حقوق العربيّات إلى نقطة الصفر

08 مارس 2015
نجحت الحركات النسوية بتقليص الفجوة الجندرية (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

شهدت الحركات النسائية في المنطقة العربية، منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي، تحولاً في نضالها من أجل رفع مكانة النساء وتحسين أوضاعهن. حينها، وضعن على أجنداتهن قضايا عدة، وبدأن التطرق لها، الواحدة تلو الأخرى. واجهن خلال خمسة عشر عاماً النظام البطريركي، وأشكال التمييز المتأصلة في المنظومة والقوانين والسياسات. واجهن الاحتلال والأزمات الاجتماعية والسياسية، والحروب الأهلية، والإرهاب وعدم الاستقرار. تطور حراكهن شيئاً فشيئاً من إطار خدماتي إلى خطاب حقوقي لتصبح حقوق النساء بمواطنة فاعلة ومتساوية محرّك الخطاب ومحوره.

نجحت الحركات النسوية في تقليص الفجوة الجندرية فيما يخص التعليم والصحة، وإن لم ينعكس الأمر على مشاركة النساء في الفضاء العام، أي الحياة الاقتصادية والسياسية. فبحسب تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2010، أشار إلى أنه "خلال العقدين الأخيرين، سجّلت البلدان العربية أسرع نسبة تقدم في التنمية الإنسانية في العالم، وخصوصاً في حقلي التعليم والصحة". مع ذلك، استمر النضال، واستطاعت الحركات النسائية العربية، خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، الحصول على مكتسبات عدة في مجال الأحوال الشخصية والقضاء على العنف.
في الجزائر، تم تعديل مدوّنة الأسرة (قانون الأحوال الشخصية) عام 2003، ما أدى إلى تعديل الدستور ليتماشى مع القانون الجديد. وفي مصر، استطاعت النساء عام 2001 الحصول على حق الخلع (تطليق الزوج)، وحق منح الجنسية لأولادها في حال تزوجن من غير مصريين عام 2005، وحق الحضانة للأطفال حتى 15 عاماً (فضلاً عن مكتسبات عدة أخرى في مجالات أخرى). وفي تونس والمغرب، حصلت النساء على حقوقهن بممارسة المواطنة (تعديل قانون الأسرة، والقضاء التدريجي على العنف ضد النساء، والصحة والتعليم والعمل).

وفيما يتعلق بالعنف ضد النساء، يمكن القول إن الحراك النسوي استطاع، في عدد من البلدان العربية، تشكيل قاعدة وعي مجتمعي، وحشد التزام رسمي للحد منه والقضاء عليه، بالإضافة إلى تحفيز الاهتمام الإعلامي بالقضية، ما أدى إلى جعله قضية رأي عام، وتعزيز الالتزام الجماعي بالتبليغ عن حالات العنف، وإيجاد وسائل وبدائل للقضاء عليه.
اليوم، وبعد نحو أربع سنوات على التحولات التي تشهدها المنطقة، ومع صعود تيارات الإسلام المتشدد، لا سيما في تونس ومصر وليبيا والمغرب والعراق وسورية، باتت حقوق النساء مهددة، إن لم نقل وجودهن وبقائهن. بات أمن النساء واستقرارهن معرضاً للخطر، بسبب ظهور الحركات المحافظة والمتطرفة المسلّحة. بحسب نتائج دراسة أطلقتها مؤسسة "تومسون- رويترز" في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2013، فإن العالم العربي يعاني من "ارتفاع معدلات ونسب العنف والتحرش الجنسي، والاتجار بالنساء، وختان الإناث، والعنف الأسري، والأمية، والنزوح والتهجير، واستخدام النساء كسلاح حرب، والزواج المبكر والقسري، والخطف".

ولفتت الدراسة إلى أن "مصر كانت الأسوأ بين البلدان العربية الـ22، لناحية أوضاع النساء وحقوقهن، إذ تكاد تكون كل امرأة في مصر قد تعرّضت لتحرش جنسي، وقد بلغت النسبة 99.3 في المائة. فيما احتلت سورية المرتبة الرابعة، وبلغ عدد حالات الاغتصاب وتشويه الأعضاء الجنسية 4000 حالة، بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان. وبعد مصر، جاءت السعودية، فالعراق، حيث بلغت نسبة الأرامل في العراق 1.6 مليون.
إذاً، تزداد أوضاع النساء سوءاً. وباتت المكتسبات مهددة. وعادت الحركات النسائية إلى نقطة الصفر. وعاد العمل الخدماتي إلى الواجهة "لإنقاذ" النساء من واقعهن. وتراجع العمل الحقوقي، ولم تعد حقوق "المواطنة" في الواجهة.
المساهمون