حصار الأردن وقطر

06 يونيو 2018
قوات الأمن الأردني تسدّ طريق المتظاهرين (فرانس برس)
+ الخط -

في إعلان رسمي صدر يوم 5 يونيو/ حزيران 2017، قرّرت كل من المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين وجمهورية مصر العربية، مقاطعة دولة قطر براً وبحراً وجواً، وأغلقت الحدود معها، وطلبت من القطريين مغادرة دول الخليج الثلاث المقاطعة، ووضعت 13 مطلباً أمام دولة قطر كي تقبل بها. لكن الدوحة رفضت ذلك متحمّلةً وطأة الحصار.

وبعد عام من مرور الحصار، واستبعاد القيام بعمل عسكري، انحصر التصعيد والضغط عبر الوسائل الاقتصادية، والدبلوماسية، والإعلامية خصوصا، وتنافس الفريقان من أجل كسب الأنصار.

واستطاعت دولة قطر أن تحافظ على موقعها، وأن تجد لنفسها البدائل، وأن تتجاوز الهزّة الأولى لانقطاع بعض الأدوية والمواد الغذائية عنها، وكذلك تمكّنت الخطوط القطرية من الصمود أمام ارتفاع الكلف، وتحوّل ركاب الترانزيت عن الدوحة، وإطالة مسافات الطيران لتجنب أجواء الدول المقاطعة.

وكذلك جرت حرب لنزع إقامة بطولة كأس العالم من قطر، لكنها لم تفلح. ودفعت الدول المحاصرة لنزع امتياز بث مباريات كأس العالم عبر القنوات الفضائية القطرية، لكن قطر لا تزال صامدة، على الرغم من شدة المحاولات، ولا تزال قناة الجزيرة تشن أيضاً حرباً إعلامية، لتقويض الحصار المفروض على الدولة المضيفة لها، وهي قطر، وتمكّنت من أن تكون نداً قوياً للقنوات الفضائية التابعة ملكيتها لجهاتٍ في الدول المقاطعة.

وإذا تأملنا في قدرة قطر على التكيف، فقد أقامت صناعات أدوية ومواد غذائية مكّنتها من أن تأخذ قراراً قبل أسابيع بمنع دخول هذه السلع وغيرها من الدول المحاصِرة، كما قرّرت حكومة قطر إزالة كل السلع المستوردة من هذه الدول من رفوف المحال التجارية التي تبيعها.
بعد سنة من التقييم لأثر الحصار ومراجعته، فإن الخسارة التي تكبّدتها قطر ليست مقنعةً لها على الإطلاق، لتقبل بشروط رفع الحصار عنها، بل إنها بدأت تغير موقفها الأصلي في عدم الرد على قرارات المقاطعة، بأخذ خطواتٍ للرد، كما فعلت في حالة التصنيع الجديد للغذاء والدواء وغيرها من صناعاتٍ استهلاكية ومنزلية.

وكذلك، فإن دولة قطر، كما توقعت في مقالاتٍ سابقة، تمكّنت من تنفيذ عقود بيع الغاز والنفط الملتزمة بها. وطالما أن قطر تجني من صادراتها أكثر من 150 مليار دولار سنوياً، فإن لديها فائضاً تراكمياً توجهه نحو الادخار والاستثمار لا يقل عن 60 مليار دولار على أدنى حد.

في المقابل، فُرض حصار صامت على الأردن، وليس حصاراً معلناً. وللأردن حدود مع المملكة العربية السعودية، ومنها تنطلق تجارته المباشرة وتجارة الترانزيت إلى باقي دول الخليج العربية. وقد رفعت المملكة الرسوم على الشاحنات القادمة من الأردن، وعلى تأشيرات السائقين، وتشدّدت لأسباب أمنية، وفرضت إفراغ الشاحنات من حمولاتها عند النقاط الحدودية وإعادة تحميلها، ما أدى إلى إتلاف سلع كثيرة، وخصوصا الخضروات والفواكه.

