لم يكتب القدر للجنرال الليبي خليفة حفتر النصر في أي معركة خاضها، سواء كانت تحت راية معمر القذافي من قبل، أوالثوار من بعد، الا ان العسكري السابق لا يزال يطارد "مجد المهزومين"، وتداعبه أحلام إعادة الجماهيرية.. لكن تحت قيادته هذه المرة.
"العربي الجديد" يحقق في ظاهرة حفتر وأبعادها المختلفة وكيف يراها الليبيون وتوقعاتهم لمحاولته الانقلابية الجديدة بعد تصاعد حالة الاحتقان والترقب في بنغازي بعد فشل محاولة هجوم ميليشيات حفتر المكونة من 120 آلية عسكرية على المدينة، وادعاء الناطق باسم اللواء حفتر ان محاولة اقتحام ميليشيات مسلحة للمؤتمر الوطني (البرلمان)، قبل يومين تمت بعد تنسيق مسبق مع ما سمي بالقيادة العامة للجيش الليبي.
اختار اللواء الركن المتقاعد خليفة حفتر بدء هجومه المسمى "معركة الكرامة" من جهة الشرق في ليبيا، وتحديداً من مدينة بنغازي مهد ثورة 17 فبراير، التي انهت عقوداً من الحكم الديكتاتوري للعقيد معمر القذافي، حيث تكبدت القوة المهاجمة خسائر فادحة في الأرواح والعتاد جراء تصدي كتائب الثوار المرابطة في بنغازي لها، الأمر الذي أجبر ما تبقى من "الميليشيات الحفترية" إلى التراجع لمنطقة الرجمة التي تبعد عن بنغازي قرابة 40 كيلومتراً، بحسب الخبير الاستراتيجي الليبي محمد جابر، الذي قال لــ "العربي الجديد" إن حفتر لا يستطيع السيطرة على بنغازي "غير أن هناك سلبية واضحة لدى أهل بنغازي تبدو في عدم إحساسهم بالخطر".
جابر أوضح ما يقصده بالاحساس بالخطر قائلا "إن لم يقم أهل بنغازي بدعم الثوار فستحدث حالة من الإرباك والفوضى بالمدينة، لكون حفتر لديه راجمات ومدافع ثقيلة (هاوزر)، ولا تفرق حينها بين الثائر والمواطن لذلك عليهم دعم الثوار لحماية انفسهم ومدينتهم وثورتهم".
وحول من يدعم حفتر، يرى جابر أن من ينظر إلى المتضررين من قيام حكم ديمقراطي رشيد في ليبيا سيعرف من يدعم حفتر، قائلاً "هناك شخصيات ليبية وأطراف عربية معروفة ودول معروفة بالاسم".
ووصف ما جرى في بنغازي بــ "التجربة وجس النبض" لمعرفة مدى نجاح الانقلاب على ثورة 17 فبراير. وقال، وهو يشير بيده الى خارطة ليبيا، "العملية الكبرى للانقلاب على الثورة ستحدث في طرابلس لكون بنغازي والمنطقة الشرقية تمتاز بالتوازنات المتمثلة في قوة الثوار وكتائبهم المتعددة وتمثيل جميع القبائل الليبية بين اهل المدينة".
تاريخ حفتر مع الانقلابات بدأ مبكراً في العام 1993 في عهد القذافي، إذ قام بمحاولة فاشلة، ثم عاد قبل أشهر ليعلن عبر شاشة التلفزيون سيطرة قوات موالية له على مواقع عسكرية وحيوية في البلاد، قبل ان يتضح ان المحاولة الثانية لا تعدو كونها انقلاباً تلفزيونياً من العسكري السابق الذي لم يخض معركة الا وهزم فيها. قواته هزمت في حرب ليبيا مع تشاد في الثمانينيات، حتى انه وعدد كبير من جنودهم تعرضوا للاسر وتم ترحيلهم الى الكونغو، ومنها الى الولايات المتحدة التي ظل بها هو وعدد من زملائه قبل ان يعود الى ليبيا بعد اندلاع ثورة 17 فبراير. كما هزم فى بعض المعارك الصغيرة التى خاضها، وهو ما ادى الى رفض قادة الثورة من العسكريين المنشقين عن كتائب القذافي قيادته لجيش الثوار، كونه قائداً مهزوماً تعرض للاسر من قبل، وهو ما أثار حفيظته بحسب مقربين منه.
