حزب الله و"المستقبل" في لبنان: "اتفاق قاهرة" محدَّثاً؟

22 ابريل 2014
صفا الثالث من جهة اليسار خلال الاجتماع (دالاتي ونهرا)
+ الخط -

انتشرت الصورة التي تُظهر مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في حزب الله وفيق صفا، مشاركاً في اجتماع أمني في وزارة الداخليّة اللبنانية كالنار في الهشيم على وسائل التواصل الاجتماعي. جلس صفا إلى جانب رؤساء الأجهزة الأمنيّة في اجتماع يرأسه وزير الداخليّة نهاد المشنوق. رفض جزء كبير من جمهور تيّار المستقبل هذا المشهد، ووصل الأمر بالبعض إلى المطالبة باستقالة المشنوق، وردد الكثيرون: "جلس صفا على كرسي الشهيد (اللواء وسام)الحسن" (الرئيس الراحل لشعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللبناني).

منذ انطلاق الثورة السوريّة، سعى فريق 8 آذار، في لبنان، إلى حسم المعركة لصالحه، حتى لا يكون "خاصرةً رخوة" لسوريا كما يقول. تم فرط عقد حكومة الرئيس سعد الحريري، ليتولّى نجيب ميقاتي السلطة التنفيذية، ولتعتمد حكومته سياسة النأي بالنفس عن الأحداث السورية. نظرياً هي سياسة مطلوبة بالنسبة لكثر، انطلاقاً من أن لبنان لا يستطيع أن يكون مؤثراً في الداخل السوري. لكن عملياً، كانت سياسة فاشلة، إذ لم تمنع حزب الله من القتال إلى جانب النظام، ولا منعت بعض الإسلاميين من دعم مقاتلي المعارضة ببعض السلاح والمقاتلين. والأهم، أدت هذه السياسة إلى "النأي بالنفس" عن ملف اللاجئين السوريين إلى لبنان الذين تجاوز عددهم المليون لاجئ، في ظلّ غياب أي خطة للتعاطي مع هذا الملف.

بقيت الأمور على حالها، حتى بدأت التفجيرات الانتحاريّة في لبنان. هنا شعر فريق 8 آذار، بأن هناك ضرورة لعودة "الحريريّة" إلى السلطة لمحاربة ظاهرة المتشددين. فبعدما رفض فريق 8 آذار مراراً، المقولة التي يروج لها الفريق الآخر، بأن البديل عن تيار المستقبل هو المتشددون، عاد ليقبل بها تحت وقع التفجيرات.

في المقابل، فشل تيّار المستقبل في أن يقود معارضة جديّة. التنظيم الحزبي غير مبني ليؤدي هذا الدور. أبرز مصدر قوّة له، هو وجوده في السلطة وتقديم الخدمات، في نموذج أقرب إلى الزبائنية السياسية التي تحكم علاقة القوى السياسيّة في لبنان مع جمهورها. احتاج تيار المستقبل للعودة إلى السلطة، وخصوصاً أن البلاد مقبلة على انتخابات نيابيّة، وهو يُدرك تماماً أن التمويل الذي حصل عليه عامَي 2005 و2009 لماكينته الانتخابية، لن يتكرر.

مهّدت الحاجة المشتركة عند الفريقين، مضافاً إليها الغطاء السعودي والإيراني، لتشكيل حكومة تمام سلام. جمعت هذه الحكومة تيار المستقبل وحزب الله إلى طاولة واحدة. وقدم الطرفان تنازلات.

هكذا، بعد أكثر من ثلاث سنوات على اندلاع الثورة السورية، اقتنع الطرفان بضرورة "المساكنة" الداخليّة بهدف حماية لبنان من تداعيات الثورة السوريّة. تحييد لا يعني بالضرورة توافقاً على جميع القضايا، بل هو ربط نزاع داخلي، بانتظار التسوية الإقليمية، حتى لا ينزلق لبنان إلى صراع مذهبي سيكون أقسى بكثير من تجارب الحروب السابقة.

تطور هذا الجلوس بشكلٍ يوحي بأن تيّار المستقبل يؤمّن خدمات عديدة لحزب الله، من دون مقابل. فقد طرح تيار المستقبل نفسه على أنه الطرف الأقدر على مواجهة المجموعات المتشددة، لأنه يملك الغطاء الشعبي. هكذا، ضُبط الوضع في طرابلس، وفي البقاع، وتوقفت التفجيرات. ولّد ذلك ارتياحاً في البلاد. لكن حصر الحلول في الجانب الأمني، من دون خطّة اقتصادية ــ اجتماعية في طرابلس والبقاع، لن يُنتج أي تسوية جدية تنقل لبنان من حالة الاحتقان المذهبي التي تكاد تقتله.

لا يُمكن لعاقل في لبنان أن يرفض أي تسوية داخليّة تُنقذ البلد من انفجار مذهبي. لكن أساس هذه التسوية ومدى متانتها هما مصدر شك. يتصرف حزب الله دوماً ضمن سياق خطة استراتيجيّة وضعها لنفسه. الواضح من هذه الخطة، أن الحزب يُريد أن يُسيطر على المفاصل الأساسيّة للبلد، من دون أن يتحمّل مسؤوليّة هذه السيطرة. لذلك، لطالما رفض حزب الله مقولة أن حكومة ميقاتي هي حكومته. كما أنه يحيّد نفسه دوماً من السلطة التي تحكم البلد، وهو المشارك الرئيسي فيها.

بناءً على ذلك، فإنه على من يُريد أن يجري تسوية سياسيّة مع الحزب، أن يملك رؤية استراتيجية، لا أن يسعى إلى مكاسب آنية. وسيؤدي حصر الأهداف في المكاسب الآنية، إلى نتائج كارثية. وقد ثبت للحظة، أن تيّار المستقبل هو من أكثر القوى اللبنانيّة التي ترضخ للضغوط الخارجيّة. فهل تكون هذه التسوية، مجرد استجابة لهذه الضغوط؟ أم أن جزءاً منها هو نتيجة رؤية استراتيجية؟

هناك من يقول في تيار المستقبل، إن ما يجري هو شبيه بـ"اتفاق القاهرة" الذي نظم الوجود العسكري لفصائل الثورة الفلسطينية في لبنان عام 1969، والذي حدد المناطق التي يحق لهذه الفصائل العمل فيها. وهناك من يشبهه بـ"تفاهم نيسان" الذي أنهى حرب أبريل/ نيسان 1996 بين حزب الله وإسرائيل، والذي نصّ على تحييد المدنيين من الجانبين. بمعنى آخر، يقول أصحاب هاتين النظريتين، إن تيار المستقبل نجح في تحييد "الزعران" (المجموعات المسلحة "الصغيرة" التي تدور في فلك 8 آذار) من اللعبة السياسيّة الداخليّة.

لا يُمكن الحكم على هذا الأمر حالياً. يحتاج ذلك إلى مزيد من الوقت، ولو أن هذا التشبيه قد يبدو مبالغاً به. كما أن من يعرف تيار المستقبل، يستبعد أن يكون قادراً على بلورة تصوُّر استراتيجي كهذا. للتذكير فقط، فإن "اتفاق القاهرة" كان واحداً من أسباب تحوّل الصراع السياسي ــ الاجتماعي في لبنان في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، إلى صراع عسكري، وسرعان ما تحول إلى حرب مذهبيّة.

المساهمون