حصيلة مشاغبة طويلة مع المخرج "الشاب" يوسف شاهين (3)

27 يونيو 2019
+ الخط -
ـ أستاذ يوسف تعاملت في مشوارك مع مثقفين كثيرين من الجيل ده، مين اللي استوقفك أكثر من بينهم؟

يقول لي ضاحكاً: بلاش وحياتك حكاية المثقفين دى عشان مش باحب الكلمة دى، شوف أنا تعاملت مع كتاب كثيرين من أهمهم نجيب محفوظ، حبيت جدا آراءه، أنا فاكر إني بعثت له سيناريو فيلم (الاختيار) وكنت كتبته قبل ما أعرف ان ليه قصة بتقدم نفس الأحداث من غير ما اقراها، ومع ذلك لما قرأ السيناريو، كتب على غلافه "أحسن سيناريو فيلم مصرى قرأته"، وبعد كده لما عرفت حطيت على الفيلم إنه عن قصة لنجيب محفوظ، شوف نجيب كان جميل، لكن لما كان ماسك منصب في مؤسسة السينما كان مضايقني جداً بسبب البيروقراطية، عنده انفصام مش معقول، اللى بيكتب للساعة 8 الصبح مش ممكن يبقى هو نفس البنى آدم اللي بيقعد وراء المكتب، لما بيبقى وراء المكتب بيكون موظف بكل سيئات الموظف يعطلك ويضايقك، ومن 4 إلى 8 مساء تلاقيه نجيب اللي أخد نوبل في الآداب (يضحك).

ـ لماذا اختلفت مع لطفى الخولى ويوسف ادريس ومحسن زايد والذين اشتركوا معك فى كتابة ثلاثة من أهم افلامك؟

يرد مسرعاً: لا، غير صحيح اننى اختلفت مع محسن زايد، ما اشتغلناش سوا بعد فيلم " اسكندرية ليه" لإنه كان بيبقى مشغول، لكن ما اختلفناش سوا.

ـ طيب ولطفي الخولي ويوسف ادريس؟

(بعد لحظات من الصمت) يعني الاثنين كانوا عايزين ياخذوا حجم احنا ماكناش متفقين عليه،ما تجيش تقولي أنا كتبت وعملت وأنا ادّيتك سيناريو كامل، مع إني كل ما في الأمر إني فى وقت معين، قلت لك تعال ساعدني، وانت عارف إن السيناريو بيتم اعادة كتابته عشرين مرة، وكنت باعيده كده حتى وأنا باشتغل مع ناس كويسة في السيناريو، بالنسبة للطفي الخولي كان الخلاف حالة ثانية وعلى حاجة ثانية، ما أحبش اتكلم عنها، يعني أفضل إني أنساها، صحيح مش هاقدر، بس ما أحبش اتكلم عنها، يعنى تقدر تقول باختصار ما حصلش وفاق. لكن مع يوسف ادريس كانت خناقة فعلاً، يعني أنا باكتب فيلم عن السيرة الذاتية لي، وأنا أمى كانت رقيقة جداً ولذيذة جداً، وهو كان ما بيحبش أمه ولا أبوه، فكان عايز يكتب شخصية أمي بصورة سلبية مكروهة، كنت أقول له طيب هي مش كده، يقول لي لأ احنا بنُبدع، قلت له: إنت تُبدع لما تكتب عن أمك انت، أنا باكتب عن أمي أنا، قام شتمنى فى الجرايد إلى حد إني اضطريت مرة أرد عليه، وأقول له خلاص اختشي بقى، كانت آراءنا مختلفة لكن هذا لا يمنع إنى لما كنت باقرأ حاجة ليه كنت أعجب بها جداً والا ما كنتش اشتغلت معاه، لكن أحيانا ما بتبقاش الشخصيات راكبة مع بعضها.


