27 أكتوبر 2019
حق السوري الأعمى
مها غزال
من حق السوري أن يرتاد المقاهي، ومن حقه أن يتناول عشاءً لطيفاً برفقة أصحابه في مطعم مميز. من حق السوري أن يزور البحر، وإن كان وضعه المالي لا يسمح بذلك كله، فمن حقه أن يزور الحدائق العامّة. ومن حقه أيضاً أن يتمتع بالطبيعة أينما وجد، وأن يزور الأسواق للشراء أو الفرجة، وله كل الحق بالفرح.
من حق السوري أن يتعلم في المدارس والجامعات والمعاهد العلمية والحرفية. ومن حقّه أن يجد فرص عمل تناسب إمكاناته، من حقه أيضاً أن يجد بيتاً لطيفاً له ولعائلته، يعلق على جدرانه صوره وصور المدن التي هجر منها.
من حق السوري أن ينجح، وأن يتم التعامل مع نجاحه كما هو من دون استخفاف أو تضخيم، بمعنى من دون أن يسمع عبارة "سوري ناجح"، وكأن نجاحه ظاهرةٌ غريبةٌ، تحدث على هذه الأرض.
من حق السوري أن يسافر ويتنقل عبر البلدان، ويزور متاحف العالم والمراكز الثقافية والسياحية. ومن حقه أن يتعرف إلى العالم وأنماط العيش المختلفة. من حقه أن ينشر صوره على مواقع التواصل الاجتماعي، ويشارك تجاربه بكل حرية.
من حق السوري أن لا يتردد بالتعريف عن نفسه أنّى وجدْ، من حقه أن لا يشعر بالخوف والترقب لردة فعل الآخرين حول هويته.
كل ما قيل سابقاً حقوق عادية وبسيطة، تنطبق على الجميع لا على السوريين فقط. ولأنها كذلك، لا ينبغي أن تكتب في مقال، ولا أن تطرح في وسائل الإعلام، لو كنا في عالمٍ أقل كراهيةً وأكثر عدلاً. ولكن صورة اللاجئ العبء التي ما فتئت تروّجها وسائل الإعلام، وحمّى "العودة الطوعية" إلى حيث القتل والاعتقال التي تجتاح الدول المضيفة للاجئين السوريين، أصبحت تهدد بتغيير دراماتيكي للمفاهيم الإنسانية، يعزّز فكرة الفصل التراتبي بين البشر، فثمّة بشر من الدرجة الأولى وآخرون من درجات ثانية وثالثة، لا تنطبق عليهم مصفوفات حقوق الإنسان، ولا القوانين الناظمة لها، بل إن الدول الأكثر تقدماً وتطوراً وغنىً لا تكترث بمصائرهم، إلا وفق ما يناسب مصالحها السياسية والاقتصادية.
الآن وبعد تسع سنوات من القتل والتهجير والاعتقال، وبعد أن استغلت الدول الصديقة
والمعادية، على حد سواء، الملف السوري والسوريين ضمنه، بات من حق السوري أن يعيد التأكيد على البديهات بشأن حقوقه، ويقول لا لانتهاكها من الجميع، وأن يطالب بحقه بمكانٍ آمن يعيش فيه مع أبنائه، دون أن يطرد أو يرحّل أو يضيّق عليه، من حقه أن يدافع عن نفسه، ويرفض اعتباره عبئاً أو مشروعاً إرهابياً، وأن يتم التعامل معه، وكأنه كائن فضائي سقط على هذا الكوكب، وهو مسؤول عن جلّ كوارثه. وبات من حقه أن يرفض الانخراط في حرب ليست حربه، لأنها لم تعد، وربما لم تكن، الطريق لتحقيق العدل والحرية والكرامة والديمقراطية له ولأبناء بلده، وهي المطالب التي خرج في ثورته، ودفع ثمنها من دمه وماله وممتلكاته وذاكرته في سبيلها.
أجل، من حق السوري اليوم وفي كل وقت، أن يرفض المشاركة في حربٍ ليست سوى أداة لتحقيق المكتسبات الاقتصادية والسياسية للدول المتحالفة والمتصارعة على أرضه، الدول التي كانت وما زالت تساوم على وجعه وتهجيره، الدول التي جربت وما زالت تجرّب أنواع أسلحتها المختلفة على جسده، الدول التي تشحذ سكّينها بأحقاد آلاف الأعوام التي مضت، لتغرزها بلحمه الطري.
من حق السوري أن يرفض أن يكون وقوداً لحربٍ لا تهدف لإسقاط النظام الذي اعتقله وقتله وهجّره، ولا تهدف حتى للحفاظ على ما تبقى من مناطق دفع في تحريرها خيرة شباب بلده، وأصبحت المكان الأخير الذي يحتضن السوريين المهجّرين من كل المحافظات.
