تحيا بلجيكا منذ نحو أسبوع على وقع حرب تصريحات حول حظر حزب "إسلام" أو عدمه. فقبل أشهر من الانتخابات البلدية المقررة في 14 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، كشف الحزب الإسلامي النقاب عن جزء من برنامجه الانتخابي الذي تضمن، بالإضافة إلى "إقامة دولة إسلامية في بلجيكا وتطبيق الشريعة الإسلامية"، العمل على فصل الرجال عن النساء في وسائل النقل العام.
أحدث حزب "إسلام"، الذي تأسس عام 2012، مفاجأة في الانتخابات البلدية لتلك السنة من خلال حصوله على مقعد عضو في المجلس البلدي في حي مولنبيك وآخر في بلدية أندرلخت. وبعد ست سنوات، يهدف الحزب الآن إلى تحقيق فوز أكبر. فهو يسعى إلى تقديم مرشحين في 14 بلدية من أصل 19 في مقاطعة بروكسل. كما أن "إسلام" سيكون حاضراً كذلك في ست بلديات لمحافظة لياج ويخطط لتقديم قوائم في مدن نامور ومونس وشارلروا. بعد بروكسل، يتطلع الحزب إلى إيجاد موطئ قدم في منطقة والوني، جنوب البلاد. وكان الحزب قد قدم قوائم في الانتخابات الفيدرالية والجهوية في بروكسل ولياج في عام 2014، لكنه فشل في الحصول على نتيجة مهمة.
ويشير الحزب في برنامجه الجديد إلى أنه "يريد أن يبتعد عن صورته كحزب ديني. نحن ندافع عن القيم وليس العقيدة. فمسألة العقيدة متروكة للدين، أما نحن فنريد أن نساعد مواطنينا، بغض النظر عن المعتقد"، حسبما يرد في خلاصة البرنامج المنشور في نهاية الأسبوع. ومع ذلك، يبقى الهدف النهائي للحزب هو إقامة دولة إسلامية فعلية في بلجيكا، بعد تطبيق الشريعة الإسلامية. مع التأكيد على أن هذا الهدف يجب تحقيقه من دون تغيير الدستور البلجيكي.
كما يشير برنامج حزب "إسلام" أيضاً إلى أنه "يريد فصل الرجال عن النساء في وسائل النقل العام". ويشدّد الحزب على أنه "اقتراح لا يحفّزه الدين، بل الشكاوى العديدة من النساء بسبب التحرشات التي يواجهنها من الرجال في المواصلات العامة".
في هذا الإطار، يقول رئيس الحزب وسائق حافلة عمومية، رضوان أهروش، لـ"العربي الجديد"، إنه "خلال ساعات الذروة، يستفيد بعض الناس، خصوصاً الأجانب، من الازدحام داخل الحافلات للالتصاق والاحتكاك بالنساء. وللعلم فليس النساء المسلمات هن فقط اللواتي يشعرن بالإهانة. لهذا السبب أناشد أن تخصص مقدمة الحافلات للرجال بينما تظل النساء في مؤخرتها".
ورأى جميع السياسيين البلجيكيين أن هذه التصريحات متناقضة بشكل جذري مع القيم الديمقراطية للبلد. وذكرت وزيرة تكافؤ الفرص، بيانكا دوباتس، في تغريدة على "تويتر"، أن "هذه التصريحات مخيفة للغاية وتتناقض مع دستورنا والإعلان الأوروبي لحقوق الإنسان، فهي تشكل تهديداً لديمقراطيتنا وتعايشنا. فالحديث عن الفصل بين النساء والرجال في وسائل النقل العام أمر يتناقض مع قيمنا وحرياتنا الأساسية. سأطلب من مركز المساواة بين النساء والرجال تحليل برنامج الحزب لمعرفة مدى وجود تحريض على التمييز على أساس الجنس. وإذا ثبت قانونياً أنها تشكل تحريضاً على التمييز، فسوف أتأكد من إمكانية اتخاذ الإجراءات اللازمة".