ـ طيب، إيه تقييمك لتلميذك ومساعدك خالد يوسف بعد اشتراكه معاك في الكتابة فى أفلام (المهاجر)و(المصير)و(الآخر)؟

ولد مجتهد جداً وأثبت إنه يحب السينما جداً، أما حكاية التلميذ دى انا لما يسألونى انت عندك مدرسة اقول لا أنا ما عنديش مدرسة، أنا عندى معلومات كثيرة عن الاخراج، ودلوقتى الحمد لله أعرف معلومات أحسن شوية عن السيناريو، واللي باعلمه للأجيال الجديدة هو إن السينما صعبة جداً جداً، وعايزة تضحيات كبيرة وبتاخد مجهود كبير من حياتك اليومية يصل إلى 90 في المائة، ومش هيكون عندك حياة شخصية إلا القليل، تلاميذي من أول دفعة في معهد السينما علي بدرخان ونادر جلال وأحمد متولى لغاية آخر أجيال الشباب اللي درست لهم، لكن ماعنديش مدرسة، كل اللي باحاول أوصله ليهم إن المجهود هيكون كبير جدا، وإنك لازم تحب السينما بشكل جنوني، واوعى تدخلها إلا إذا كان عدم دخولك إليها هيخليك تنتحر، لو فيه أي احتمال أنك تعمل أي حاجة تانية من فضلك اعمل الحاجة التانية، لازم تاخد هذا القرار، خالد يوسف صَبَر كثير وهو عاقل وموقفه السياسي قريب جدا من أدائي، لان الكاتب لو اختلفت آراؤه عن آرائي مش هنشتغل سوا.

ـ عايز أسألك عن تقييمك لتجارب زملائك من أبناء جيلك زي توفيق صالح وصلاح أبو سيف وكمال الشيخ وفطين عبد الوهاب وعز الدين ذو الفقار؟ وإزاي تأثرت بتجاربهم؟

شوف، كويس إنك قلت لى أسماء لإنهم عادة بيسألوني انت تأثرت بمين ومتوقعين مني أقول أسماء، هاقول لك ببساطة تأثرت بكل دول وكلنا أثرنا على بعضنا، يعنى شوف مثلا فيلم (باب الحديد) وقارنه بتاريخهم، للحديث عن الواقعية مثلاً، عشان تتأكد من نقطة التأثير المتبادل، حبيت كتير من أعمالهم وأثرنا على بعضنا وتأثرنا بالمناخ الموجود حوالينا، لكن فعلا من غير مبالغة كلنا تعلمنا من بعضنا.

ـ طيب ومن الأجيال التالية لجيلكم، كنت عايز أسألك عن جيل عاطف الطيب ومحمد خان وداود عبد السيد وخيري بشارة؟


يرد بحماس مختاراً أن يتحدث فقط عن عاطف الطيب دون باقي الأسماء التي ذكرتها ولم أرد الإلحاح عليه أكثر لكي لا يتوتر فأخسر حالة الصفاء التي كان يحكي بها:

يا سلام، عاطف الطيب الله أكبر عليه، شوف أنا كنت في مهرجان كان من سنين طويلة، وكان وقتها في خناقات كبيرة بسبب فيلم "بونابرت"، دخلت فى حرب عنيفة مع منظمى المهرجان، حرب حقيقية ومع ذلك وقتها كان في فيلم لعاطف بيتعرض فى قسم نصف شهر المخرجين ـ يتحدث بالتحديد عن فيلم (الحب فوق هضبة الهرم) ـ قمت سبت فيلمي، ورحت علشان اقف معاه، وما كنتش حتى شفت الفيلم بس مسكت إيديه طول الوقت علشان يحس إني واقف جنبه.

ـ أسأله: وماذا عن تجارب الأجيال الجديدة، هل تتابعها؟

باشوف أول فيلم لكل واحد، بالكتير لحد تانى فيلم، بعد كده يتصرفوا، أنا مالي (يضحك) هو انا هاقعد أجرى وراه، أنا ماليش غير إني أساعده وأنا بادرس له على إنه يقدم أحسن مافيه.

ـ يعنى معقولة يا أستاذ، لست متابعاً جيداً للسينما المصرية؟

(يضحك) لا المصرية ولا العالمية، أصل يا إما أتابع واما أعمل افلام، هاشوف واتفرج مش هاعمل سينما.

