08 نوفمبر 2024
حصارٌ يكسره مركب
أظهرت فترة العشرة أعوام، من الحصار المطبق على قطاع غزة، العالمَ على حقيقته، فاقداً أي إرادةٍ في فك هذا الحصار، حتى بات يُنظر إلى العالم شريكاً مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في فرض الحصار. وهي حقيقةٌ عرفها مبكراً الناشطون الدوليون، المتضامنون مع قضية الشعب الفلسطيني، ففكّروا في طرقٍ لكسر هذا الحصار، فلم تسعفهم، في هذا الأمر، سوى المراكب المتواضعة التي شرعوا في تسييرها سنة 2008. وهكذا بدأت ما عرفت بأساطيل الحرية من هذه المراكب، تصل إلى القطاع تباعاً، حاملةً رسائل إلى هذا الشعب، تتعدّى، في مضمونها ومعانيها، ما تستطيع مراكبهم حمله من أغذيةٍ وأدويةٍ يحتاجها أطفاله، علاوةً على الرسائل الموجهة إلى المجتمع الدولي، لتُظهر عجزه وتقاعسه عن أداء أقل واجب إنساني تجاه مأساةٍ، أصبح الجميع مدركاً فظاعتها.
تعود قصص كسر الحصار عن قطاع غزة، مع انطلاق مركب "زيتونة –أوليفيا" النسائي الذي يقل سيدات من أميركا وأستراليا وجنسيات أوروبية مختلفة، من مدينة مسينا في جزيرة صقلية الإيطالية نحو القطاع في 27 سبتمبر/أيلول. وقد نظمت الرحلة ناشطاتُ سلامٍ وكاتباتٌ ومغنياتٌ وعاملاتُ في الشأن العام. وعلى الرغم من درايتهن بالمخاطر التي يمكن أن يواجهنها، واحتمال اعتداء قوات الاحتلال الإسرائيلي عليهن، بدت القائمات على الرحلة مصرّات على الاستمرار فيها، ومستعداتٍ لمواجهة أي سيناريو من هذا القبيل، في مقابل الوصول إلى القطاع ولقاء النساء والأطفال فيه، على حد قول إحدى المشاركات. وفي مقالةٍ، نشرتها الممثلة والمخرجة والناشطة الأميركية، ليزا هاميلتون، قبل أيام، سألَتْ نفسها: "ما الذي يدفعني إلى قطع ستة آلاف ميل، وترك عائلتي للانضمام إلى ما بدا أصغر مركب في كل الموانئ؟ لماذا أشارك، مرة أخرى، في نشاطٍ من أجل كسر حصار غزة الإسرائيلي-المصري؟ أنا هنا من أجل نساء غزة الجبَّارات والمدهشات. أنا هنا لأنني قلقة بسبب آثار الحرب والحصار على النساء في غزة، حيث تدمِّر الحروب الدورية المدارسَ والمشافي والمنازل ومصادر المياه".
وتعلم إسرائيل تأثير وصول هذه المراكب على الرأي العام العالمي، وقدرتها على تغيير الانطباعات والقناعات لدى جمهورٍ واسعٍ من مؤيديها، فمشهدُ نساءٍ يعملن على إيصال بعض الأدوية والأغذية إلى نساءٍ وأطفالٍ، منعَ الحصار الإسرائيلي وصولها إليهم، كفيلٌ بقلب الصورة، وإظهار من هو الضحية الحقيقية في هذا الصراع المستمر منذ سبعة عقود. لذلك، واجهت قوات الاحتلال هذه المراكب، واعترضتها البحرية الإسرائيلية في عرض البحر وفي المياه الدولية أيضاً، واعتدت على أطقمها، وعلى المشاركين فيها، غير مكترثةٍ بتبعات هذه الاعتداءات على علاقاتها مع الدول التي يتبع لها الناشطون.
ولم تفلح الإدانات الدولية والمناشدات التي وجهتها دولٌ غربيةٌ للسلطات الإسرائيلية، منذ سنة
2008، لرفع الحصار في إقناع هذه السلطات في رفعه. كما لم تفلح يومها دعوى قضائية رفعها محامون من دول عدة أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي ضد قادة إسرائيليين، معتبرين فرضهم الحصار بمثابة جريمة حرب ضد الإنسانية، وجريمة إبادة جماعية. بل استمرت هذه السلطات بتكريس الحصار أكثر فأكثر، بإلغائها المستمر بنوداً تسمح بمرورها عبر المعابر التي تسيطر عليها. وتزيد السلطات الإسرائيلية معاناة الشعب الفلسطيني في غزة، بسبب حصارها، وعبر الحروب الدورية التي تشنها على القطاع لتدمير البنى التحتية والمساكن وقتل الأهالي. كما تسعى إلى بناء جدار على حدود القطاع، يكون مماثلاً للجدار العازل في الضفة الغربية، بحجة تدمير أنفاق المقاومين التي يحفرونها للتسلل إلى عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة.
