سُرّبت، مساء الأربعاء في 30 يوليو/ تموز المنصرم، ورقة عمل أعدّها حزب "فنستري" (أي اليسار) الدنماركي، وهو حزب يميني متشدّد، حصل "العربي الجديد" على نسخة منها. ومن المقرّر أن تطرح ورقة العمل هذه، التي تتألّف من 26 صفحة، خلال مجموعة العمل في الثامن من أغسطس/ آب الجاري، ليتمّ تبنيها في برنامج الانتخابات النيابيّة المقبلة.
وفي اتصال مع مكتب الحزب في البرلمان، بدا الارتباك سيّد الموقف، وقد تمّ التنكّر بداية لهذه الورقة. من ثم أحالنا المكتب إلى مقرّرة الشؤون السياسيّة، إنغر ستويبرغ، التي كانت قد أثارت جدالاً واسعاً حول تصريحات سابقة لها. لكنها اعتذرت عن الحديث إلينا بحجّة "الانشغال باجتماع طارئ".
وتحمل الورقة المسرّبة، المثيرة للجدال، عنواناً جذاباً: "الدنمارك مفتوحة أمام هؤلاء القادرين والراغبين". أما في المحتوى، فيقول حزب "اليسار" إن "المعاهدات والمواثيق الدوليّة (المتعلقة بالهجرة وحقوق الأقليات) ليست سوى تسويات سياسيّة يمكن مواجهتها وتغييرها أو الانسحاب منها في حالات خاصة إذا لم يعد منها فائدة ولا نتيجة مرجوّة".
ويذهب الحزب إلى تقييد حقّ الجنسيّة لمَن "يشكل تهديداً للأمن الوطني، مع تصاعد التهديدات الإرهابيّة ضد الدنمارك". وتشدّد الفقرة ذات الصلة، على إمكانيّة إبعاد أي شخص عن الدنمارك "حتى لو كانت عائلته تقيم هنا أو كان هو قد أسّس بنفسه عائلة هنا".
وتبدو ورقة العمل تلك وكأنها تقدّم تسهيلات للأجانب الراغبين بالعيش في الدنمارك. لكن عند التدقيق بالمقصودين بذلك، نجد أنهم "هؤلاء الوافدون من بلدان تحمل ارتباطاً ثقافياً بالدنمارك".
"الخلفيّة الثقافيّة والعرقيّة"
وكانت ستويبرغ، وهي وزيرة العمل السابقة في حكومة المحافظين، قد تقدّمت قبل يومَين بمقترحات مثيرة للجدال، إذ طالبت بـ"التعامل المتشدّد، بخاصة مع المهاجرين من خلفيات مسلمة". وقد وقعت في مطبّ المقارنة ما بين "المسيحي ـ الأميركي الأقرب إلينا من الصومالي والباكستاني"، ما أثار غضباً في المجتمع الدنماركي.
وحاول "العربي الجديد" الاطلاع على آراء بعض الناشطين والسياسيّين الدنماركيّين، فأكد معظم مَن التقيناهم على أن "الأمر يعدّ محاولة انتخابيّة لجذب أصوات اليمين المتطرّف الذاهبة إلى حزب الشعب الدنماركي" و"محاولة لتبنّي تلك الأفكار المتشدّدة التي تخرق الدستور الدنماركي".
ومن خلال تسريب هذه الورقة، ينكشف أن ما جرى طرحه لم يكن سوى "جسّ نبض"، بحسب ما قاله، لـ"العربي الجديد"، مصدر من داخل شبيبة حزب "اليسار" الذي رأى أن "هذه سياسة غير ليبراليّة. وأي تمييز ضدّ المسلمين يعني التخلي عن المبادئ الليبراليّة".
وفي نقد لاذع لتصريحات مقرّرة الشؤون السياسيّة، ستويبرغ، ذهبت السياسيّة البارزة والوزيرة السابقة من الحزب نفسه، بيرت رون هورنبيك، إلى القول: "هي (ستويبرغ) تكشف عن جهل بالصوماليّين. فبعض الدنماركيّين الصوماليّين لديهم اطلاع دولي وتابعوا دراسات عليا ويتكلمون لغات مختلفة أكثر ممّا تفعل إنغر ستويبرغ".
