حزب المرزوقي: استعادة شعارات الثورة بثنائية الديمقراطية والعدالة الاجتماعية

22 ديسمبر 2015
دعا المرزوقي الائتلاف الحاكم للعودة لطاولة الحوار(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
سعى الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي، عبر إطلاق حزبه الجديد "حراك تونس الإرادة"، أول من أمس الأحد، بعد نحو عام من خروجه من رئاسة تونس، إلى استعادة شعارات الثورة، واستدراك الأخطاء التي وقع فيها سابقاً، مهاجماً الحكومة الحالية "لفشلها".

وجاء إعلان الحزب نتيجة مسارين سياسيين، بدأ الأول مع حزب "المؤتمر من أجل الجمهورية" الذي أسسه المرزوقي نفسه، وتواصل به مع التونسيين بعد الثورة، وشهد مراحل مختلفة أدى بعضها إلى خروج مجموعة من القيادات وتأسيس أحزاب جديدة. أما المسار الثاني، فهو مسار "حراك شعب المواطنين"، الذي كان جسماً سياسياً، تشكّل تلقائياً خلال الانتخابات الرئاسية الماضية، وجمع حوله أنصاراً من تيارات سياسية مختلفة، حاول المرزوقي المحافظة على زخمه، وقضى قرابة العام في البحث عن هيكل يجمعه، محاولاً عدم السقوط في مفهوم الأحزاب التقليدية، باعتبار صعوبة جمع كل مسانديه من تيارات فكرية مختلفة في جسم واحد.

غير أن العمل السياسي وقرب الاستحقاقات التونسية، فرضا نهاية البحث والتردد، وأديا إلى ولادة حزب سياسي، جمَع عبر هيئته التأسيسية شخصيات من مسارات فكرية مختلفة، دمجت حزب "المؤتمر" فيها، ولكنها ستوجد في المقبل من عمر هذا الحزب أسئلة حول مدى تجانسها واجتماعها حول المشروع الذي أعلن المرزوقي عن تفاصيله مساء الأحد الماضي.

ويقوم هذا المشروع الجديد للمرزوقي على ثلاثة اتجاهات، تقييم للوضع التونسي الراهن في كل مساراته، وتقييم لفترة حكمه وأخطائها، وطرح عناوين كبرى للبدائل التي يطرحها.

واعتبر المرزوقي أن "الحقيقة المرّة أننا نمشي في طريق مسدود لا يبشّر بأي مستقبل لمليوني تونسي يعيشون تحت خط الفقر، وللطبقة الوسطى التي تتآكل قدرتها الشرائية، للعاطلين عن العمل، للشباب، للنساء العاملات في الحقول والمصانع، للمربين، للمثقفين، لأغلبية شعبنا المثقل بالهموم"، مشيراً إلى أن "هذه الخيبات شكّلت صدمات نفسية هزّت من جديد ثقة الناس في بعضهم بعضاً، وفي ثورتهم وفي دولتهم ونخبهم".

ورأى المرزوقي أن "هذه الصورة مشوهة ومغلوطة عن الثورة، وهذا التقييم خاطئ دُفع إليه للتقليل من كل ما قامت به الثورة ورجالاتها"، مشيراً إلى "إنجازات التونسيين الهامة، الدستور والحوار والديمقراطية ونبذ العنف".

ولفت المرزوقي إلى ما اعتبره "فشل الحكومة الحالية في تحريك الواقع التونسي، وخصوصاً الملفات التي تشغل بال كل التونسيين وتحديداً الملف الاقتصادي، وتراجع نسبة النمو إلى ما يناهز الصفر، في حين فاقت في المرحلة التي ترأس فيها الدولة 3 في المائة، ونسبة الدين العام التي فاقت الحد الأقصى المحتمل"، والأخطر بحسب رأيه، "محاولة إيهام الرأي العام أن المصالحة مع المفسدين ضرورة لعودة الآلة الاقتصادية لنشاطها". واتهم المرزوقي الحكومة الحالية بغياب الكفاءة وبالكذب في إطلاق وعود خلال الانتخابات لم يتحقق منها شيئ.

يبدو هذا التقييم، للمرزوقي، دافعاً للإعلان عن مشروعه الجديد، للإشارة أولاً إلى أنه هُزم في الانتخابات الرئاسية الأخيرة بسبب ما يسميه وعوداً زائفة، والأهم أخْذُ موقع من خلال نقد هذه التجربة بعد أن اكتفى بالمراقبة وعدم التشويش عليها لمدة عام كما يقول. ورد عليه مسؤولون من حزب "نداء تونس"، أمس الاثنين، إن هذا غير صحيح، إذ ساند المرزوقي حملة "وينو البترول".

