كثيرون هم الشباب المغاربة المتعلمون، ومنهم حملة الشهادات الجامعيّة، الذين وجدوا فرصة لمحاربة بطالتهم في شركات الأمن الخاص أو ما يسمى بشركات الحراسة الخاصة المنتشرة بكثرة في عديد من مدن البلاد. هي تقيهم الاستعطاء وتصون بعضاً من كرامتهم كشباب متعلمين يستحقون فرصاً أفضل.
ويعمل هؤلاء حراس أمن في المؤسسات الرسمية والوزارات، وحتى في الشركات الخاصة والمصارف، بحسب شروط عمل يشكو الجميع من أنها مزرية وقاسية، بالإضافة إلى الرواتب المتدنية، وعدم توفير الحماية. لكن تلك الوظائف تبعدهم عن حالة البطالة التي يعرفها كثيرون بعد التخرج.
عثمان قزابري في مطلع الثلاثينيات، يعمل في شركة للأمن الخاص في الرباط كحارس أمن في إحدى المؤسسات العمومية منذ أكثر من خمس سنوات، "بعدما ضاقت بي السبل ولم أعثر على وظيفة تناسب شهادة الإجازة الجامعية في العلوم الاقتصادية التي حصلت عليها قبل ثماني سنوات". يضيف: "أنا مُجبَر ولست بطلاً. كثيراً ما أتساءل عن جدوى تلك الشهادة الجامعية التي أمضيت سنوات طويلة لنيلها، مع كل التضحيات التي بذلتها من أجل التخرج". ليس وحده من عانى، بل أيضاً والدته الأرملة التي جهدت لترى فلذة كبدها حاملاً شهادة جامعية.
محمد الهواري أيضاً في مطلع الثلاثينيات، وقد تخرّج من جامعة الرباط مع شهادة بالتاريخ، لكنه لم يجد فرصة عمل مناسبة لا في القطاع الخاص ولا في العمومي، الذي تضاءلت حظوظ الاشتغال فيه إلا من خلال مباراة رسمية. وهو ما اضطره إلى تقديم طلب عمل في إحدى شركات الأمن الخاص المتزايدة في البلاد. يشير إلى أنه تردد كثيراً قبل أن يقدم على هذه الخطوة، غير أن ضغوط أسرتي حسمت الأمر. كانت نظرات والدي كلما عدت مساء إلى المنزل من دون العثور على عمل، تجرحني في الصميم". بالتالي، قدّم شهادته وسيرته الذاتية لشركة أمن خاص، فاستخدمته خصوصاً وأنه يمتلك قواماً رياضياً.
يتّفق قزابري والهواري على أن ظروف العمل في أكثر الشركات صعبة، لا تبدأ بساعات الدوام الطويلة التي تصل إلى حدود 12 ساعة في اليوم لمدّة ستة أيام في الأسبوع، ولا تنتهي براتب لا يصل في أحيان كثيرة إلى الحد الأدنى للأجور (نحو 200 دولار أميركي).
اقرأ أيضاً: حديقة خلفيّة لـ "داعش" في المغرب
في هذا السياق، يقول حسن زاهري هو رئيس الجمعية المغربية لمهنيي الحراسة الخاصة، إنه "على الرغم من كل ما يقال عن ظروف الاشتغال في شركات الحراسة الخاصة، إلا أنها لعبت دوراً بارزاً في تخفيف الوطأة على الدولة والإدارة العمومية، من خلال تشغيلها مئات من أصحاب الشهادات والشباب المتخرجين من الجامعات". ويؤكد أن "اشتغال الشاب المتخرج كحارس أمن خاص، يبعد عنه شبح البطالة والمواقف السلبية لمحيطه القريب"، مضيفاً أن هذا "في كل الأحوال أفضل من الجلوس في انتظار الحصول على وظيفة قد تأتي أو قد لا تأتي".
ويتابع زاهري في حديث إلى "العربي الجديد" أن "ما تقدمه شركات الحراسة الخاصة من خدمات للشباب المتعلمين ولو في ظروف لا يرونها ملائمة لشهاداتهم الجامعية، يوجب على الدولة التعاطي مع هذه الشركات بعناية أكبر". وينتقد التدابير الحكومية الخاصة بالعقوبات السجنية في حق أرباب الشركات الذين لا يستجيبون للبنود القانونية المطلوبة قبل إنشاء شركاتهم. يضيف أنه "في حال عدم تشجيع شركات الحراسة الخاصة على المضي في تطوير ذاتها، وفي حال كان استمرار في وضع العقبات أمامها إلى حد تهديدها بالسجن وهو ما قد يعرضها للإفلاس، فإن كثيرين هم الشباب حاملي الشهادات الذي سيجدون أنفسهم وقد عادوا إلى الشارع عاطلين من العمل".
من جهته، يقول أنس الدكومي وهو يدير شركة للحراسة الخاصة، إن شركته تُشغّل نحو عشرين شاباً كلهم من مستويات جامعية، تتراوح بين دبلومات جامعية عادية وبين شهادات ماجستير، خصوصاً في التخصصات الأدبية والعلمية غير المطلوبة في سوق الشغل في المغرب. ويضيف لـ "العربي الجديد" أن "في خضم تنامي نسبة البطالة في بلد كالمغرب، يُقبل الشاب الجامعي على العمل كحارس أمن خاص، إلى حين عثوره على وظيفة أفضل تناسب مؤهلاته الجامعية والمعرفية". ويتابع: "هي حال العديد من الشباب المغاربة الذين صبروا سنوات في هذه المهنة الشاقة، قبل أن يتحولوا إلى وظائف جديدة تتناسب ومستواهم التعليمي".
اقرأ أيضاً: بسطاء المغرب أبطال شعبيّون