كل صباح، يخرج الفتى العراقي لشراء أكياس بلاستيكية من منطقة "الباب الشرقي"، ويتوجه بها إلى "الشورجة"، وهي منطقة تجارية شهيرة، ليبيع الأكياس للمشترين ويساعدهم في حمل ما يشترون، سعر الكيس الواحد 250 ديناراً عراقياً (20 سنتاً أميركياً) ليعود في نهاية النهار، ومعه مبلغ لا يتجاوز 50 ألف دينار عراقي (40 دولاراً)، يبلغ صافي ربحه منها نحو 15 دولاراً.
ويقول الجنابي لـ"العربي الجديد"، شريطة عدم تصويره: "كنت أحب المدرسة، وكنت من المواظبين على الواجبات المدرسية، لكن صاروخاً من طائرة حربية، ضرب مدرستي وجعلها أطلالاً".
ويضيف: "والدي قتلته عصابة أثناء عودته من عمله في المدرسة. تركنا منزلنا وبلدتنا مع اشتداد الحرب، وبعد وصولنا إلى بغداد بستة أشهر، انتهت الأموال التي جلبناها معنا، حتى أقنعتني أمي بضرورة العمل. أمي تتلقى راتباً لا يكفينا، وهو يسمى (راتب الرعاية الاجتماعية)، بالكاد ندفع منه إيجار الشقة التي نسكنها. حاجتي للعمل أجبرتني على ترك الدراسة، ولا أعتقد أن الظروف ستمكنني من العودة إليها بعد ثلاث سنوات من تركها".
ويلفت: "لا أبيع الأكياس فقط، إنما أساعد النساء على نقل أغراضهن من المحال التجارية إلى بيوتهن. حين دخلت سوق الشورجة لأول مرة، لم أكن أعرف أحداً، حتى أنني تعرضت للضرب من قبل أطفال في نفس عمري باعتباري منافساً جديدا لهم، ومع مرور الوقت، أصبحوا أصدقائي. كثير من الفتيان يعملون في السوق، سواءً بمجال بيع الأكياس أو أعمال أخرى مثل توصيل الطلبات أو الشاي، وأغلبهم نازحون، من الموصل، ومن تلعفر وسنجار".
وفي اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال، يبدو أنه لا توجد مكافحة حقيقية لعمل الأطفال في العراق، فالواقع يشير إلى تحوله إلى ظاهرة رائجة تكيّف معها العراقيون، حتى وصلت حد الاستغلال من بعض الجهات، وصولا إلى تأسيس شركات للتسول، وظهور أعمال يكون الطفل أداتها الرئيسية.
وفي السياق، يقول المتحدث باسم وزارة العمل العراقية، عمار منعم، لـ"العربي الجديد"، إن "الوزارة تسجل الخروقات التي تحصل. بعض المعامل تُشغل الأطفال بأجور رمزية، وهذا ما نكتشفه بعد زياراتنا التفتيشية. الأطفال الذين نعرف عن عملهم أعدادهم قليلة، وعليه فلا يمكن أن نطلق على عمالة الأطفال في العراق أنها ظاهرة".
في المقابل، تؤكد الحقوقية العراقية، رواء الموسوي، أن "الحرب أسهمت بزيادة عدد الأطفال المنخرطين في سوق العمل، لأسباب بينها النزوح والتهجير والإرهاب، وصاحب ذلك غياب التعليم الجيد في المدارس العراقية، ما يدفع الأطفال إلى ترك المدارس"، مبينة أن "الحكومة تخرق القانون بترك آلاف الأطفال خارج المدارس".
وكشف الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط العراقية، في ديسمبر/كانون الأول 2017، أن "عمالة الأطفال للفئة العمرية بين 5 و17 سنة بلغت نسبتها 4.9 في المائة.