حصلت المرأة في الدنمارك على حقوقها في المشاركة السياسية بالانتخاب والترشح قبل مئة عام. لكن، وعلى الرغم من مرور قرن كامل على ذلك، ومرور عقود على المساواة، ما زالت الموروثات الاجتماعية والتربوية الذكورية مترسخة في البلاد، وهو ما يؤدي إلى انتهاكات ضد المرأة، أو تمييز على أقل تقدير.
الرواتب في الدنمارك تحمل تمييزاً بين الجنسين لصالح الرجل. وهو ما تعترف به وزارة المساواة في الدنمارك بأنّ الدنماركيين غالباً ما يتوقعون حصول الأنثى على راتب أقل من الذكر.
في شوارع البلاد ومنازلها وحاناتها تسمع شتائم مخصصة للنساء تدور على ألسنة الرجال، وهي شتائم هدفها الحطّ من قدر المرأة. والشتيمتان الأكثر انتشاراً الموجهتان للنساء هما "كلبة" و"مومس". تحتج الكثير من النساء على ذلك. وتقول بعضهن، لـ"العربي الجديد"، إنّهن ما زلن عرضة لتلك الأنواع من الإهانة التي قد تصدر حتى من مراهق أو طفل. وتقول اليزابيث: "من غير المعقول أن يكون ذلك المراهق الذي يصرخ على زميلته أو صديقته بكلمات بذيئة قد أتى بها من الهواء، هي مفردات سمعها ويعرف كم تجرح، فهي نفسها التي لطالما استخدمها الذكور لإهانة المرأة".
وتعتقد كاميليا (طالبة ثانوية)، أنّ "إهانة الأنثى تشير إلى خلل اجتماعي وأخلاقي واضحين. فالبلاد تتغنى بالامتيازات التي وصلت إليها المرأة، لكن تأثيرات العنف اللفظي مدمرة على مستوى تأزيم الحالة النفسية والعلاقة بين الجنسين".
من جهتها، تقول العاملة الاجتماعية المتخصصة بالنساء اللواتي يتعرضن للعنف، كارولينا اسبرسن، إنّ "رواسب المجتمع الذكوري ما زالت قائمة في النظر إلى المرأة والعلاقة بها، باعتبارها سلعة جنسية أدنى مستوى. وللأسف هناك أيضاً نساء وفتيات يجري جلبهن من دول فقيرة لاستعبادهن جنسياً. التشريعات تمنع ذلك، لكننا نشهد تعاظماً في هذه الحالة التي تؤدي إلى عنف جسدي ونفسي غير محتملين".
قد يختلف الوضع قليلاً في السويد عمّا هو عليه في الدنمارك، وبشكل أخص من ناحية الاستغلال الجنسي للمرأة والتحرش بها. ففي كوبنهاغن، يجري الاعتراف بأنّ معاناة المرأة مع التحرش الجنسي أكبر من مثيلاتها في باقي الدول الاسكندنافية.
وبالرغم من أنّ المرأة الدنماركية تعتبر من النساء المتمتعات بحصانة قانونية بوجه العنف، إلا أنّ تقارير الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً الصادرة في عام 2014 عن العنف ضد النساء الأوروبيات والحقوق الأساسية، تظهر أنّ 32 بالمئة منهن قد تعرضن إما لعنف جسدي أو اعتداء جنسي من شريكهن الحالي أو السابق. فيما تصدّرت الدنمارك لائحة دول الاتحاد التي تتعرض فيها النساء للعنف.
أرقام صادمة
وكشفت التقارير التي استندت إلى استطلاع لشريحة من النساء الأوروبيات، أنّ 52 بالمئة من النساء في الدنمارك تعرضن لتحرش جنسي إما في أماكن العمل أو في بيوتهن. وهي نسبة تفوق ما جرى تسجيله في السويد وهولندا وبريطانيا والنرويج.
ويعلل رئيس مركز الحقوق الأساسية في الاتحاد، مارتن كيروم، تلك النتائج بالقول: "يشعر الرجال في الدنمارك بأنّ دورهم التقليدي مهدد، فتكون ردود فعلهم عنيفة تجاه النساء".
كذلك يسجل المراقبون عدداً كبيراً من حوادث العنف ضد النساء التي لا يجري التبليغ عنها. فتكون بذلك نتائج مثل هذه الاستطلاعات صادمة بالنسبة للخبراء المحليين وعلماء الاجتماع.
من جهته، قال وزير المساواة والدمج في الدنمارك، مانو سارين، إنّ "من غير المقبول بعد 100 عام من تحصيل الحقوق وسنوات من قوانين المساواة، أن يستمر العنف ضد المرأة". وتابع: "كثير من الدنماركيين، خصوصاً الشباب، يظنون أنّنا نملك مساواة كاملة في بلدنا، وليس هناك ما يجب النضال من أجله أكثر. لكن الحقيقة معاكسة، ولا يمكننا الاسترخاء، فهناك الكثير ممّا يجب فعله. هناك تحديات دائمة للرجال والنساء للحصول على المساواة، وتتحمّل وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي مسؤولية وقف الكراهية والتعليقات الجنسية والتهديدات ضد النساء والفتيات".
قلق الوزير تبرره أرقام وزارته التي تشير إلى تعرّض 29 ألف امرأة سنوياً لعنف جسدي من أزواجهن الحاليين أو السابقين. وهو ما فتحت لأجله الوزارة خطاً ساخناً منذ فبراير/ شباط الماضي، يهدف إلى التبليغ عن أيّ عنف نفسي أو جسدي أو جنسي من الشريك أو الشريكة.