غير أن توقيت الإعلان عن هذا المشروع تزامن مع مجموعة من العوامل الهامة، أولها الذكرى الخامسة للثورة، وسط انتقادات عامة بعدم تحسن الأوضاع الاجتماعية، والثانية الأزمة الكبيرة التي تعصف بحزب الأغلبية "نداء تونس".

اقرأ أيضاً: 22 من نواب "نداء تونس" يقدّمون استقالاتهم

وسعى المرزوقي لتقديم خطاب يستبطن محاولة إعادة الأمل إلى الناس، ولطرح "مشروعه الثقافي والأخلاقي" عبر توجيه الدعوة إلى "المربين والإعلاميين والمثقفين، لنؤسس معاً لهذا المشروع العظيم". ويدرك المحيطون بالمرزوقي أن العلاقة مع جزء من هذا الطيف لم تكن جيدة خلال فترة حكمه، وشابتها كثير من الاتهامات المتبادلة، ولذلك عمد المرزوقي للتصريح بأخطائه، والاعتذار للشعب عن كل تقصير.

واعتبر المرزوقي أن على رأس هذا التقصير "عدم الحسم في قضايا الفساد والتنمية ومطالب الشباب وعدم الاستماع لصرخة رجال الأعمال النزهاء، وعدم إعطاء الثقافة دورها المحوري وفشل الطبقة السياسية في الفوز بثقة واحترام الشعب". وأضاف: "تعلمنا من كل هذه الأخطاء وهي التي نبني عليها اليوم نهجنا الجديد في العمل السياسي".

وقدّم المرزوقي جملة من الأفكار، عبر طرح مبادرات وأسئلة جديدة، من بينها دعوة الائتلاف الحاكم لـ"العودة إلى طاولة الحوار لبلورة إجماع وطني حقيقي، واستراتيجية متفق عليها في قضيتين محورتين لسلامة الدولة والمجتمع: الإرهاب والفساد، واتفاق استراتيجي ثالث يتعلق بتفعيل العدالة الانتقالية والتسريع بها، باعتبارها الأداة الأساسية لتحقيق مصالحة وطنية غير مغشوشة، وهو ما سيعطي الاستقرار الحقيقي الذي سيعيد الاستثمار ويبشر بالازدهار".

وفيما يتعلق بالقضية الأبرز في تونس، الإرهاب، تساءل المرزوقي، "لماذا أصبحنا نحن بلد الاعتدال والتوافق والمجتمع المدني القوي، أول بلد في تصدير الشباب إلى ساحات القتال خارج حدودنا؟ لماذا نجد، من بين هؤلاء المغرّر بهم، شباباً لا ينتمون للأحياء أو الجهات الفقيرة؟"، داعياً إلى "الكف عن المسارعة بالأجوبة السطحية والحلول السهلة، والنفاذ لعمق إشكالية ضخمة تبين عمق فشل منظومتنا السياسية والاقتصادية والتربوية والدينية".

وبالتوازي طرح المرزوقي مبادرة أخرى في اتجاه المعارضة عبر "إنشاء تنسيقية تحافظ على شخصية كل إطار وتوحّد الجهود لنسرع في حلّ المشاكل التي يتخبط فيها الشعب، لنكون نحن الطبقة السياسية جزءاً من الحلّ لا مشكلة إضافية"، مؤكداً أنه لا يدّعي أن مشروعه هو البديل عن كل المشاريع.

ويتضح من كلام المرزوقي، أن حزبه الجديد يستعيد بعض شعارات الثورة، التي كان قد تبنّاها بقوة خلال حملته الرئاسية ومنحته أكثر من 40 في المائة من الأصوات، خصوصاً في ظل هذه الظروف التي تعيد طرح الأسئلة نفسها، وأهمها ملف العدالة الانتقالية. وحوله أكد أنه كان ولا يزال مع "تسوية تاريخية تنهي ماضي التباغض بين التونسيين وتفتح صفحة جديدة في علاقتهم ببعضهم بعضاً"، مشدداً على أن "الحل كان ولا يزال العدالة الانتقالية"، مع اعتباره أن "مفهوم الائتلاف الحاكم للمصالحة يبدو مختلفاً، وسيخلق شرخاً عميقاً بين التونسيين، لأن الأغلبية ترفض التطبيع مع الفساد".

وستكون الانتخابات المحلية، نهاية العام المقبل، أولى اختبارات شعبية الحزب الجديد، ومعرفة إذا ما كانت الشعارات التي طرحها المرزوقي تحظى باهتمام التونسيين، وإذا ما حافظ المرزوقي على زخمه الشعبي المذكور، في حال قرر المشاركة في هذا الاستحقاق.

اقرأ أيضاً: انقسام "نداء تونس" رسمياً: سيناريوهات الأيام الآتية

المساهمون