حكواتي: أسامينا

23 يونيو 2014
حكاية عن افتقاد حروف العلّة
+ الخط -
حين وُلِدَت ابنتي "فرح" في العام 1999 اكتشفنا مباشرة أنّنا نفتقد حروف العلّة: واو أو ياء أو ألف. فبدأنا نناديها من بعيد "فرّوحة". يعني أضفنا "الواو" وتخلّصنا عن طريق التاء المربوطة من الوقوف المفاجئ والقبيح على حرف الحاء.

ولأنّ فرح نسمة من 300 مليون نسمة عربية استخرجت لها شهادة ميلاد.

أخذت الشهادة من الموظف الحكومي وقطعت الشوارع بسيارتي المرحة. على الإشارة الضوئية القريبة من البيت تأمّلت اسم ابنتي من المؤلّف من أربعة مقاطع صوتية، فصحت: أفففف، ورجعت ثانية إلى الموظف الحكومي.

قال: ما بك.

قلت مذعوراً: هذه ليست ابنتي.

قال: كيف.

قلت: ابنتي اسمها فرح. اقرأ هنا. الاسم فرج.

قال ببرود: الفرج شيء يحمد ونطلبه جميعا من الله.

قلت: لا اعتراض لدي أبداً. لكن يا سيدي بهذا الاسم، فرج، ستبقى البنت قاعدة في وجهي إلى الأبد ولن يطلب يدها أحد.

ضحك الموظف الحكومي وأعاد فرح إلى طبيعتها.

روح يا زمان تعال يا زمان.

كنّا أنا وزوجتي في العام 2009 في نفطة، بأقصى الجنوب التونسي، وكانت في بداية حملها ولا نعرف النسمة الآتية إذا كانت ولداً أم بنتاً.

ثم صادفت صبياً لطيفاً يبيع خبز الطابونة فسألته: ما اسمك؟ قال: رويد؟ خطفني الاسم، أحببته. نحن نعرف رويدة أما رويد فجديد عليّ. قلت: إن جاءني ولد سأسميه رويد.

حين عدت إلى الدوحة قلت لصديق قطري: لقد عثرت على اسم يطيّر العقل. إذا ما جاءني ولد سأسميه "رويد".

ضحك وقال: رويد عندنا في قطر هو الفجل.

لم يخطر ببالي وأنا أشتري الفجل دائماً أنه رويد. والخضرجية هنا – من التابعية الهندية غالباً – نشتري منهم الخضر بلغة الإشارة.

حاصله: قلت لصديقي إذا جاء وسميته رويد فسأقدم استقالتي وأعود إلى الأردن وإلا دمرت مستقبل الولد.

لكن عرفنا أنّ الآتي إلينا لن يكون رويداً ولا فجلاً بل "غزل". ولهذه قصة أخرى.

كان أفراد العائلة – إضافة إلى المعاونة المنزلية الفلبينية – غارقين في مسلسل تركي بطلته اسمها "غزل" وحبيبها اسمه "أسمر". وهؤلاء طوال 200 حلقة يقاومان الأشرار ويدافعان عن حبّهما بشراسة.

وغزل التركية جميلة لا شكّ. مش معقول تشاهد واحدة بشعة 200 حلقة.

قالوا: بما أنّ الآتي بنت فنحن نريد اسم غزل. قلت: غزل مثل فرح لا يوجد فيه حرف علة، وأنا رجل كهل أحتاج إلى حروف لينة.

قالوا: نعمل استفتاء، ألستَ تؤمن بصندوق الانتخابات؟

فرضت عليّ الدهماء التصويت، وفاز اسم غزل الذي أتحفّظ عليه بسبب عدم وجود حرف علّة فيه، ولأنّ معناه غير ثري. أتخيل الغزل دائماً هكذا: رجل يقول لامرأة: عيناك غابتا نخيل، وخصرك ويداك وعنقك... وهي قاعدة مثل الهبلة لا تفعل شيئاً.

لكن الغوغاء فازوا، وذهبتُ إلى الموظف الحكومي فقال لي: ماذا ستسميها؟

صفنت ثانيتين وقلت: سمّها غزل يافا.

قال الموظف: ما هذا الاسم؟ قلت: هذا هو ما أريد. هل ثمة مشكلة؟ قال: عليك أن تتّصل بالسفارة الأردنية وأخذ الأذن منهم.

قال لي موظف السفارة: لا مانع، المهم ألا يكون في الاسم "أل" التعريف.

قلت: لا أحتاج إلى "أل" التعريف، الله بيني وبين أيّ تعريف في الكون.

وعدتُ إلى البيت باسم غزل يافا بعدما قمت بـ"ثورة تصحيحية" على ما يُسمّى "الإرادة الشعبية" و"استفتاء الرجرجة والدهماء".

لكنّ انقلابي لم ينجح، فلا أحد هنا يناديها بالاسم المركب بل فقط غزل. بل الأكثر والأهم من ذلك أنّنا بدأنا نواجه مشكلات قانونية لأنّ الاسم طويل، ولأنّ بعض الموظفين "النابهين" يتصرّفون على أساس أنّ اسم البنت غزل واسم أبيها يافا.

... يبدو أنّ مسلسلي أطول بكثير من المسلسل التركي...

دلالات
المساهمون