بدأ العراق عام 2018 بإعلان النصر على تنظيم "داعش" الإرهابي، مع تحرير آخر الأراضي من سيطرته، بعد نحو أربع سنوات من المعارك الطاحنة، غير أنّ باقي أيام العام كانت حافلة بالأحداث والتطورات على مستوى الأمن والسياسة وحتى الشارع، دفعت مراقبين لاعتباره عام "التحولات المفصلية".
وكانت المعارك بين "داعش" الإرهابي والقوات العراقية، امتدت على طول 53 بالمائة من مساحة البلاد، وتركزت في شمال وغرب ووسط العراق.
ويُعرف هذا العام أيضاً بعام "كسر ظهر داعش" كما اصطلح عليه داخل الشارع العراقي، الذي لعب دوراً كبيراً هو الآخر في الحرب على التنظيم والقضاء عليه.
يناير/كانون الثاني
وانتشرت القوات العراقية، منذ الأيام الأولى لعام 2018، في مناطق متفرقة من البلاد بحثاً عن فلول "داعش" الإرهابي، لا سيما في المناطق الصحراوية بمحافظات نينوى وصلاح الدين والأنبار في شمال وغرب العراق.
وتزامناً مع ذلك، أعلنت الأمم المتحدة حينها، انخفاض أعداد القتلى والجرحى من العراقيين جرّاء أعمال العنف، في وقت قالت فيه الحكومة العراقية، إنّها بصدد كبح جماح الجماعات المسلحة الخارجة على القانون.
في المقابل، ردّ قياديون بمليشيات "الحشد الشعبي" على خطوة الحكومة بشأن الحد من نفوذ الفصائل المسلحة، معتبرة إيّاها "مزايدات انتخابية"، ومن هنا بدأت الفجوة تتسع بين رئيس الحكومة حيدر العبادي من جهة، والمليشيات من جهة أخرى، ليشهد الشهر الأول من عام 2018 انبثاق تحالف انتخابي حمل اسم "النصر" بقيادة العبادي، قابله تشكيل تحالف "الفتح" الذي ضمّ فصائل مسلّحة بزعامة هادي العامري، استعداداً لخوض انتخابات البرلمان.
كما توصّلت الحكومة العراقية برئاسة العبادي، مطلع يناير/كانون الثاني، إلى اتفاق مع سلطات إقليم كردستان على الإدارة المشتركة للمنافذ الحدودية في الإقليم، بعد سنوات من سيطرة القوى الكردية عليها بشكل منفرد، بينما أعلنت تركيا استعدادها للتوسط بين بغداد وأربيل.
وأعلنت السفارة الأميركية في العراق، في منتصف يناير/كانون الثاني، أنّ واشنطن بصدد تقليص عدد قواتها في العراق، بعد نهاية الحرب على "داعش"، فيما أكدت رئاسة أركان الجيش العراقي وجود خطة لإعادة هيكلة القوات العراقية.
فبراير/شباط
ومع مطلع فبراير/شباط، واصلت القوات العراقية، ملاحقتها ما تبقى من عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي، ولاحقتهم بحملة عسكرية واسعة وصلت إلى الحدود مع السعودية، كما نشرت الأجهزة الاستخبارية العراقية، قائمة ضمّت 60 شخصاً وصفتهم بأنّهم "أهم المطلوبين" في التنظيم.
وشهد شهر فبراير/شباط، حدثاً حمل أبعاداً سياسية واقتصادية اجتماعية تهم العراقيين، هو انطلاق مؤتمر الدول المانحة في الكويت، الذي خُصّص لدعم جهود إعمار المناطق العراقية التي تضررت من الحرب على تنظيم "داعش".
وفي الشهر ذاته، صوّت البرلمان العراقي على قانون الانتخابات الذي جرت بموجبه العملية الانتخابية التشريعية، في مايو/أيار.
مارس/آذار
ومع مطلع شهر مارس/آذار، أعلن العبادي عن "حرب لا هوادة فيها" على الفساد الذي قال إنّه "أخطر من الإرهاب"، ما دفع خصومه للردّ عليه بالقول إنّ هذه الخطوة محاولة للحصول على مكاسب، قبل شهرين، من الانتخابات البرلمانية. في حين طلب البرلمان العراقي من الحكومة، وضع جدول زمني لانسحاب القوات الأميركية من العراق.