من حق السوري اليوم أن يصرخ كفى بوجه الدول المضيفة والحليفة، بوجه صنّاع المؤتمرات والمؤامرات، وأن يصرخ: كفى التفافاً على قضيتنا، وإهمالاً لحقوقنا بصفتنا بشراً.. من حق السوري أن يطالب بالعدالة، قبل أن تُسنّ دساتيره بيد الأعداء وعملائهم. من حقه أن يطالب بالعودة الطوعية الآمنة حقاً إلى بلاده، وهي تتمتع بحريتها، قبل أن يُرسم غدُه فوق طاولات المفاوضات الدولية وتحتها.
من حق السوري أن يتعلم في المدارس والجامعات والمعاهد العلمية والحرفية. ومن حقّه أن يجد فرص عمل تناسب إمكاناته، من حقه أيضاً أن يجد بيتاً لطيفاً له ولعائلته، يعلق على جدرانه صوره وصور المدن التي هجر منها.
من حق السوري أن ينجح، وأن يتم التعامل مع نجاحه كما هو من دون استخفاف أو تضخيم، بمعنى من دون أن يسمع عبارة "سوري ناجح"، وكأن نجاحه ظاهرةٌ غريبةٌ، تحدث على هذه الأرض.
من حق السوري أن يسافر ويتنقل عبر البلدان، ويزور متاحف العالم والمراكز الثقافية والسياحية. ومن حقه أن يتعرف إلى العالم وأنماط العيش المختلفة. من حقه أن ينشر صوره على مواقع التواصل الاجتماعي، ويشارك تجاربه بكل حرية.
من حق السوري أن لا يتردد بالتعريف عن نفسه أنّى وجدْ، من حقه أن لا يشعر بالخوف والترقب لردة فعل الآخرين حول هويته.
كل ما قيل سابقاً حقوق عادية وبسيطة، تنطبق على الجميع لا على السوريين فقط. ولأنها كذلك، لا ينبغي أن تكتب في مقال، ولا أن تطرح في وسائل الإعلام، لو كنا في عالمٍ أقل كراهيةً وأكثر عدلاً. ولكن صورة اللاجئ العبء التي ما فتئت تروّجها وسائل الإعلام، وحمّى "العودة الطوعية" إلى حيث القتل والاعتقال التي تجتاح الدول المضيفة للاجئين السوريين، أصبحت تهدد بتغيير دراماتيكي للمفاهيم الإنسانية، يعزّز فكرة الفصل التراتبي بين البشر، فثمّة بشر من الدرجة الأولى وآخرون من درجات ثانية وثالثة، لا تنطبق عليهم مصفوفات حقوق الإنسان، ولا القوانين الناظمة لها، بل إن الدول الأكثر تقدماً وتطوراً وغنىً لا تكترث بمصائرهم، إلا وفق ما يناسب مصالحها السياسية والاقتصادية.
الآن وبعد تسع سنوات من القتل والتهجير والاعتقال، وبعد أن استغلت الدول الصديقة
أجل، من حق السوري اليوم وفي كل وقت، أن يرفض المشاركة في حربٍ ليست سوى أداة لتحقيق المكتسبات الاقتصادية والسياسية للدول المتحالفة والمتصارعة على أرضه، الدول التي كانت وما زالت تساوم على وجعه وتهجيره، الدول التي جربت وما زالت تجرّب أنواع أسلحتها المختلفة على جسده، الدول التي تشحذ سكّينها بأحقاد آلاف الأعوام التي مضت، لتغرزها بلحمه الطري.
من حق السوري أن يرفض أن يكون وقوداً لحربٍ لا تهدف لإسقاط النظام الذي اعتقله وقتله وهجّره، ولا تهدف حتى للحفاظ على ما تبقى من مناطق دفع في تحريرها خيرة شباب بلده، وأصبحت المكان الأخير الذي يحتضن السوريين المهجّرين من كل المحافظات.
من حق السوري اليوم أن يصرخ كفى بوجه الدول المضيفة والحليفة، بوجه صنّاع المؤتمرات والمؤامرات، وأن يصرخ: كفى التفافاً على قضيتنا، وإهمالاً لحقوقنا بصفتنا بشراً.. من حق السوري أن يطالب بالعدالة، قبل أن تُسنّ دساتيره بيد الأعداء وعملائهم. من حقه أن يطالب بالعودة الطوعية الآمنة حقاً إلى بلاده، وهي تتمتع بحريتها، قبل أن يُرسم غدُه فوق طاولات المفاوضات الدولية وتحتها.
دلالات