(حتى الآن لست متأكداً ما إذا كانت إجابته تشكل دبلوماسية استثنائية منه يقصد بها عدم احراج أحد من زملائه، وأشهد له أنه كان حريصا على ذلك برغم صراحته الشديدة في التعبير عن آرائه السياسية والفنية، إلا أنه كان يتحرج من مهاجمة زملاء مهنته بشكل صريح، أم أن الإجابة كانت حقيقية فعلاً ومتصلة بنمط حياته الذي كان يقضيه طيلة الوقت في صراع دائم من أجل تطوير أفكاره والتعبير عنها بشكل يرضيه وإن أغضب الجميع).

عيون قناوي
ـ أستاذ يوسف، هل لا زلت تذكر حتى الآن الإهانة التي تلقيتها من مشاهد غاضب لم يعجبه فيلمك (باب الحديد) قبل حوالي 41 سنة؟

ـ طبعا، كانت صعبة جدا، بشكل عام تعبتني ردود الفعل على الفيلم، يومها قالوا عني إني معقّد ومتشائم وأسيئ إلى مصر، وعشان كنت بأكره الفشل وأكره إن الجمهور ما يشوفش أفلامي، اضطرّيت بعد إصرار المنتج إني أغيّر بعض اللقطات وأضيف لقطات كلوز ـ لقطات قريبة ـ لعيون قناوي ـ المنتج شاف إن اللقطات دي هتساعد على تفسير بعض الأحداث، والحقيقة إنها ما عملتش أي تغيير، وأدّى تنازلي إلى تشويه بسيط في الأسلوب، ما حدّش يلاحظه غيري، بس كان درس اتعلمت منه إني ما أستسلمش بعد كده لأي طلبات إنتاجية.


ـ بعض النقاد بيلجأ لتفسير رفض الجمهور للفيلم هو أن الفيلم كان أكثر تقدما من الذوق السائد في المشاهدة وقتها؟

ما باحبش أردد كلام إن الجمهور كان متخلف وقتها، لا، هو كان في أسباب كثيرة وظروف كتيرة. وبعدين للعلم عدم تقدير الفيلم ما كانش بس في مصر، لأ كمان كان في مهرجان برلين، يعني أنا زعلت جداً من إني في مهرجان برلين كنت مرشح للحصول على جائزة دولية عن الفيلم، وما حصلش، وقتها ما كانش حد عندنا بياخد جوايز دولية، ولغاية دلوقتي لسه حصول العرب على الجوائز صعب جدا.

(يقوم بتغيير الحديث ليتكلم عن فيلم المصير الذي كانت قد مضت فترة على إنتاجه وعرضه، فأشعر أنه يقصد ما سبق أن ذكّره به خالد يوسف حول ما كتبته عن فيلم (المصير) فأستمع إليه دون مقاطعة)

عشان كده كانت أهمية فيلم المصير وجائزته، إنك بفيلم زي ده تخليهم يعترفوا إنهم أخذوا الكثير من العرب، خصوصا من ناحية التنوير اللي أخذوه فعلا من ابن رشد وغيره من المثقفين العرب، ده كان صعب جدا عليهم، مش قادرين يبلعوها، خصوصا بعد 50 سنة من انتهاء الإستعمار، دلوقتي لما باشوف توني بلير بيطلع في التلفزيون ويتكلم بعجرفة عن إنه هيأدب شعب العراق، أقول إيه ده؟، الكلام ده كان ممكن تقوله زمان، النهارده لما تقوله يبقى شكلك غريب، ثلاثة أرباع شعبك بدأ يعرف حقيقة الكلام ده، لعلمك بعد (المصير) خلّوا السنة الدراسية في جامعات كثيرة في فرنسا تتضمن دراسة ابن رشد، قالوا ما دام هناك واحد قال إن ابن رشد أثر علينا، يبقى لازم نعرف ابن رشد كويس، يعني الفيلم ساعدهم على الفهم.

(رأيت أن من الأفضل تغيير الموضوع والعودة للحديث عن باب الحديد خاصة أن أسئلتي الخلافية كانت قد أخذت وقتا كافيا من الحوار، وكنت مهتما أكثر بأن أسترجع معه بعض ذكرياته الفنية والسياسية، فاضطررت لمقاطعته)

ـ أستاذ يوسف خليني أرجع تاني إلى رد الفعل العنيف الذي تلقيته بعد فيلمك (باب الحديد) والذي كان من الممكن أن يدمرك كمخرج، لتصبح مثل غيرك من المخرجين الذين اختفوا بعد أول أو ثاني عمل بسبب الإخفاق التجاري، والأسماء هنا كثيرة، لذلك سؤالي ما الذي حملك على الصبر وساعدك على الإستمرار؟.

