وحسب الأرقام الرسمية أيضاً، فإن قناة السويس كانت تنافس في سنوات سابقة كلاً من البنك المركزي المصري والهيئة العامة للبترول والشركة المصرية للاتصالات وشركات المحمول الثلاث والقطاع المصرفي على احتلال المركز الأول، في قائمة المؤسسات والشركات الحكومية والخاصة المسددة للضرائب من حيث القيمة، إذ كانت تورد للخزانة العامة مليارات الجنيهات سنوياً.
كما كانت قناة السويس تستوعب آلاف الأيدي العاملة التي كانت تعمل بها بشكل مباشر سواء في مبنى الهيئة والشركات التابعة لها، أو في الأنشطة المتعلقة بالملاحة وتموين السفن المارة والتفريغ والشحن وغيرها من أنشطة السفن والموانئ.
لكن يبدو أن الوضع بدأ يتغير في السنوات الأخيرة، فالقناة التي كلفت المصريين آلاف الأرواح في حفرها قبل 150 عاماً بدأت غير ملتزمة بسداد الضرائب المستحقة عليها، بل باتت ضمن كبار المتهربين.
هذا الكلام ليس من عندي، بل جاء على لسان مسؤولين رسميين، فحسب تصريح لرئيس مصلحة الضرائب المصرية، عبدالمنعم مطر، في 8 يوليو/تموز الماضي، فإن المتأخرات الضريبية المستحقة على الجهات السيادية (الهيئة العامة للبترول والبنك المركزي وقناة السويس) بلغت 35 مليار جنيه، وقد خاطبت مصلحة الضرائب هيئة قناة السويس أكثر من مرة لسداد الضرائب المتأخرة المستحقة عليها.
ليس التأخر في سداد الضرائب هو الحدث الأبرز في ملف قناة السويس الحالي، فهناك عامل أهم وأخطر وهو التوسع في الاقتراض المصرفي، والذي يشكل عبئاً على أية مؤسسة مالية مهما تكن ضخامة إيراداتها، ففي خلال عام واحد اقترضت القناة 1.4 مليار دولار (ما يعادل 12.4 مليار جنيه)، منها مليار دولار في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2015 و400 مليون دولار في شهر يناير/ كانون الثاني 2016، كما تتفاوض إدارة القناة حالياً مع عدد من البنوك المصرية لاقتراض 600 مليون يورو وبما يعادل 6 مليارات جنيه، وهذه القروض غرضها إما سداد مديونيات مستحقة على القناه أو تمويل توسعات جارية.
أما القرض الأضخم في تاريخ قناة السويس الحديث فحصلت عليه في شهر أغسطس 2014 وتبلغ قيمته 64 مليار جنيه، وبسعر فائدة 12% سنوياً، وكان الغرض الرئيسي لهذا القرض هو تمويل حفر تفريعة جديدة طولها أكثر من 70 كيلو متراً تختصر فترة حركة المرور بالقناة، وهذا المبلغ سيتم سداده 103 مليارات جنيه بعد 4 سنوات من الآن، حيث سيتم سداد المبلغ لأصحاب الشهادات مضافاً له سعر فائدة.
وبحسابات بسيطة، فإن قناة السويس تكون قد اقترضت في أقل من عامين أكثر من 82 مليار جنيه، تتجاوز الأعباء والفوائد المستحقة عنها أكثر من نصف مبلغ القرض الأساسي.
ليس عيباً أن تحصل مؤسسة اقتصادية ضخمة بحجم هيئة قناة السويس على قروض لتمويل أنشطتها الجارية وتوسعاتها، ولا نستطيع أن نجزم أن الحصول على قروض يعني مرور القناة بضائقة مالية، لكن العيب في الأمر أن تتحول القناة من رافد رئيسي للخزانة العامة ومورد ضخم للضرائب إلى عبء على الخزانة وميزانية الدولة تستنزف أموال دافعي الضرائب، والغريب هنا أن تحصل القناة على قروض ضخمة بالنقد الأجنبي، في حين أنه من المفروض أن إيراداتها أصلاً بالعملات الأجنبية المختلفة، وتحصل على سيولة دولارية يومية عن عبور نحو 60 سفينة بها.