وشهدت محافظة كربلاء جنوبي العراق، تظاهرة هي الأولى من نوعها، منذ الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، أمام القنصلية الإيرانية بالمحافظة على خلفية اعتقال السلطات الإيرانية للمرجع الديني العراقي حسين الشيرازي.
وفي مارس/آذار أيضاً، أصدرت السلطات العراقية قراراً، بمصادرة أموال الرئيس الراحل صدام حسين، ونحو 4 آلاف من أقاربه وأركان نظامه وضباط الجيش، وقد أثار القرار انتقادات لشموله قيادات وضباطاً لم يكونوا مقرّبين من حسين.
أبريل/نيسان
وجاء شهر أبريل/نيسان، ليكشف عن ملامح التدخل العسكري العراقي في سورية، مع تأكيد المتحدث السابق باسم رئيس الوزراء العراقي سعد الحديثي، أنّ بلاده ستعمل على عدم السماح بدخول مقاتلين من الأراضي السورية "حتى وإن كان بالقوة". وقد نفّذت طائرات عراقية مقاتلة، في 19 أبريل/نيسان، ضربات جوية داخل الأراضي السورية.
وشهد أبريل/نيسان، انطلاق الحملة الدعائية للانتخابات البرلمانية، في جميع مناطق العراق بما فيها محافظات إقليم كردستان، تزامناً مع انسحاب مقاتلي "حزب العمال الكردستاني" من بلدة سنجار التابعة إدارياً إلى محافظة نينوى شمالي العراق.
مايو/أيار
ومع مطلع مايو/أيار، واقتراب موعد الانتخابات البرلمانية، تصاعدت بشكل لافت حدة الخطاب السياسي بين العبادي وتحالفه "النصر" من جهة، وتحالف المليشيات "الفتح" المدعوم من طهران من جهة أخرى.
وبالفعل جرت أول انتخابات برلمانية في العراق بعد هزيمة تنظيم "داعش" الإرهابي، إذ جرى التصويت في 12 مايو/أيار 2018، لتظهر النتائج تقدّم تحالف "سائرون" المدعوم من التيار الصدري برئاسة مقتدى الصدر، يليه تحالف الفتح "الجناح السياسي لمليشيا الحشد الشعبي"، ثم تحالف "النصر" بقيادة العبادي.
وقد شاب نتائجَ الانتخابات، كثيرٌ من الجدل والاتهامات بالتزوير؛ تسبّبت بإلغاء نتائج أكثر من ألف مركز انتخابي، وتجميد عمل مفوضية الانتخابات.
يونيو/حزيران
وفي يونيو/حزيران، قرّر البرلمان انتداب هيئة قضائية تتولّى مهمة العد والفرز اليدوي لنتائج الانتخابات، رافق ذلك حريق أثار كثير من الشبهات، بعد أن التهم عدداً كبيراً من صناديق وأوراق الاقتراع في قاطع الرصافة ببغداد.
تزامناً مع ذلك، جدّد العبادي دعوته لإنهاء وجود المليشيات، في وقت كان يتحرّك فيه زعيم تحالف "الفتح" المدعوم من المليشيات هادي العامري إقليمياً، للحصول على دعم لتولّي رئاسة الوزراء، إلا أنّ مساعيه باءت بالفشل، على خلفية سجله الحافل بانتهاكات حقوق الإنسان.
وقبل نهاية يونيو/حزيران، أُعلن عن تحالف بين العبادي والصدر، ضمّ قوى أخرى وحمل لاحقاً اسم تحالف "الإصلاح"، ودخل في صراعات سياسية حادة من أجل الحصول على منصب رئيس الوزراء، غير أنّ مساعيه لم تتكلّل بالنجاح بسبب اعتراضات المرجعية الدينية في النجف على "الوجوه السابقة"، الأمر الذي حرم العبادي من فرصة تولّي رئاسة الوزراء، أربع سنوات أخرى.
يوليو/تموز
وبعد الانتخابات بنحو شهرين، أي في يوليو/تموز، تجدّدت المخاوف من حدوث خروقات أمنية بعد الهجمات المتكررة لتنظيم "داعش" الإرهابي، على طريق بغداد – كركوك، وقدرة التنظيم على تنفيذ هجمات في مناطق متفرقة من البلاد.
وشهد يوليو/تموز، انطلاق شرارة موجة احتجاجات شعبية مطالبة بالخدمات، ومحاسبة المسؤولين الفاسدين، بدأت في البصرة جنوبي العراق، وامتدت لتشمل محافظات أخرى؛ من بينها العاصمة بغداد.