في موضوع كسر الحصار على غزة، كان لافتاً موقف تركيا، وهي التي سيّرت أيضاً مراكب لهذا الهدف. ووقعت جريمة اعتداء الجيش الإسرائيلي على سفينة "مافي مرمرة" التركية في المياه الدولية قبالة غزة، أواسط سنة 2010. لتعود بزخم، هذه الأيام، بمشاريع كبيرة وخطط حقيقية، تخفّف من معاناة الشعب الفلسطيني، فبعد سنوات من القطيعة إثر هذه الحادثة، اشترطت تركيا على الإسرائيليين لتطبيع العلاقات السماحَ لتركيا إقامة مشاريع حيوية في قطاع غزة، منها مشروعان لتوليد الكهرباء ولتحلية مياه البحر، إضافة إلى السماح للسفن التركية المحملة بالسلع والمواد والأدوية التي يحتاجها السكان بتوصيل حمولتها إلى القطاع، عبر ميناء إسدود، والتي استهلتها السفينة التركية "ليدي ليلى" بإيصال 11 ألف طن من المساعدات بداية يوليو/ تموز الماضي.
على عكس تركيا، سعت الدول العربية التي تقيم علاقات مع الكيان الإسرائيلي إلى تضييق الحصار على قطاع غزة وأهله، بدلاً من سعيها لدى سلطات الاحتلال إلى تخفيفه، أو حتى إلغائه. فلم تطالب مصر الإسرائيليين برفع الحصار، بل اتبعت إجراءاتٍ تماشت مع السياسات الإسرائيلية في تضييقه. وكان عهد رئيس الانقلاب، عبد الفتاح السيسي، مميزاً في إجراءاته لخنق القطاع وأهله، بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فكان الإغلاق المستمر لمعبر رفح، على الحدود المصرية في وجه الفلسطينيين، فمنعت حالات إنسانية من العبور، ومنع طلاب حاصلون على منح دراسية من الخروج للالتحاق بجامعاتهم. وفي حين شرعت الحكومة المصرية، سنة 2009، ببناء جدار فولاذي في عمق الأرض لمنع حفر الأنفاق، شريان غزة الحيوي، جرَّفت حكومة السيسي الأراضي المحاذية لحدود القطاع ودمرت الأنفاق، وغمرتها بمياه البحر، غير مكترثة بآثار ذلك على المياه الجوفية في القطاع.
على الرغم من أهمية استمرار تسيير المتضامنين الدوليين مراكبَ كسر الحصار الإسرائيلي إلى غزة، ودورها في إظهار حقيقة الحصار والأوضاع المزرية في القطاع، إلا أن خطواتٍ، من قَبيل الخطوة التركية، هي الكفيلة في رفع الحصار إن كرّرتها دول أخرى. والدول العربية والإسلامية التي تقيم علاقات مع الكيان لإسرائيلي هي المطالبة بخطواتٍ كهذه، لا أن تساهم في زيادة الحصار، فما عدا ذلك، ستبقى هذه المراكب متنفس الغزيين الوحيد، على الرغم من قلتها.
تعود قصص كسر الحصار عن قطاع غزة، مع انطلاق مركب "زيتونة –أوليفيا" النسائي الذي يقل سيدات من أميركا وأستراليا وجنسيات أوروبية مختلفة، من مدينة مسينا في جزيرة صقلية الإيطالية نحو القطاع في 27 سبتمبر/أيلول. وقد نظمت الرحلة ناشطاتُ سلامٍ وكاتباتٌ ومغنياتٌ وعاملاتُ في الشأن العام. وعلى الرغم من درايتهن بالمخاطر التي يمكن أن يواجهنها، واحتمال اعتداء قوات الاحتلال الإسرائيلي عليهن، بدت القائمات على الرحلة مصرّات على الاستمرار فيها، ومستعداتٍ لمواجهة أي سيناريو من هذا القبيل، في مقابل الوصول إلى القطاع ولقاء النساء والأطفال فيه، على حد قول إحدى المشاركات. وفي مقالةٍ، نشرتها الممثلة والمخرجة والناشطة الأميركية، ليزا هاميلتون، قبل أيام، سألَتْ نفسها: "ما الذي يدفعني إلى قطع ستة آلاف ميل، وترك عائلتي للانضمام إلى ما بدا أصغر مركب في كل الموانئ؟ لماذا أشارك، مرة أخرى، في نشاطٍ من أجل كسر حصار غزة الإسرائيلي-المصري؟ أنا هنا من أجل نساء غزة الجبَّارات والمدهشات. أنا هنا لأنني قلقة بسبب آثار الحرب والحصار على النساء في غزة، حيث تدمِّر الحروب الدورية المدارسَ والمشافي والمنازل ومصادر المياه".
