حشد "أطلسي" لإبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي

12 مايو 2016
كاميرون وجونسون معاً في لندن (كيرستي ويغلسوورث/فرانس برس)
+ الخط -

أمام بريطانيا شهر ونيّف، قبل تأكيد بقائها في الاتحاد الأوروبي أو الخروج منه، في ظلّ الضغوط الدولية والمحلية على الناخبين للبقاء في منظومة القارة العجوز سياسياً واقتصادياً. وعلى الرغم من أن الزخم الحكومي الداعم للبقاء في أوروبا قد خفّ بفعل الانتخابات المحلية الأخيرة، إلا أنها استعادت الكثير من رونقها، بفعل التطورات التي تكشف عن تأييد أقوى حزب معارض في البلاد للبقاء في الاتحاد الأوروبي.

إن كان من أمر أثلج صدر رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، بفوز المرشح العمالي، صادق خان بمنصب عمدة لندن، فهو تأييد العمدة الجديد لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. وسيمنح هذا دفعة لجهود كاميرون الذي يواجه ضغوطاً غير مسبوقة من المُؤيدين لخروج بريطانيا من الاتحاد، لا سيما في صفوف حزب "المحافظين"، ومن بينهم المرشح الخاسر لعمادة لندن، زاك غولدسميث. ويبدو أن فوز خان جاء في وقت بات كاميرون يفقد فيه القدرة على إقناع الرأي العام البريطاني لتأييد موقفه الداعم لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، مما دفعه للاستنجاد بحلفائه في الولايات المتحدة والأطلسي، لتحذير الناخبين البريطانيين من "المخاطر الأمنية" لخروج بلادهم من الاتحاد.

وفي ما يشبه الحملة الأطلسية المُنظمة لدعم موقف كاميرون، قبل أسابيع فقط من الاستفتاء المقرر في بريطانيا في 23 يونيو/حزيران المقبل، للبقاء في الاتحاد الأوروبي أم الخروج منه، انضم وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى حملة دعم بقاء بريطانيا في الاتحاد.

وقال كيري في هذا السياق، إن "بقاء بريطانيا في الاتحاد يُعظم دورها على الساحة الدولية، وإن بريطانيا والاتحاد أقوى عندما يعملان معاً". وأضاف في تصريحات صحافية قبل وصوله، يوم الثلاثاء إلى لندن، أن "أوروبا قوية ومتحدة تضم بريطانيا، هي أوروبا أقوى وشريك أقوى".

وفي إشارة إلى التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأميركي، باراك أوباما، خلال زيارته الشهر الماضي إلى بريطانيا، أكد كيري أن "الرئيس أوباما وأنا مقتنعان بأن بريطانيا تملك قوة كبيرة تمكنها من مواصلة دورها القيادي، ونعتقد أن البقاء ضمن الاتحاد يُعظم دور بريطانيا".
وبالتزامن مع تصريحات كيري، حذّر خمسة قادة سابقين للحلف الأطلسي من أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من شأنه أن يضرّ بأمن الغرب ويضعف أوروبا بشكل خطير. وفي رسالة إلى صحيفة "ديلي تلغراف"، اعتبر القادة الخمسة: بيتر كارينغتون، وخافيير سولانا، وجورج روبرتسون، وياب دي هوب شيفر، وأندريس فوغ راسموسن، أن "خروج بريطانيا من الكتلة الأوروبية من شأنه أن يقوّض التحالف العسكري بين ضفتي الأطلسي، ويُقدّم المساعدة لأعداء الغرب، ويؤدي من دون شك إلى فقدان النفوذ البريطاني". وأضاف الموقعون على الرسالة، أنه "في ضوء حجم ونطاق التحديات للأمن والاستقرار التي نواجهها بصورة جماعية، فإن المجموعة الأوروبية الأطلسية، تحتاج إلى مملكة متحدة فاعلة ومنخرطة".