من جهته، ذهب وزير الخارجيّة الأسبق، أوفي إلمان ينسن، في الاتجاه الناقد لمقترحات ستويبرغ ذاته، بالقول لصحيفة "بيرلينغسكيه"، إنه و"من دون أدنى شكّ، لا يمكن معاملة البشر بقوانين مختلفة".
وأثار موقف ستويبرغ والورقة المسرّبة، مساء الأربعاء الماضي، سخرية وغضب شباب عرب ومسلمين، خصوصاً في ما يتعلق بالتمييز الذي يعطي "حق الإقامة في الدنمارك للآتي من بلد متقدّم ويكون دخله السنوي 200 ألف كرونة"، بينما المطلوب من "الآتي من بلد نام أن يكون لديه عمل ودخل يساوي 400 ألف كرونة"، أي ضعفَي رواتب "الوافدين من الأرجنتين وإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية وكندا وغيرها من الذين يجب أن نخفّف من شروط الإقامة لهم"، وذلك بحسب ما تضمّنته الورقة المسرّبة، كبرنامج انتخابي وكمشروع قانون نيابي في حال تشكيل الحكومة المقبلة.
وفي فقرة أخرى، تنصّ الورقة على "ضرورة أن ننظر إلى لائحة الأمم المتحدة التي تضمّ دولاً متقدّمة لنخفّف من شروط هجرة مواطنيها إلى الدنمارك".
وأتت شروط "لمّ الشمل" في الورقة "تعجيزيّة"، بحسب ما يرى الشاب يوسف إبراهيم، فهو ينطبق عليه قانون "24 سنة" الذي يمنع لمّ شمل الأزواج دون هذا السن. ويصبح الأمر أكثر تعقيداً بحسب ما تنصّ عليه مقترحات الحزب التي تقول بأنه "على الزوج أو الزوجة الآتيَين بإقامة لمّ شمل أن ينجحا في نظام النقاط لإثبات قدرتهما على الاندماج، وذلك من خلال تعلّم اللغة خلال ستّة أشهر، ومبادئ الديمقراطيّة أيضاً". لكن هذه الشروط ليست مطلوبة من "الجنسيات القادرة على التكيّف مع حياة الدنمارك".
من جهته، يقول الطالب الجامعي أحمد (23 سنة)، لـ"العربي الجديد": "لو كان الأمر المتعلق بفقرة الاندماج التي تطالب بالمشاركة في المؤسسات الديمقراطيّة واحترام حرية الرأي والتعبير والمعتقد، بحسب ما جاء في الورقة، سيطبّق على الجميع، فإنني لا أرى مشكلة فيه، لكن أن تحدّد بطريقة تمييزيّة فئة معروفة مَن هي، فهذا أمر غير مقبول".
وتتّفق عبير (22 سنة)، مع أحمد، وتضيف: "نحن ولدنا في هذه البلاد. واستهدافنا بهذه الطريقة لأننا مسلمون، أمر محبط حقاً". وتسأل: "كيف يمكن الادعاء باحترام المواطَنة وفي الوقت ذاته يجري تعريف الناس بناءً على المعتقد والثقافة؟ أنا أطالب جميع الشباب والشابات بممارسة حقهم الديمقراطي والتصويت بكثافة للأحزاب اليساريّة لحرمان اليمين المتطرّف من الفوز نتيجة تشتّت أصواتنا".
تقوية معسكر اليمين
وبحسب عدد كبير من الشباب العرب الناشطين سياسياً في الأحزاب الدنماركيّة، فإن هذه الورقة وما سبقها قبل أيام من طرح للوزيرة السابقة ستويبرغ، لا يخرجان عن إطار المحاولة لتعزيز معسكر اليمين المتطرّف، وخصوصاً أن حزب الشعب الدنماركي أصبح أكبر الأحزاب اليوم. ويقول عدنان إن "المسألة ليست فقط انتخابيّة بل هي قضيّة قناعات يمينيّة تحاول ترتيب أرضيّة لحكومة تشبه حكومات اليمين المتطرّف في أوروبا، بعدما شعرت أحزابها بانتصار في الانتخابات الأوروبيّة السابقة. وهذا تحدّ يجب أن يواجهه الشباب العرب بالتنسيق مع الأحزاب التي يرون أنها تحافظ على مبادئ يؤمنون بها".