حسام حسني يكتب من زنزانته: أرطغرل... "الجمهور عاوز كده"
مقولة تقال لتبرير الأفلام الضارة مثل أفلام السبكي وما هو على شاكلتها من أفلام وأعمال درامية عديمة المحتوى والمعنى والقيمة، بالإضافة إلى أنها تقوم بغرس بعض القيم الفاسدة في المجتمع، حيث أن الدراما هي التعبير الفني عن أفعال الإنسان ومواقفه على اختلافها وتنوعها، أي هي التعبير عن الحياة بتفاعلاتها ومشكلاتها وأفراحها وأتراحها.
في كثير من الأحيان ينظر البعض إلى الفن بشكل عام وإلى الدراما بشكل خاص باعتبارها وسيلة للترفيه لا أكثر، في حين أن هناك دراسات نفسية تؤكد تخطي الدور الذي تقوم به الدراما إلى أبعد من ذلك.
الإنتاج السينمائي والدرامي الأميركي يقوم على رؤية يريد أن يغرسها في المجتمع بشكل خاص ورسائل يريد أن يوصلها للمجتمع العالمي بشكل عام. على سبيل المثال، فيلم "رامبو" يصور بطلاً أميركياً يخوض المعارك بقوة وإثارة أسطورية في مواقف المدافع والمساند للمجاهدين المسلمين في أفغانستان لأن الصراع بين أميركا وروسيا، وهذا هو الاستغلال السياسي للدراما والفن.
ويمثل الإنتاج الدرامي قطاعا هاما من الإنتاج الإعلامي الذي يهتم به العديد من فئات المجتمع، وفي مقدمتهم الجمهور النسائي لما يقوم به من دور فاعل في تربية النشء والجمهور الشبابي الذي هو عماد الأمة وصانع قرارها. لذلك تعددت الدوافع الدرامية من حيث الترفيه والتعليم واكتساب المعرفة والتفاعل مع الآخرين، وفهم قضايا اجتماعية والتعرف على أنماط شخصية اجتماعية جديدة.
ومن الظواهر الجديدة التي أثرت في الشباب العربي والإسلامي كثرة المعروض من أعمال الدراما الأجنبية، التي أدت إلى قبول القيم الأجنبية كبديل عن قيمنا.
كما أثرت الدراما التركية الضارة في مجتمعنا، فترى على سبيل المثال أن الدراما التركية بها مسلسل مثل "حريم السلطان" يتحدث عن القائد والسلطان العظيم "سليمان القانوني". ولكن يصوره على أنه ضعيف الشخصية وشهواني وزير نساء، ومن ثم تم التصوير بشكل بعيد عن أنه قائد مسلم وبعيد عن الحقيقة التاريخية.
أما على النقيض.. فإنه في نفس الدراما ترى مسلسلاً مثل "قيامة أرطغرل" مسلسلاً قيماً من حيث محاكاة التاريخ والسمت الإسلامي. ولكن نرى أن رد فعل السلطة السياسية المتمثلة في الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، تجاه العملين "حريم السلطان" و"قيامة أرطغرل"، تمثلت في النقد الشديد إلى العمل الأول، من حيث أنه لا يمثل التاريخ الصحيح، فيما أشادت ودعمت العمل الثاني لأنه قريب من التاريخ الصحيح والقيم الإسلامية السليمة. وهذه هي إرادة السلطة السياسية فى إنتاج عمل درامي قيم يخدم أهدافها مع توفير الدعم المادي والمعنوي.
أريد أن أقول إنه ليس بالضرورة أن يكون هناك مخرجون وممثلون "ملتزمون"، ولكن من يتحكم في العمل هو إرادة إنتاج عمل جيد وقيم، حيث أن أغلب ممثلي مسلسل "قيامة أرطغرل" هم في الحقيقة غير ملتزمين دينيا، ومن الممكن أن يكونوا غير مسلمين، ولكن وجود إرادة ورؤية في توظيف العمل الدرامي في الاتجاه القيمي مع تواجد الدعم المادي، أدى إلى توظيف هؤلاء الممثلين في عمل أكثر من رائع.
"الجمهور عاوز كده" مقولة تقال لتبرير أفلام السبكي وكل الأفلام التي في هذا الإطار، وتقدم قيماً سطحية وقيماً فاسدة. وهذه الجملة ليست في محلها، حيث نسبة متابعة الحلقة السابقة من "أرطغرل" تجاوزت "10 ملايين" في مشاهدة أولية مباشرة، وهو أعلى بكثير من كل المسلسلات التركية التي تذاع في نفس التوقيت، وذلك لأن الجمهور رأى الجودة مع القيمة، بالإضافة إلى التراث التاريخي الإسلامي في هذا العمل.
إن التاريخ الإسلامي مليء بكثير من السيناريوهات التي تصلح للإنتاج الدرامي.. (شخصيات وقيم وحروب واجتماعيات ورومانسيات ..إلخ) التي تساعد على تنشئة جيل يعتز بقياداته وأصله الإسلامي وتاريخه، كما في الدراما الأجنبية من شخصيات خيالية مثل (سوبرمان وسبايدرمان ..إلخ) التي يقوم الأطفال بتقليدها والاقتداء بها.
أما نحن فتاريخنا مليء بالشخصيات الحقيقية التي نقتدي بها. ومما سبق يتضح لنا أن الجمهور يتابع الأعمال القيمة عندما تتوافر بالجودة والإتقان والتميز. لذلك المعيار الأساسي هو وجود إرادة ورؤية فاعلة لإنتاج عمل درامي قيم.