وعلى رغم ما تحمّله الأردن من أعباء كبيرة على موازنته العامة، نتيجة ارتفاع النفقات العامة المترتبة عن تدفق اللاجئين إليه، فإن إمداد الأردن بمساعداتٍ لدعم الخزينة قد توقف منذ تبنّي دول الخليج برنامجاً بقيمة خمسة مليارات دولار، لمساعدة الأردن في تنفيذ مشروعاته الرأسمالية خلال الفترة 2012-2016. ولم تقدم، منذ ذلك الوقت، أي مساعدات عربية لدعم الخزانة الأردنية.

ولو أن الأردن لم يبذل جهوداً كبيرة من أجل أن يصوب أوضاعه المالية، لقلنا إنه مقصر، ولا تجوز مساعدته إلا بعد أن يتبنّى إجراءات تقشّفية، ويزيد من مساهمة المواطن الأردني في رفد خزينته العامة، لكن السنوات الست الأخيرة شهدت زيادةً كبيرةً في إلغاء الدعم عن النفط والكهرباء والخبز والسلع الأساسية، وزيادة في كل أنواع الرسوم ورفعاً للجمارك، ولم تبق سلعة أو خدمة يمكن أن ترفع الرسوم أو الضرائب عليها إلا واستخدمت.

وقد أثقل هذا كثيراً على موازنات الأسر وأرهقها، إضافة إلى أعباء نتجت عن زيادة السكان، وارتفاع كلف النقل، وزيادة البطالة بين الشباب (26%)، وارتفاع نسبة البطالة (19%) بشكل عام، وتأزّم العنف المجتمعي الناجم عن ضنك العيش.
وقد جرّبت دول الخليج التي تبنّت برامج إصلاحية مشابهة ردود الفعل لديها، لكنها عادت وعوّضت المواطنين فيها برفع رواتبهم، وإلغاء الضرائب عنهم، وغيرها من المنح، تاركة عبء الرفع على الوافدين إليها والمقيمين فيها.

وليس لدى الأردن الذي يتحمل الآن أعباء مشابهة، القدرة المالية على تعويض المواطنين. ولمّا بلغ السيل الزبى، أعلن الشعب الأردني، عبر مؤسسات المجتمع المدني فيه، رفضه تغريم المواطن أكثر، وعبّرت عن غضبها من مشروع تعديل قانون ضريبة الدخل وزيادة نسب الضريبة والتشدّد في التحصيل. وقد استجاب الملك عبدالله الثاني لمطالب الشعب الأردني، وقبل استقالة الحكومة.

عبّر مسؤولون في دول الخليج عن تضامنهم مع الأردن، خصوصا قطر والإمارات والكويت. وجاءت تصريحات وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، دافئة، ولكن لم يأت، مع هذا التأييد المعنوي، أي دعم مادي.

الخيارات أمام الأردن عديدة. وإذا كانت المساعدات ستعود في مقابل القبول بصفقة القرن، كما يعلن عنها، أو التنازل عن القدس والوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية فيها، فإن في الأردن إجماعاً على رفض ذلك كله شعبياً ورسمياً.

ومهما اشتدت المصاعب، فإن موقف الأردن ومصالحة الاستراتيجية المرتبطة بحل عادل للقضية الفلسطينية لن يتبدّل، والأردنيون جميعاً سيقفون مع قيادتهم، كما فعل القطريون بوقوفهم مع قيادتهم.

إذاً، على الدوحة وعمّان أن تجدا طريقة للتفاهم أكثر، لأن كلتيهما تواجه مشكلات الحصار والمقاطعة، وإن اختلفت الوسائل والتسميات والإمكانات. فالبلدان يجب أن يبتدعا وسائل بعث الدفء في العلاقات التي يريدها كل منهما مع الآخر، وإنْ لم يصرّح بذلك علناً.
المساهمون