أغسطس/آب
ومع حلول أغسطس/آب، برز تهديد أمني، تمثّل بموجة اغتيالات طاولت أشخاصاً مشهورين في العراق، بدأت باغتيال خبيرة التجميل العراقية رفيف الياسري، لتستمر بعدها بشكل أسبوعي تقريباً، تزامن ذلك مع إطلاق السفارة العراقية في إيران تحذيرات للعراقيين المسافرين أو المتواجدين هناك، لتوخي الحيطة والحذر، بسبب تزايد حالات الاغتيال والاختطاف.
سبتمبر/أيلول
ومع حلول سبتمبر/أيلول، تصاعدت حدة احتجاجات البصرة، بعد قيام متظاهرين بإحراق القنصلية الإيرانية في المحافظة، مع مقرات حكومية أخرى، تعرّض بعدها ناشطو التظاهرات لحملة اغتيال واعتقال منظمة، تسببت بتراجع مستوى الاحتجاجات في مختلف المناطق.
وتم في الشهر ذاته، انتخاب رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي ونائبيه، لتبدأ بعدها رحلة البحث عن مرشحي رئاستي الجمهورية والوزراء.
أكتوبر/تشرين الأول
وفي أكتوبر/تشرين الأول، صوّت البرلمان العراقي، على مرشح "الاتحاد الوطني الكردستاني" برهم صالح رئيساً للعراق، وبدوره قام الرئيس بتكليف عادل عبد المهدي بتشكيل الحكومة العراقية في غضون شهر واحد.
وطُرح عبد المهدي كمرشح "توافقي" لرئاسة الوزراء بدعم من مرجعية النجف، بهدف إقصاء تحالف "الإصلاح" (يضم العبادي والصدر وزعيم تيار "الحكمة" عمار الحكيم وآخرين) و"البناء" (يضم العامري ورئيس "ائتلاف دولة القانون" نوري المالكي وآخرين) عن تولّي المنصب بشكل مباشر.
وتعهّد عبد المهدي بتقديم تشكيلة حكومية مستقلة، وفتح بوابة إلكترونية لمن يريد أن يترشح لمنصب وزير، واستقبل الآلاف من السير الذاتية للمرشحين.
غير أنّ نيل عبد المهدي الثقة لحكومته مع 14 وزيراً، في 24 أكتوبر/تشرين الأول، كشف عن زيف التصريحات التي تحدّثت عن حكومة تكنوقراط مستقلة، بعد أن جاء عبد المهدي بوجوه حزبية بعضها فشل في مناصب إدارية سابقة، كوزراء في حكومته.
نوفمبر/تشرين الثاني، ديسمبر/كانون الأول
ولم ينجح عبد المهدي، طوال نوفمبر/تشرين الثاني، وحتى النصف الأول من ديسمبر/كانون الأول، في إقناع القوى السياسية بالتوافق على 8 مرشحين متبقين في حكومته، الأمر الذي أنذر بعدم استقلالية قرارات الحكومة، وبقائها رهينة القوى السياسية النافذة.
ويقول أحمد الحمداني الخبير السياسي في الشأن العراقي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "العام 2018 عام تحولات كبرى، فلأول مرة شهدنا على مستوى السباق السياسي كتلاً سنية تتحالف مع شيعية أو بالعكس، وكذلك أكراداً يرشحون أنفسهم في الانتخابات البرلمانية عن بغداد".
ولفت الحمداني إلى أنّ "العام 2018 شهد أيضاً دعوات لمحاربة الفساد وإنهاء المحاصصة الطائفية، فيما صار توزيع المناصب شعاراً معلناً تخشى كتل وأحزاب دينية معارضته".
وعلى المستوى الأمني، أشار الحمداني إلى "انهيار داعش في العراق، وتحوّله من تنظيم إلى عصابات أو بقايا متناثرة بالصحراء العراقية"، معتبراً أنّ "الأهم هو أنّ التنظيم خسر أي فرص لعودته بعد أن بات مرفوضاً هو وكل ما يقرب إليه من قول أو عمل، ومن كل طوائف ومكونات الشارع العراقي"، آملاً أنّ "يحمل العام الجديد ما يمكن البناء عليه من منجزات العام الحالي الذي شارف على الرحيل".