في أربعينيات القرن الماضي، تقاسم المعماريان المصريان حسن فتحي (1900 – 1989) ورمسيس ويصا واصف (1911 -1974) التساؤلات ذاتها حول ضرورة إيجاد عمران يعبّر عن الشخصية المصرية بطبقاتها التاريخية المتراكمة، في مواجهة محاولات التغريب المتواصلة التي ساهمت في فصل الإنسان عن واقعه وتشوّه محيطه جمالياً.
التقيا على الصداقة والهواجس ذاتها وافترقا في رؤاهما المختلفة نحو التراث وتوظيفه، وها هما يجتمعان اليوم مجدداً في معرض مشترك أعلن عنه "صندوق التنمية الثقافية" منذ أيام في "بيت لبيب" الكائن بمنطقة القلعة في القاهرة، والذي سكنه فتحي أواخر أيامه، وأصبح منذ سنوات متحفاً دائماً يضمّ أعماله ومقتنياته، حيث أضيف إلى هذه المجموعة عدد من تخطيطات ويصا.
تقوم رؤية ويصا على استلهام مفردات تراثية مركزاً بشكل كبير على استدامة عمارة تمتلك وظائف مريحة وعملية، وقد تأثّر في معظم مشاريعه بالعمارتين القبطية والإسلامية التي تمتزج بمؤثرات فرعونية، وتبنّيه أسلوباً مغايراً عما هو معروف مصرياً في توزيع الغرف والقاعات، ضمن حسابات تبتغي الاقتصاد بالتكلفة وتوفير أفضل الخيارات دون التخلّي عن جماليات التصميم.
يُعرض نموذجه الأولي لتصميمه كنيسة القديس مارجرجس بهليوبوليس في مصر الجديدة، وهي مصمّمة علي شكل سفينة من الخارج وصليب من الداخل، كما جمع في رسومات الكنيسة بين الفنون البيزنطية والمصرية والقوطية والبازلكية، وتمّ بناؤها عام 1954 على مساحة 4000 متر مربع تقريباً.
كما يضمّ المعرض تصميم ويصا لمتحف الفنان محمود مختار والذي افتتح عام 1952، وفيه سعى إلى محاكاة تجربة الفنان المصري (1891 – 1934) عبر البحث عن مفردات البناء في المعابد المصرية، بينما ذهب في أعمال أخرى إلى نمط البناء الشعبي المتميز بالقبب والأقبية من قوالب الطين المجفف باستخدام الأساليب القديمة التي تحترم البيئة، ما يعكس تنظيراته.
أما تصاميم فتحي فتتنوّع في شكلها ووظائفها، وأهمها مشروع قرية القرنة الجديدة عام 1946 الذي ضمّ تسعمئة منزل من الطين، إلى جانب ثلاث مدارس ومركز طبي ومسجد، في مراعاة للعوامل البيئية وتقلّب المناخ في التصميم، ومن أبرزها التحكّم بدرجة حرارة البيت عبر ضبط اتجاهه وموقعه بالنسبة لحركة الشمس والرياح، وتحديد مواقع الفتحات وارتفاعاتها، والتي أشار إليها في كتابه "عمارة الفقراء" الذي يحضر هو بنسخه الأولى في المتحف.
تُعرض أيضاً نماذج من الفيلات التي بدأ تصميمها منذ مطلع ثلاثينيات القرن الماضي، واستخدم فيها عناصر من العمارة المحلية التي لم يكن مألوفاً توظيفها في العمارة المصرية، حيث احتوت كلّ واحدة منها فناء مركزياً والذي يعد العنصر الأبرز في تفكيك العمارة الغربية ونقضها، بالإضافة إلى المشربيات والبوابات التقليدية، والفصل بين المساحات العامة والخاصة.