كما طالب حزبان عضوان في الحكومة الائتلافية، التحالف الفلاماني والحزب الليبرالي الفلاماني، بالعمل على "إرساء أساس قانوني لحظر الأحزاب المتطرفة مثل الحزب الإسلامي، وذلك عبر تعديل دستوري بعد الانتخابات التشريعية في مايو/ أيار 2019".
بدوره، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة بروكسل الحرة، باسكال دلويت، لـ"العربي الجديد"، إنه "في بلجيكا، يُحظر إصدار تصريحات عنصرية ومعادية للسامية. كما يحظر القانون أيضاً الافتراء أو التشهير. ولكنه من ناحية أخرى، لا يُحظر تقديم مقترحات لا تتماشى مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أو الاتفاقيات الأخرى. ويعتبر ذلك جزءاً من الحق في حرية التعبير حتى وإن كان من الممكن اعتبار التصريحات بالنسبة للكثيرين غير مقبولة".
وبما يتعلق برفض الحزب الإسلامي وضع النساء على رأس القائمة، كما جاء في تصريحات لرئيس الحزب، رضوان أهروش، يلاحظ دلويت أن "القوانين في بلجيكا لا تتيح حظر الحزب الإسلامي، خصوصاً أن الأحزاب في بلجيكا لا تتمتع بشخصية قانونية ولا توجد نصوص واضحة حول الخطوط الحمراء التي يحظر تجاوزها في البرامج والتصريحات مثل ألمانيا. إذ لا تستطيع الأحزاب في ألمانيا الدفاع عن مبادئ عنصرية أو نازية، على سبيل المثال. ومن الواضح أن هذا مرتبط بالتاريخ المؤلم للبلاد في أعقاب الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)". ويشير إلى أن "السياق البلجيكي الحالي مختلف بشكل كبير. دستورنا، من بين أمور أخرى، ليبرالي جداً، ومدافع كبير عن حرية التعبير والعبادة. لذلك فإن أي نقاش حول وضع المبادئ التي يجب أن يحترمها أي حزب سياسي سيكون صعباً للغاية، لأنه سيعني حدوث تحول في النموذج مقارنة بنظامنا الليبرالي. ومن شأن هذا النقاش أن يغذي نظريات المؤامرة".
من جهته، كشف المحامي المتخصص في القانون الدستوري والقانون الإداري، ماتيو دكليرماكر، لـ"العربي الجديد"، عن "إمكانية مناقشة العقوبات المحتملة ضد التصريحات الأخيرة لممثلي الحزب الإسلامي"، بالقول إنه "يمكن للمرء أن يفكر أولاً في ما يتعلق بالعقوبات المالية. فهناك آلية لتخفيض أو إلغاء تمويل الأحزاب التي تظهر العداء للحقوق والحريات الخاصة المدرجة في اتفاقيات حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية. لكن هذا الأمر والعقوبات المحتملة لا تنطبق إلا على الأحزاب الممثلة في مجلس النواب. وهذه ليست حالة حزب إسلام. ولا شيء من هذا النوع متوقع في القانون العام الجديد".
أما بالنسبة للقوانين المناهضة للعنصرية أو كره الأجانب أو بعض أشكال التمييز، فيرى دكليرماكر أنه "بالنسبة للعنصرية وكراهية الأجانب، من المرجح أن تقع هذه الملاحظات خارج نطاق القانون. أما بالنسبة للقانون الذي يهدف إلى مكافحة بعض أشكال التمييز، فإن هدفه الأساسي هو المساواة في مسائل التوظيف والعمل. يظل فقط القانون حول التمييز الجنسي في الشارع الذي تم اعتماده عام 2014 والذي يمكن أن يفرض عقوبات على الخطابات الجنسية المتعمدة". ويلاحظ أن "الاحتمالات القانونية لقمع التصريحات التي أدلى بها قادة الحزب الإسلامي تبدو محدودة طالما أنهم لا يحرضون على الكراهية".