حفل يميني راقص في فيينا وتحركات يسارية مضادة

05 فبراير 2015
تحدى المحتجون الثلج وتظاهروا ضد اليمين المتشدّد (العربي الجديد)
+ الخط -
في قصر هوفبورغ، البناء الأكثر شهرة في فيينا، جرى مساء الجمعة الماضي لقاء "أكاديمي" بدعوة من اليمين الشعبوي النمساوي "حزب الحرية" (FPO). انضم إليه قادة الأحزاب القومية المتشددة والحركات الفاشية والنازية من أرجاء أوروبا، ببزّات رسمية وفساتين سهرة موسيقية، كتلك التي يقيمها خريجو الثانويات العامة في أواخر أعوامهم الدراسية.

من اسكندنافيا شمالاً، مروراً بألمانيا وبلجيكا وهولندا وفرنسا إلى روسيا، تدفق أقطاب ونخبة اليمين الأوروبي إلى هذا القصر ليؤكدوا أن أوروبا تعيد صياغة التاريخ، كما لو أن حروباً لم تقع ولم تدمر مدنها بسبب مغامرات النازيين والفاشيين في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي.

تأتي زعيمة "الجبهة الوطنية الفرنسية"، مارين لوبان، لتراقص زعيم حزب "الحرية" النمساوي المتشدد، هاينز كريستيان ستراش، في إشارة إلى تحول فيينا إلى عاصمة الحركة الفاشية والنازية الجديدة. لا سياسة تجمع هؤلاء سوى خطاب الكراهية والتحذير من أن مشكلات أوروبا تكمن في الهجرة وثقافة اللاجئين إليها.
هذا الملتقى اليميني السنوي بالتأكيد ليس للرقص والاستماع إلى الموسيقى فحسب، فهو منذ أن وُجد في عام 2008 بمسمى أكاديمي، هدف إلى عملية تنسيق وإيجاد أرضية مشتركة بين مختلف أجنحة التشدّد، خصوصاً أن النازيين الجدد في ألمانيا وجدوا فيه بديلاً من التضييقات التي كانت تطالهم في بلدهم.

وبطبيعة الحال، فإن هذا الملتقى السنوي لم يمرّ بدون مواجهة من الرافضين للتشدّد اليميني القومي، فحتى أحزاب الوسط كالاشتراكيين الديمقراطيين في النمسا شجبوا الجمع.
وأعلنت الحركات المناهضة للفاشية ومعها سائقو سيارات الأجرة عن استقبال "خاص" ليميني أوروبا في فيينا. وأعلن سائقو التكسي أنهم لن يقلوا أحداً من ضيوف "هوفبورغ"، فيما حاصر الآلاف من المتظاهرين، رغم تحذيرات الشرطة النمساوية، دائرة تحيط المبنى الذي يشهد "الاحتفال الأكاديمي".
ويمثل هوفبورغ مبنى الدبلوماسية النمساوية، ولهذا استغرب هؤلاء المتظاهرون والمضربون منح المبنى للرموز اليمينية الأوروبية لإقامة الحفل.

في المقابل، وجهت حركات الشباب اليسارية المتشددة والفوضويون، إضافة إلى سياسيين وصحافيين وفنيين، انتقادات لاذعة للطريقة التي يحتج بها حزب "الاشتراكيين الديمقراطيين" على الاجتماع اليميني المتشدد. فالاشتراكيون الديمقراطيون دعوا إلى "احتفال معارض" في مبنى بلدية فيينا، لكن رسم دخول الاحتفال بلغ 100 يورو. ولهذا، رأى معارضو اليمين، أن الأحزاب التقليدية الأوروبية، وخصوصاً يسار الوسط، تتخذ طريقة نخبوية للاحتجاج الخافت.

