حظوظ متواضعة للهدنة السورية: روسيا والنظام يسابقان الزمن بالمجازر

12 سبتمبر 2016
مجازر النظام وروسيا بحلب عشية عيد الأضحى(أمير الحلبي/فرانس برس)
+ الخط -
ساعات تفصل السوريين عن الموعد النظري لبدء تطبيق الاتفاق الأميركي الروسي المفضي إلى وقف إطلاق النار في سورية، والذي يستثني كلاً من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) و"جبهة فتح الشام" (جبهة النصرة سابقاً). لكن فصائل المعارضة والمدنيين يشككون في نجاح هذا الاتفاق، إنْ كان بسبب ولادته في ظل عسر مسار المفاوضات، التي دارت في جنيف بين موسكو وواشنطن، أو لفشلهما السابق في الالتزام بقرار مجلس الأمن الخاص بـ"وقف الأعمال العدائية"، الذي أعلن عن سريانه منذ شهر فبراير/شباط الماضي.

وكان وزيرا خارجية الولايات المتحدة وروسيا، جون كيري وسيرغي لافروف، قد أعلنا عن توصلهما إلى اتفاق في الساعات الأولى من صباح يوم السبت الماضي، ينص على وقف لإطلاق النار، ويشمل جميع أنحاء البلاد، اعتباراً من يوم الاثنين 12 سبتمبر/أيلول في تمام الساعة 7 مساءً. ومن المقرر أن يستمر لمدة سبعة أيام تسمح للمساعدات الإنسانية والتنقلات المدنية بالوصول إلى حلب، ثاني أكبر مدن سورية وعاصمتها الاقتصادية. كما ينص الاتفاق على انسحاب القوات المتقاتلة من طريق الكاستيلو، وهو ممر رئيسي للدخول إلى حلب، لتعلن منطقة خالية من التواجد العسكري.

ويمكن القول إن التشكيك بالنوايا الأميركية الروسية ظل سيد الموقف بالنسبة إلى الأطراف المعارضة للنظام السوري. فالاتفاق الذي تنازل فيه الأميركيون للروس في العدد الأكبر من بنوده، لم يلحظ المليشيات الطائفية التي تحارب إلى جانب النظام، ولا منع جيش الأسد من مواصلة القتل بشرط أن تكون عملياته العسكرية خارج المناطق التي تنتشر فيها تنظيمات "داعش" و"فتح الشام". لا بل إنه أراح النظام من عبء مواصلة القتل لتسليم المهمة إلى الروس والأميركيين. أكثر من ذلك، فإن المعارضة السورية، بجناحيها السياسي والمسلح، لم تتم استشارتها بعكس ما حصل مع النظام السوري الذي يتحدث باسمه الوزير الروسي ويوقع بالنيابة عنه. أكثر من ذلك، فقد تلقت الفصائل المسلحة إنذاراً مكتوباً أقرب إلى التهديد من المبعوث الأميركي، مايكل راتني، الذي حذّر الفصائل من "عواقب وخيمة" في حال لم تبتعد عن "فتح الشام"، على الرغم من علم الرجل بأن المناطق المشتركة بين الفصائل المسلحة و"فتح الشام" يصعب إجراء فصل عامودي فيها بين المسلحين، ومع علم راتني أيضاً بأن أي قضاء على تنظيمات متهمة بالإرهاب لن يكون يسيراً طالما لم يقتنع السوريون أن البديل عنها لن يكون بشار الأسد وباقي أركان نظامه، وطالما أن صفة الإرهاب محصورة بالفصائل المعارضة من دون النظام ومن يرتكب الجرائم إلى جانبه.

بالإضافة إلى ذلك كله، فإنّ التوجس الأكبر ينبع من أن يكون الاتفاق نقطة بداية للإنجاز على الثورة السورية من خلال السماح ضمنياً للنظام ومحوره بتوسيع رقعة سيطرتهم تحت شعار "محاربة الإرهاب" بما أنه ليست هناك أية ضمانة لنزاهة تحديد المناطق التي تنتشر فيها فصائل المعارضة أو تنظيمات توصف بـ"الإرهابية". وما يبرر هذه الخشية هو أن الحَكَم الرئيسي في اتفاق الهدنة يبقى الطرف الرئيسي في قتل السوريين، أي النظام الروسي، الذي يقدم عادة، بنفسه، على انتهاك اتفاقات وقف النار التي يبرمها، بحسب ما تثبته تجارب الهدن السابقة، تحديداً هدنة فبراير/شباط الماضي.


