باتت المخاوف من هيمنة السلطة بالجزائر على مجال الحريات السياسية والعامة وحرية الرأي والتعبير، الهاجس الأكبر الذي يسيطر على الهيئات الحقوقية والناشطين، خاصة بعدما عمدت الحكومة إلى إصدار حزمة من القوانين المرتبطة بهذا المجال، والتي تجرم بعض التعبيرات السياسية والآراء، وتصنفها ضمن أبواب فضفاضة، كـ"أمن الدولة والنظام العام والوحدة الوطنية" وغيرها، اعتبر حقوقيون أنها تدابير تستهدف التضييق والحد من انتقاد السلطة.
وطرحت الحكومة، أمس الثلاثاء، حزمة قوانين لتجريم ما تصفها "بالأفعال الماسة بأمن الدولة وبالوحدة الوطنية"، و"الأفعال التي من شأنها المساس بالنظام العام والأمن العموميين"، إضافة إلى "تجريم أفعال نشر أو ترويج أنباء كاذبة للمساس بالنظام والأمن العموميين، على وسائل الإعلام والتكنولوجيا".
وبحسب وزير العدل بلقاسم زغماتي، الذي تحدث أمس خلال عرض هذه الحزمة من القوانين أمام لجنة الشؤون القانونية والإدارية والحريات، فإن "بعض التصرفات التي برزت في السنوات الأخيرة، أخذت شكل انحرافات تهدد اللحمة الاجتماعية".
وعبرت عدة فعاليات نشطة في مجال الحريات عن قلقها من هذه التدابير التي ستزيد بحسبها تضييق هامش الحريات في البلاد. وأكد الناشط الحقوقي والمحامي عبد الغني بادي، عدم ارتياحه لتوقيت وملابسات طرح هذه الحزمة من التعديلات، وقال لـ"العربي الجديد": "لست متأكداً مما إذا كان هذا المشروع قد جاء فعلا لحماية الأمن والنظام العام والوحدة الوطنية"، مضيفاً أن "طرح هذه الحزمة من القوانين من حيث التوقيت لافت للنظر، فمن المفروض ما دام أن هناك مسودة دستور جديدة، أن يتم إقرار الدستور وبعدها يتم تعديل القوانين وليس العكس".
وأبدى بادي تخوفه من إمكانية وجود نوايا للسلطة لاستخدام هذه القوانين الرادعة ضد المعارضين والمخالفين لتوجهات السلطة في الفترة المقبلة التي ستتميز بنقاش حول تعديل الدستور.
وحذر بادي مما يعتبرها "مفاهيم وكلمات فضفاضة، كالوحدة الوطنية والمساس بالأمن العام والنظام العام، وهي مفاهيم يمكن إسقاطها على كل سلوك معارض أو مخالف للسلطة".
وتابع قائلا "لدينا تجارب مع السلطة في استخدام هذه الكلمات والتهم الفضفاضة وغير المحددة ضد المعارضين والناشطين، هناك العديد من الناشطين في الحراك الشعبي في السجون، أو ملاحقون قضائيا بتهمة المساس بالوحدة الوطنية، كما أنه يمكن للشرطة أن تقدر أن أي شخص يرفع لافتة مطلبية يهدد الأمن والنظام العام والوحدة الوطنية".
وأضاف "بحسب القانون، إذا رفع أحد الناشطين لافتة يقول فيها إن البرلمان غير شرعي، باعتبار أنه برلمان مزور، فإنه يهدد استقرار مؤسسات الدولة".
وأوضح المحامي أن السلطة تعيد استنساخ التجارب نفسها، مستحضراً "حالة التوظيف السياسي للنصوص القانونية في غياب ضبط واضح للمفاهيم والتهم. في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة مثلا، كان القضاء يعتبر أن المطالبة برحيله مساس بالمصالح الأساسية للدولة، وأن استمراره في الحكم هو مصلحة الدولة، إذن من كان على صواب القضاء أم الشعب؟".
من جهته، قال عضو الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان، أحمد منصري، إن بعض التدابير التي تضمنتها حزمة القوانين الجديدة موجهة أساساً لـ"تكميم الأفواه بقوانين جديدة ومخالفة للالتزامات التي وقعتها الجزائر دوليا"، مشيراً إلى أن "المادة القانونية التي توبع بها جل الناشطين في الحراك الشعبي والمتعلقة بالمساس بالوحدة الوطنية، دليل على ذلك وعلى التوظيف السياسي للقانون من قبل السلطة".
ولفت منصري إلى أن أخطر ما في القوانين الجديدة منح السلطة التقديرية للأجهزة الأمنية "التي يمكن لها أن تضع أي مواطن تحت طائلة هذا القانون تحت أي ظرف وفي أي مكان وفي أي وقت"، لافتا إلى أن السلطة اختارت توقيتا يركز فيه الناس على أزمة كورونا، لتمرير هذه "التدابير التي سيكون لها وقع كبير على الحريات في البلاد مستقبلا".
لكن الحكومة استبقت ردود فعل الهيئات والحقوقيين، وأطلقت حملة لتوضيح الموقف وإقناع الرأي العام المحلي والدولي بصدقية هذه الحزمة من التدابير القانونية الرادعة، والفصل بينها وبين حرية الرأي والتعبير، والتقليل من المخاوف بشأن التداخل بين هذه القوانين والحريات الإعلامية وحرية الرأي. وقامت الحكومة للمرة الأولى بدفع عدد من وكلاء الجمهورية والنواب العامين في القضاء إلى الخروج عبر القنوات الإذاعية والتلفزيون للدفاع عن وجهة نظر الحكومة.
ونفى نائب وكيل الجمهورية المساعد بمحكمة الدار البيضاء في العاصمة الجزائرية، بلال شويب، للإذاعة الجزائرية أن يكون الهدف من هذه القوانين الحد من حرية التعبير، مشيراً إلى أنه يؤسس لمفهوم الرقابة والمساءلة بحيث يصبح "الكل مسؤولا عما يقوم به ونشره بوسائط التواصل الاجتماعي، وهذا القانون جاء ليسد فراغاً قانونياً قصد تعزيز الردود الإجرائية لمجابهة هذه الممارسات التي لم تكن معروفة في الماضي".
كما قلل النائب العام لدى مجلس قضاء الجزائر العاصمة، مراد سيد أحمد، في حديث للإذاعة نفسها، من المخاوف بشأن مساهمة بعض التدابير القانونية الجديدة في "قمع الأشخاص الناقدين للسلطة" وحرية التعبير.