وقرّر هؤلاء الشباب بعدها التحرّك على طريقتهم، فدعوا إلى "ضجيج في الشارع" رافعين شعار: هذا يكفي. ثم ذهب المحتجون نحو محيط هوفبورغ لتطويقه، رغم كل محاولات الشرطة منعهم.
وتقول الناشطة، ستينا سفانلاينر، لـ"العربي الجديد": "مثلما حاصرناهم في حملتنا: درسدن مدينة نظيفة من النازيين، فإننا سنبقى نلاحق هؤلاء مهما سموا أنفسهم، ولن نسمح للفاشيين أن يأخذوا مدننا رهينة بالتخويف من المهاجرين والإسلام".

على بعد مئات الأمتار من مكان احتفال أقطاب اليمين المتشدد، كان الشاب فريدريك قد انتقل عبر حافلة من إحدى ضواحي كوبنهاغن مروراً بألمانيا كي يشارك وزملاؤه في الاحتجاج، يقول لـ"العربي الجديد": "سنظهر لهؤلاء بأننا لن نرضخ لهم مهما كانت مناصبهم، سنصرخ دائماً بأننا متضامنون مع كل الأقليات التي يخوفوننا منها، سنشرب الشاي ونحتفل في الشارع قريبين من بعضنا حتى يفهم هؤلاء أننا نحن الشعب وليسوا هم".
بدورها، اختارت الشرطة النمساوية، هذا العام، ألا تواجه المحتجين بعنف، ولا بشكل ظاهر، كما حدث في أعوام ماضية، غير أنّها، في الوقت نفسه، فرضت مناطق حظر يمنع المحتجون الوصولَ إليها في محيط الاجتماع. كما اعتقلت شباباً اختاروا اجتياز خط غير مسموح باجتيازه.
خمسة آلاف متظاهر افترشوا الشوارع المؤدية إلى قصر فيينا، لتسجيل رسالة تقول إن "أعمال تنسيق اليمين المتشدد لن تمرّ بلا مواجهة"، بحسب ما قال لـ"العربي الجديد" رونا كريستيانسن، وهو من المنظمين للتظاهرة المضادة.

محاصرة فعاليات اليمين شمالاً
وتحت تساقط الثلوج، مساء الاثنين الماضي، خرجت تظاهرات ليلية في عدد من دول الشمال الأوروبي، شاركت فيها أعداد كبيرة من المواطنين والناشطين من أجل التصدّي "لبقايا حركة بيغيدا" بحسب ما قال المحامي الدنماركي، هيليا راتزر، الذي ينشط في الدفاع عن حقوق الإنسان والمهاجرين تحديداً في دول الشمال.

رفع المتظاهرون المشاعل والشعارات التي تدعو إلى أوروبا متعددة ونبذ الإسلاموفوبيا. ورفضت الكلمات التي ألقيت مطالب الاعتذار التي يطالب بها المسلمون على أفعال "بعض المتشددين منهم". وأكدوا أن "التعميم والعنصرية مرفوضتان ولن تقبل بهما المجتمعات المتعددة".
وقالت الناشطة اليسارية السويدية، استريد سفينسون، إن "هذه التظاهرات التي حاصرت اليمين المتطرف تأتي بنتائج إيجابية، وعلى الأصدقاء المسلمين والمهاجرين، عموماً، المشاركة معنا بفعالية. نحن نعلم ما يدور في صفوف حركة بيغيدا، وهم على وشك أن يحلوا منظمتهم بعدما بدأت الشعوب تقول لهم: نحن الشعب ولستم أنتم". واستغربت الناشطة "ييتا" من لجنة مكافحة العنصرية "غياب الشباب المسلمين عن فعاليتنا التي تخرج دفاعاً عنهم".

ويأمل الناشطون الأوروبيون أن يوصلوا، من خلال تحركاتهم في كل مدينة أوروبية لمحاصرة اليمين المتشدد، ولو في ساعات مثلجة ومتأخرة، رسالة "إلى هؤلاء (اليمين المتشدّد) ومن ورائهم الساسة بربطات العنق من معسكر الفاشية، أننا لن ندعهم يعيدون الزمن إلى الوراء" كما يقول المحامي، هيليا راتزر، الناشط في هذه التحركات.
المساهمون