مكتبة متنقلة، يحدّثك عن التاريخ، عن الدين، عن الأدب، عن الكائنات الفضائية، وعندما كنت أحاول أن أعارضه من باب المعارضة فقط (وهي عادة في طفولتي) كان الأمر ينتهي بلكمة أو رفسة منه. وللأسف كبرتُ واكتشفت أنّ نصف المعلومات التي كان يفاخر بها غير صحيحة والنصف الآخر قابل للتشكيك.
أختي التي تكبرني بعامين كان الخوف ينهش سنين عمرها، تخاف من الوحدة، من العتمة، من المدرسة، من الله... منّا.
أخي الذي يصغرني بسنة كان طيّباً إلى درجةٍ لا يمكنك معها إلا أن تتمنّى له الموت ليرتاح من شقائه المجانيّ. كان يربّي الصيصان الملوّنة ويحزن عندما تكبر وتفقد ألوانها معتقداً أنّ ذلك حدث بسببه.
أخي الأصغر منه، هذا بحدّ ذاته منجم حكايات، كنت أشك بأنه سُرِقَ من العراق ودُسَّ خلسةً بيننا. منذ طفولته يغنّي بصوت يعادل حزنه ﺣﺰﻥ أربع أمهات فقدت ﻛﻞّ منهنّ ﻭحيدها، ﻭبعمر العاشرة كان يستمع ﺇﻟﻰ ﺃﻏﺎني ناظم ﻏﺰﺍﻟﻲ ﻭياس خضر، مع شرب كأس من ﺍﻟﺸﺎﻱ ﻟﻜﻲ تكتمل السلطنة!

ﺃختي ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ، تلك كانت أصغرنا، ﻭأمّنا جميعاً، ﻭكأنّها وُلِدَت بقلب ﺃﻡ. كاﻧﺖ ﺇﺫﺍ لم تجد ﺃﺣﺪﺍً تحنُّ ﻋﻠﻴﻪ، ﻓﺈنّها مستعدّة ﻷﻥ ﺗﺮﺳﻢ ﻭجهاً للمخدّة ﻭتغطّيها قبل النوم ﻜﻲ ﻻ تشعر بالبرﺩ.
أمي وأبي تكلمت عنهما كثيراً في السابق، ﻭﻟﻦ أنتهي اليوم ﺇﺫﺍ بدأت بسرد حكاياتهما.
هؤلاء الأشخاص ذاتهم، ﻓﻲ السنوات ﺍﻟﺜﻼﺙ الأخيرة ﻋﺎﺵ بعضهم ﻓﻲ ﺍﻟﺰﻋﺘﺮﻱ ﺛﻢ ﻓﻲ ﻋﻤﺎﻥ، ﻭآخرون ﺍﻵﻥ ﻓﻲ مصر، وتركيا ﻭﻭﺍحدة ﻓﻲ السعودية ﻭﺃحدهم ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎﻥ، ﻭﻓﻲ حمص، ﻭﻟﻜﻞٍّ حكاياته، ﻭﺃعتقد أني بعد ﺍﻵﻥ لن أسأل نفسي ﺃﻭ أجيب أحدهم ﻋﻦ ﺳﺆﺍﻝ: لمَ تكتب كثيراً عن عائلتك؟
السبب أنّ واحداً منهم كُتب عليه أن يأخذ دور الكاميرا طوال الوقت.

دلالات
المساهمون