ـ طبعا كان ممكن أتدمّر بعد التجربة دي، واللي أنقذني من هذا المصير هو المصادفة الحلوة، لما قمت بإخراج فيلم (جميلة بو حريد)، ويمكن عشان كده أهديت فيلمي (الآخر) لعز الدين ذو الفقار، لإنه كان المفروض يقوم هو بإخراج فيلم جميلة، وبعدين اختلف مع المنتجة ماجدة الصباحي، فرشحني وقال لي إنت هتعمل الفيلم ده ومش حد غيرك، وفبالمناسبة بعدها بسنوات عملها مرة تانية، لما أصيب بالمرض وما تمكنش من إخراج فيلم الناصر صلاح الدين، وكان أخوه محمود عايز يخرج الفيلم، بالإضافة إلى ييجي عشر مخرجين تانيين عرضوا على المنتجة آسيا إنهم يخرجوا الفيلم، لكن عز الدين قال لها ده اللي هيخرجه ودي وصيتي قبل ما أموت، ولو ما عملوش شاهين هازعل منك.

ـ في أوقات صعبة زي دي ما فكرتش في ممارسة مهنة أخرى غير الإخراج ولو حتى جوه السينما؟


لا يمكن، من لما كان عمري سبع سنين وأنا باحب هذه المهنة وعارف إني مخلوق لها، عشان كده تلاقيني مهما وقعت فيها باقوم تاني.

ـ في فترات الأزمات أو الوقوع على حد تعبيرك كنت بتعمل إيه عشان تعديها؟

كنت باكتب، وباتخانق، وباحاول أتغلب على أزماتي، زي ما اتغلبت على أزمتي في فيلم مبكر ليّا، وكان بيمثل لي حلم جميل هو فيلم (المهرج الكبير) اللي كان هيمثله نجيب الريحاني، وفجأة الريحاني مات، فما انهزمتش، لجأت إلى ممثل تاني كويس، ولكن مش على مستوى الريحاني (يقصد الفنان الكبير يوسف وهبي).

اللي اداني بعض العزاء بعد باب الحديد هو إدراكي إني مثلت كويس أوي في الفيلم، صحيح ما كنتش جان بريميير ـ الفتى الأول ـ لكن كنت كويس، قبل (باب الحديد) كنت باعيش دور البطل من خلال الممثلين اللي بيعملوا الفيلم، لكن كنت باحس بالإحباط بعد ما الفيلم يخلص، لإن الممثلين ما قدروش يدوني اللي كنت عاوزه، عشان كده لما جت فرصة باب الحديد خدتها فورا، بس بدل ما ترفعني للسماء ضربتني على دماغي بعنف، وقعدت أفكر في اللي عملته، وإيه الغلط، أنا مش مغرور عشان أقول إن كل اللي عملته صح، لكن دايما باحب أتأكد من صحة النقد اللي بيتوجه لي، وإيه هي الدوافع اللي ممكن تخلي اللي بينقد يهدف لتدمير فنان ما، هل ده لوجه الله، ولا لأغراض وعُقَد شخصية؟

مع عبد الناصر
ـ طيب خلينا ننقل لنقطة مهمة هي علاقة الفنان بالسلطة في مسيرتك الفنية، خصوصا أنك عاصرت ثلاثة عهود مختلفة، كنت أريد سؤالك عنها، ونبدأ بعبد الناصر، كيف بدأ موقفك منه وكيف تطور؟