ومع تحرّك قادة الأطلسي السابقين، حذرت مجموعة ضمت وزير خارجية الأميركي في عهد الرئيس الأسبق رونالد ريغان، جورج شولتز، والمدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ليون بانيتا، ووزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت، من خسارة بريطانيا نفوذها إذا خرجت من عضوية الاتحاد الأوروبي، داعين بريطانيا إلى عدم الاعتماد على "علاقاتها الخاصة" بأميركا لتعويض خسارة نفوذها في العالم.

ورأى المتابعون أن "رئيس الوزراء البريطاني فضّل منذ يوم الثلاثاء نقل النقاش حول بقاء أو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلى مستواها الدولي والأمني، بالقول إن بلاده ستكون بأمان ضمن الاتحاد الأوروبي، أما إذا اختارت الخروج منه فإن السلام في أوروبا قد يكون مهدداً".

وقال كاميرون في خطاب ألقاه في المتحف البريطاني في لندن، إنه "في ظلّ الوضع الدولي الحالي الخطير، فإن التعاون ضروري بأوسع شكل ممكن مع جيراننا الأوروبيين"، مشيراً إلى "التحديات التي تواجهها بريطانيا وأوروبا من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وروسيا أو أزمة اللاجئين".

مع العلم أن مُؤيدي حملة "الخروج من الاتحاد الأوروبي"، ينتقدون التدخل الخارجي في شأن الاستفتاء البريطاني، لا سيما من قبل القادة والمسؤولين الأميركيين، داعين إلى ترك القرار لإرادة الناخبين البريطانيين، كما يقول النائب المحافظ، وعمدة لندن السابق بوريس جونسون.

للمنتقدين مآخذ على كاميرون، تحديداً لناحية ترهيبه الناخبين من مخاطر الخروج من الاتحاد الأوروبي، إلى حدّ القول إن "خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد يُؤدي إلى اندلاع حرب عالمية ثالثة". وقد وصفت الكاتبة البريطانية سوزي بونيفيس، خطاب كاميرون "التخويفي" بـ"الجنون". ورأت في مقال لها في صحيفة "ميرور" البريطانية أن "الجدل الدائر حول الاستفتاء أخذ منحنى جديداً نحو الأسوأ بعد تحذيرات كاميرون". واعتبرت أن "رئيس الوزراء قصد من وراء ذلك الترهيب دفع الناخبين معه للتصويت لصالح بقاء بريطانيا بالاتحاد الأوروبي بدلاً من العيش في أجواء حقبة الأربعينيات من القرن الماضي مرة أخرى".

ورغم المعارضة القوية التي يواجهها كاميرون، داخل حزبه "المحافظين"، من بوريس جونسون، والصديق الشخصي لكاميرون وزير العدل، مايكل غوف، ووزير العمل المُستقيل، ايان دنكان سميث، فإن زعيم حزب "العمال" البريطاني، جيريمي كوربين، انضم يوم الثلاثاء، بشكل رسمي، إلى جانب حملة البقاء في الاتحاد الأوروبي.

في هذا الإطار، أعلن كوربين عن انطلاق حملة الحزب تحت شعار "في الاتحاد من أجل بريطانيا"، مشيراً إلى أن "الحملة تهدف إلى البقاء في الاتحاد لحماية حقوق العمال والدفاع عن البيئة في جميع أنحاء أوروبا". من جهته، أعلن زعيم حزب "الديمقراطيين الأحرار"، تيم فارون، دعمه لاستمرار ‏عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.‏ يُذكر أن استطلاعاً للرأي أجرته مؤسسة "ايبسوس موري"، يوم الأربعاء، كشف أن "الهجرة هي القضية الأساسية في التأثير على قرار 55 في المائة من الناخبين في الاستفتاء المقبل. كما قال 57 في المائة من الناخبين إن الاقتصاد يحتل الأولوية، بالنسبة لقرارهم في التصويت".