الصديق الغيثي، المسؤول السابق لحرس الحدود بالمنطقة الشرقية في ليبيا، اتفق مع رأي الخبير الاستراتيجي، محمد جابر، في أن قوات خليفة حفتر غير قادرة على السيطرة على بنغازي، معللاً ذلك بعدم وجود قوات نظامية كافية لديه او حتى تسليح جيد لميليشياته.
الغيثي أضاف لــ "العربي الجديد" أن عملية دخول مدينة مثل بنغازي تحتاج إلى مستوى عال من التدريب والقتال، وهذا ما لا تحظى به قوات حفتر.
وحول مدى تمتع حفتر بشعبية في الشارع الليبي تؤهله للانقلاب على ثورة 17 فبراير، قال الغيثي "حفتر قد يحظى ببعض التأييد في الشارع لأنه رفع شعار تأمين الناس من الإرهاب، غير أن هذا التعاطف لن يرتقي إلى تحقيق نجاحات لحفتر، لان المناطق المؤيدة له محدودة جداً ويلقى بها تعاطفاً محدوداً بالقياس مع معظم مناطق الشرق الليبي".
الغيثي اكد، هو الآخر، أن بعض الدول العربية لها وجود داخل ليبيا وتمارس أدواراً متعددة كالإمارات والسعودية ومصر وقطر، غير انه عاد واتهم الإمارات والسعودية تحديداً بأنهما تقفان وراء دعم وتأييد حفتر لإسقاط الشرعية والقفز على العملية السياسية في ليبيا، قائلا "الاستدلال على الدور السعودي الاماراتي لاجهاض ثورة 17 فبراير يبدو من خلال المعونات المادية التي تتلقاها مجموعة حفتر، الساعية للقضاء على الثوار بواسطة عتاد نوعي لم يظهر من قبل".
وانتقد المسؤول السابق لحرس الحدود بالمنطقة الشرقية موقف المجتمع الدولي تجاه ميليشيات حفتر، قائلا "المجتمع الدولي لم يقدم موقفاً واضحاً تجاه حفتر وما يقوم به حتى الآن".
وفسررئيس حزب العدالة والبناء الليبي، محمد صوان، تحركات حفتر بانها تاتي عقب كل خطوة سياسية يتخذها البرلمان في صالح استقرار ليبيا. وقال "المؤتمر الوطني على أبواب اعتماد حكومة جديدة، ويتوقع أن يكون هناك شيء من الاستقرار فى المستقبل بما يوضح ان تحركات حفتر وراءها أسباب ودوافع وجهات تحركها للقضاء على محاولات الاستقرار وبناء الدولة في ليبيا".
صوان يرى أن أطرافاً معروفة تقف وراء دعم حفتر، تتمثل في عناصر الثورة المضادة المتمثلة في بعض القنوات الإعلامية ورموز النظام السابق الذين يملكون المليارات خارج ليبيا وأتباعهم في الداخل وبعض من التبس عليهم الأمر حول وجود ما يسمى بجماعات متشددة داخل ليبيا.
وقال رئيس حزب العدالة والبناء لــ "العربي الجديد" لا أحد يستطيع أن يحسم بالسلاح أي أمر في ليبيا، "والطريق الوحيد لمن أراد أن يصل إلى السلطة هو صندوق الاقتراع". واختتم حديثه بأن حزبه كما يدين انقلابات حفتر المتكررة، فإنه يدين أيضاً الإرهاب واستخدام العنف تحت أي شعار سواء كان باستخدام الدين أو أي شيء آخر، حسب قوله.
من جهة أخرى، قال الناطق باسم القيادة العامة لـ "الجيش الوطني الليبي" التابع لحفتر، المقدم محمد حجازي، إن البيانات الصادرة من الحكومة والمؤتمر الوطني الليبي التي وصفت معركة الكرامة بمحاولة الانقلاب على الشرعية لا قيمة لها لديهم.
وأضاف حجازي لـ "العربي الجديد" خروجنا كان لأجل الشارع الليبي الذي خرج من قبل مرات عدة سلمياً مطالباً الجيش والشرطة بالدفاع عنه، ونحن لا نستولي على المدن بل نحررها من الجهات المتطرفة".
الحجازي أضاف أن ما سماها القيادة العامة للجيش الوطني الليبي، بقيادة اللواء خليفة حفتر، قادرة على تأمين الوطن وأن عمليتهم (الكرامة) مفتوحة ومستمرة إلى أن يتم تطهيرالوطن الليبي وأنهم لن يتراجعوا في ذلك حتى إن تطلب الأمر عاماً كاملاً.