ولم تهدأ وتيرة الأعمال العسكرية قبل دخول الهدنة بساعات، والتي شارك فيها سلاح الجو الروسي، وكأنه يريد قتل أكبر عدد ممكن قبل بدء الهدنة، التي قد تشابه سابقتها، مع أنها أتت عبر قرار صادر من قبل مجلس الأمن. إلا أنه لم يلتزم بها أطراف الصراع وعلى رأسهم الروس، مكتفين بإصدار تقارير يومية من قاعدة حميميم العسكرية في الساحل السوري، والتي يتخذها الروس قاعدة عمليات لهم، بالخروقات التي تزعم أن الفصائل المعارضة قد ارتكبتها، من دون التطرق إلى المجازر والعمليات العسكرية التي يشنها النظام والمليشيات الموالية وبدعم روسي.


ومنذ إعلان الهدنة الأميركية الروسية سقط نحو مائة قتيل وعشرات الجرحى في كل من إدلب وحلب وريف اللاذقية، أمس، جراء استهداف مناطق سكنية فيها، من قبل الطيران الحربي، في حين شهد يوم أمس غارات على كل من حلب وإدلب أدت إلى سقوط قتلى وجرحى. وتزامن كل ذلك مع خوض قوات النظام لسباق مع الزمن من أجل استعادة تلة الكبينة الاستراتيجية في ريف اللاذقية، للحفاظ على المكاسب الميدانية وتوظيفها سياسياً بعد ذلك. وبحسب مصادر في المعارضة، شن سلاح الجو أكثر من 40 غارة بالتزامن مع قصف بالصواريخ وقذائف الهاون، في محاولة للسيطرة على التلة، وسط استبسال مقاتلي المعارضة السورية في الدفاع عن مواقعهم. لكن المصادر أكدت أن الثوار باتوا يدركون هدف النظام في سباق مع الزمن قبل دخول الهدنة حيز التنفيذ.

على ضوء ذلك، تبدو الأجواء متوترة ولا توحي بالتزام النظام والروس بالهدنة المعلنة، والتي يرى معارضون أنه تم الإعلان عنها لحفظ ماء وجه المفاوضين الأميركيين والروس في جنيف. ويتعزز هذا الاحتمال في ظل فشل الطرفين في الوصول إلى تفاهم حول مصالحهم، إذ غاب الاتفاق الاستراتيجي على مستقبل المنطقة وعلى آليات إدارة ملفات الأزمة السورية. ويرى متابعون أن أولوية الأميركيين باتت تتمثل اليوم بمحاربة "داعش"، وتجميد الصراع بين المعارضة والنظام على وضعه الراهن، في حين يرى الروس والنظام أن محاربة "داعش" تنطلق من القضاء على كل "الإرهابيين"، إذ لا يعترفون بوجود معارضة معتدلة.

وتتباين المواقف من الاتفاق الروسي الأميركي. بعض أطراف المعارضة رحبت بعملية وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية، في حين تنعدم الثقة بين أطراف الصراع في سورية. وقال "رئيس المجلس العسكري في مدينة حلب" سابقاً، العميد الركن المجاز زاهر الساكت، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "هذا الاتفاق أقروه لوحدهم، ولم يصل إلى الأحرار شيء"، لافتاً إلى أن هذا الاتفاق أقر دون تنسيق مع العسكريين أو حتى السياسيين في فصائل المعارضة. وأضاف "هم يخططون وليس علينا أن ننفذ، فليزيلوا (رئيس النظام بشار) الأسد أولا، لنصدق خططهم". وتابع "الأسد يقتلنا، ففي الهدنة السابقة ارتكب 3200 خرق لها".

وذكر الساكت أن الروس والأميركيين لم يدينوا وجود المرتزقة والمليشيات الطائفية إلى جانب النظام. وأعرب عن اعتقاده بأن "سورية لن تكون قاعدة للإرهابيين، بل سنقاتل الإرهابيين أمثال داعش وهذا واجب". وحول جبهة النصرة (فتح الشام حالياً) قال "ليس في سورية مستقبل لتنظيم القاعدة ولكن لا نقاتلهم الآن في ظل الأسد"، معتبراً أن تفاهمات كيري-لافروف هي كناية عن خدعة "لنتقاتل فيما بيننا ويتربع الأسد على كرسيه يتفرج علينا مستريحاً من قتالنا". وتساءل عن الإجراءات التي سيتم اتخاذها في حال خرقَ النظامُ وحلفاؤه الهدنة، مشيراً إلى أنه سبق أن تم توثيق 3200 خرق مسجلة لدى الأمم المتحدة، ضمن مجموعة مشكلة مع المنظمة الدولية، لكن "لم نخلص إلى أية نتيجة تذكر إلى اليوم"، وفق تأكيده.