وتعلم إسرائيل تأثير وصول هذه المراكب على الرأي العام العالمي، وقدرتها على تغيير الانطباعات والقناعات لدى جمهورٍ واسعٍ من مؤيديها، فمشهدُ نساءٍ يعملن على إيصال بعض الأدوية والأغذية إلى نساءٍ وأطفالٍ، منعَ الحصار الإسرائيلي وصولها إليهم، كفيلٌ بقلب الصورة، وإظهار من هو الضحية الحقيقية في هذا الصراع المستمر منذ سبعة عقود. لذلك، واجهت قوات الاحتلال هذه المراكب، واعترضتها البحرية الإسرائيلية في عرض البحر وفي المياه الدولية أيضاً، واعتدت على أطقمها، وعلى المشاركين فيها، غير مكترثةٍ بتبعات هذه الاعتداءات على علاقاتها مع الدول التي يتبع لها الناشطون.
ولم تفلح الإدانات الدولية والمناشدات التي وجهتها دولٌ غربيةٌ للسلطات الإسرائيلية، منذ سنة
في موضوع كسر الحصار على غزة، كان لافتاً موقف تركيا، وهي التي سيّرت أيضاً مراكب لهذا الهدف. ووقعت جريمة اعتداء الجيش الإسرائيلي على سفينة "مافي مرمرة" التركية في المياه الدولية قبالة غزة، أواسط سنة 2010. لتعود بزخم، هذه الأيام، بمشاريع كبيرة وخطط حقيقية، تخفّف من معاناة الشعب الفلسطيني، فبعد سنوات من القطيعة إثر هذه الحادثة، اشترطت تركيا على الإسرائيليين لتطبيع العلاقات السماحَ لتركيا إقامة مشاريع حيوية في قطاع غزة، منها مشروعان لتوليد الكهرباء ولتحلية مياه البحر، إضافة إلى السماح للسفن التركية المحملة بالسلع والمواد والأدوية التي يحتاجها السكان بتوصيل حمولتها إلى القطاع، عبر ميناء إسدود، والتي استهلتها السفينة التركية "ليدي ليلى" بإيصال 11 ألف طن من المساعدات بداية يوليو/ تموز الماضي.
على عكس تركيا، سعت الدول العربية التي تقيم علاقات مع الكيان الإسرائيلي إلى تضييق الحصار على قطاع غزة وأهله، بدلاً من سعيها لدى سلطات الاحتلال إلى تخفيفه، أو حتى إلغائه. فلم تطالب مصر الإسرائيليين برفع الحصار، بل اتبعت إجراءاتٍ تماشت مع السياسات الإسرائيلية في تضييقه. وكان عهد رئيس الانقلاب، عبد الفتاح السيسي، مميزاً في إجراءاته لخنق القطاع وأهله، بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فكان الإغلاق المستمر لمعبر رفح، على الحدود المصرية في وجه الفلسطينيين، فمنعت حالات إنسانية من العبور، ومنع طلاب حاصلون على منح دراسية من الخروج للالتحاق بجامعاتهم. وفي حين شرعت الحكومة المصرية، سنة 2009، ببناء جدار فولاذي في عمق الأرض لمنع حفر الأنفاق، شريان غزة الحيوي، جرَّفت حكومة السيسي الأراضي المحاذية لحدود القطاع ودمرت الأنفاق، وغمرتها بمياه البحر، غير مكترثة بآثار ذلك على المياه الجوفية في القطاع.
على الرغم من أهمية استمرار تسيير المتضامنين الدوليين مراكبَ كسر الحصار الإسرائيلي إلى غزة، ودورها في إظهار حقيقة الحصار والأوضاع المزرية في القطاع، إلا أن خطواتٍ، من قَبيل الخطوة التركية، هي الكفيلة في رفع الحصار إن كرّرتها دول أخرى. والدول العربية والإسلامية التي تقيم علاقات مع الكيان لإسرائيلي هي المطالبة بخطواتٍ كهذه، لا أن تساهم في زيادة الحصار، فما عدا ذلك، ستبقى هذه المراكب متنفس الغزيين الوحيد، على الرغم من قلتها.