(يفاجئني بالرد) أنا ناصري، ولسه ناصري حتى الآن، لكن أقول لك حاجة مهمة عشان ما تستغربش، لو عبد الناصر عاش حتى الآن، كان تفكيره أصبح زي تفكيري، كان بقى ليبرالي أكتر، وكان فِهِم إن الديمقراطية لا بد منها، وإن رأي الآخر في منتهى الأهمية، وإنه لا يصح أبداً إنك تنفرد بالقرار، خصوصاً إن الحاكم لازم ياخد ييجي 70 ألف قرار في اليوم، وعشان كده في وزراء ومجلس شعب، لو أصررت كحاكم على اتخاذ القرارات كلها لوحدك، هتتحول لديكتاتور، وتقتل في المواطن الطاقة الإبداعية، لو اديتني حريتي هافكر في أشياء غريبة جدا، بس ممكن تفيدني كبلد. إنت عارف أنا باحزن لما أفكر إننا كعرب ما خدناش الكمبيوتر عشان نفككه ونشوف إزاي نعمل زيه، في اليابان وكوريا عملوا كده، إنما احنا بالكاد بنستهلك الأشياء، ليه ما بنبدعهاش؟ لإننا ماعندناش حرية، لما اتعمل الكمبيوتر كنا بنسخر منهم لما صنعوه، على رغم إنه كان من أوائل الأشياء اللي خلتهم يقوموا بأبحاث لصناعة أشياء أخرى، إحنا بنخترع إيه بقى، السجّاد؟ المسئولين عندنا بيفتتحوا مصانع سجاد تقريبا كل يوم، هو ما فيش حاجة تاني غير السجّاد؟

(كانت استطرادات شاهين مممتعة كالعادة، لكني كنت أسابق الوقت ولذلك كنت مضطرا لأن أعيده ثانية إلى النقطة التي بدأ الحديث عندها بسؤال أكثر تحديداً):

ـ طيب، أغلب اللي أحبوا عبد الناصر كانوا من طبقات فقيرة، لإنهم شافوا فيه اللي هيحقق أحلامهم؟ لكن إنت ما كنتش من طبقة فقيرة؟

أنا كنت من طبقة متوسطة عادية، يعني مش أغنياء ولا حاجة، وعايشين عيشة بسيطة على القد، وعشان كده حبيت عبد الناصر لإن طريقه كان طريق البسطاء، النموذج اللي يمكن حتى في السينما بتحبه، إنت في السينما بتحب البطل الفقير البسيط العنيد الجرئ المصمم على النجاح وبتتعاطف معاه وبتبكي معاه، طريق عبد الناصر كان زي طريق أي إنسان بسيط وده خلانا نحبه، في حكاية أفتكرها من طفولتي، لما كنا نستحمّى في البحر في اسكندرية في أغسطس في موسم الفيضان، كنا نقول ياه البحر متوسّخ، النيل وسّخ البحر، والدي كان من القليلين اللي بيقولوا مش حرام المية الحلوة دي تروح في البحر، ما اتكلمش طبعاً عن السد العالي، لكنه كمواطن كان بيفكر في طريقة لعدم إهدار ثروتنا من الميّة، والدي كان بيقول كده لإنه رجل شفاف جداً وطيب وبيحب الناس، فلما ييجي زعيم وطني يعمل السد ده عشان يحمي ثروة بلده، وترفض أمريكا ده بأسلوب يفتقر للياقة، تقوم إنت كمواطن تعرف إن الدولة دي يمكن تكون ضدك، إما من جهلها لإنها ما تعرفش إنت مين، أو لأنها عايزة مساعدة اسرائيل ببجاحة شديدة. في لحظة المواجهة دي بدأت أنا كمواطن شاب أعرف إن الحكومات ما بيقومش عليها ناس شفافين وطيبين، وتعلمت إني ممكن أكون حبّيت في أمريكا كم مهول من الناس والعباقرة، لكن أكره رئيس دولتها اللي يقول: "إنني اعمل لمصلحة بلدي"، دي جملة شريرة، مصلحتك على حساب مين؟ لو على حساب الآخر، لا، خصوصا لما يكون الآخر هو أفريقيا اللي فضلتوا تنهبوها لسنين وسنين، وتبهدلوها، ما تقوليش ساعتها مصلحتك بس، قِس ده على أخوك لما يقول أنا هاعمل اللي يحقق مصلحتي بس، هل ده هيرضيك؟

...

نكمل رحلتنا مع يوسف شاهين الإثنين القادم بإذن الله.
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.