وقال المتحدث الرسمي باسم "حركة أحرار الشام الإسلامية"، أحمد قره علي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن حركته تدرس حالياً "القرار الأنسب مع الفصائل ولم يصدر موقف نهائي بعد" بشأن الاتفاق الروسي الأميركي.

وأعلن الناطق العسكري باسم "حركة الشام"، الملقب أبو يوسف المهاجر، في تصريح صحافي، أن "جبهة فتح الشام مرابطة مع الثوار في جميع النقاط المتاخمة للنظام، ولا نقبل فصلها عن الثوار"، لافتاً إلى أنه على الرغم من عدم اتخاذ موقف نهائي من اتفاق وقف إطلاق النار، لكن وبعد مجزرة سوق إدلب أمس الأول، فإن الفصائل لا تعنيها هذه الهدنة، وفق قوله.

وترى مصادر ميدانية أن الامتحان الأصعب للاتفاق الروسي الأميركي سيكون في حلب، حيث تعتبر ساحة الصراع الأشد في البلاد، لا سيما في ظل حديث المهاجر عن الإعداد لمعركة جديدة في حلب. والامتحان الثاني الذي لا يقل صعوبة، يتمثل في إدخال المساعدات إلى المناطق المحاصرة في ظل إصرار النظام على تفريغ تلك المناطق من أهلها.

بدوره، قال المتحدث باسم حركة تحرير حمص، النقيب رشيد حوراني، في حديث مع "العربي الجديد"، من ريف حمص الشمالي المحاصر، إن الاتفاق يهدف إلى تقوية النظام والدليل على ذلك يتمثل في المماطلة في إقرار هذا الاتفاق، حتى تمكن النظام من إعادة السيطرة على المنفذ الذي يتيح فك الحصار عن حلب، كما أنه حصر الموضوع في منطقة واحدة وهي حلب، وفق قوله. واعتبر أن إمكانية تطبيق الاتفاق معدومة، لا سيما أن التجارب السابقة تشير إلى عدم وفاء النظام وروسيا "بأي عقد أو عهد"، على حد وصفه.

وفي ما يتعلق باستهداف "فتح الشام"، قال حوراني إن هذه المسألة تطرح كذريعة "لاستهداف وشرعنة ضرب بقية الفصائل، وفي النهاية من يريد للهدنة أن تنجح لا بد أن يثبت حسن نواياه"، متسائلاً في هذا الصدد: "هل استهداف السوق في إدلب (حيث سقط عشرات القتلى والجرحى عشية وقف إطلاق النار) يعتبر دليلاً على قدرة روسيا على الالتزام بالاتفاق؟".

ويعتبر الفصل بين "فتح الشام" وباقي الفصائل اليوم مسألة معقدة للغاية. وتعتبر هذه الحركة أحد أهم مكونات "جيش الفتح"، الذي يسيطر على إدلب، ورأس الحربة في معارك حلب. كذلك، من شأن محاربتها أن يطرح داخل الفصائل إشكالية شرعية قتالها، ما قد يتسبب في انشقاقات كبيرة داخل صفوف قوى المعارضة السورية.

هكذا، خلص نائب رئيس "الهيئة العليا للمفاوضات" يحيى القضماني، إلى القول، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "هذه ليست هدنة، بل محاولة وقف إطلاق نار طويل المدى يخططون له لتثبيت الأمر الواقع على الأرض". وأضاف أنه "يمكن تطبيقها بتجاوزات مدروسة لتأمين التغيير الديمغرافي المطلوب لتحقيق مآربهم، وعلينا أن نضع شروطنا لمنع تحقيق هذه الثغرات والمخاطر بشكل صريح وواضح"، وفق قوله. وأعرب عن اعتقاده بأن "الوضع الحالي يناسب بعض الأطراف وسيسعون إلى إنجاحه، لا سيما أن الروس أنهكوا، والنظام وإيران سيطروا على معظم المناطق المفيدة لهم، في حين سيطرت تركيا على منطقة غربي الفرات ويمكنها أن تكمل المهمة لأنها خارج الاتفاق، وإسرائيل ضمنت حدودها، وأميركا لا يمكنها أن تنكشف أكثر من ذلك" وفق ما رأى القضماني، الذي ختم بالقول إن الأمر يتعلق بـ"مؤامرات تمارس على الشعب السوري".

المساهمون