حريق موريا... رسالة أوروبية إلى المهاجرين: لا تقتربوا

5698EA23-7F4D-47FA-B256-09D7BCA82E5A
ناصر السهلي
صحافي فلسطيني، مراسل موقع وصحيفة "العربي الجديد" في أوروبا.
17 سبتمبر 2020
تحول مخيم موريا إلى رماد (نيل فينستدت/ Getty)
+ الخط -

حريق مخيم موريا في جزيرة ليسبوس اليونانية ليس حدثاً عابراً، كما يؤكد ناشطون، بل يرسم سياسة أوروبية مختلفة تسعى إلى بثّ الرعب في نفوس عابري ضفتي إيجه والبحر المتوسط من أنّ مصيرهم سيكون مشابهاً

طوال سنوات، بقي مخيم موريا على جزيرة ليسبوس اليونانية نقطة تجمع لآلاف المهاجرين، من عابري بحر إيجه بمراكب مطاطية من تركيا. خلال السنوات الأربع الماضية صار المخيم المؤقت، المفترض أن يتسع في الحدود القصوى لنحو 2500 شخص، مكاناً يضم أكثر من 12 ألفاً و500 شخص من جنسيات مختلفة، من بينهم نحو 4 آلاف طفل، وفقاً لتقارير رسمية وأرقام تدعمها بيانات منظمة "برو أزول" الأوروبية، الساعية منذ أعوام للضغط على ألمانيا وبلدان أوروبية أخرى لاستقبال طالبي اللجوء.
مآسٍ كثيرة عاشها قاطنو موريا قبل أن تلتهمه النيران، مساء يوم 8 سبتمبر/ أيلول الجاري، فالاكتظاظ وغياب بنى تحتية كافية لاستيعاب هذا الرقم الضخم في منشأة صغيرة توسعت بشكل بدائي، أديا إلى مشاكل عدة انعكست في بعض الأحيان على العلاقات بين مجموعات قومية مختلفة تتشارك المخيم. فمن أفغانستان إلى شمال أفريقيا يتحدر هؤلاء الذين علق بعضهم فوق الجزيرة لسنوات، وبعضهم لأشهر. بعد يوم من الحريق اندلع حريق آخر ملتهماً ما بقي من خيام، ليتشرد نحو 12 ألفاً من اللاجئين على جوانب الطرقات وتحت الأشجار بالقرب من رماد المخيم. وأرسلت الشرطة اليونانية تعزيزات إلى المكان لتواجه غضب المهاجرين المحبطين الذين يعتبرون أنّ العالم يخذلهم.
قبل أيام فقط من احتراق موريا كانت منظمات حقوقية وأخرى مؤيدة للمهاجرين قد نشرت أمام البرلمان الألماني نحو 13 ألف كرسي، في حركة رمزية تشير إلى "الحالة المزرية التي عاشها قاطنو موريا الذين تخلت عنهم دول أوروبية قادرة، وتركتهم لظروف مأساوية، وبيروقراطية يونانية فاقمت من أوضاعهم"، وفقاً لما يذكر لـ"العربي الجديد" المتطوع في منظمة "برو أزول" فردريش بورغدوف، الذي وصل إلى أثينا قبل أيام للمساعدة في ما أمكنه مع زملاء له يقيمون في جزر استقبال المهاجرين اليونانية. بورغدوف ينقل أنّ المهاجرين يحتاجون إلى "كلّ شيء، فهم في وضع تشرد جديد، إذ لا ماء ولا طعام، والأصعب أنّ من بين هؤلاء 4 آلاف طفل في العراء، بالرغم من وعود السلطات بتأمين مبيت لهم".

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

وتذكر المحامية في الوكالة الأوروبية لدعم اللاجئين، ناتاشا ستراشيني، أنّ "مشردي موريا باتوا لا يعرفون إلى أين يذهبون بعد احتراقه وفقدانهم كلّ مقتنياتهم البسيطة، والشرطة تتدخل منذ أيام بشكل قوي وعنيف لمنع هؤلاء من التوجه إلى المدينة الأقرب لمخيمهم المحترق، ميتيلني".

اتهامات وتشدد أوروبي
مساء أمس الأول، بعد أقل من أسبوع على احتراق المخيم، خرجت الحكومة اليونانية باتهامات وجهتها إلى المهاجرين بأنّهم "قاموا بعملية الحرق كوسيلة ضغط لنقلهم بسرعة إلى البرّ الرئيسي لليونان"، كما جاء على لسان المتحدث باسم الحكومة في أثينا، ستيليوس بيتساس. وكان وزير الهجرة اليوناني نوتيس ميتاراكيس، قد أدلى باتهامات مماثلة الأسبوع الماضى، قبل الانتهاء من التحقيقات الرسمية. وبحسب ميتاراكيس، فإنّ سلطات أثينا "شيدت مخيمأً جديداً يتسع لـ5 آلاف إنسان، لكنّ المهاجرين يرفضون الانتقال إليه". ويعترف بعض المهاجرين، الذين تمكنت "العربي الجديد" من التواصل معهم بصعوبة، بأنّه "بالفعل، هناك رفض للانتقال إلى خيام نصبت في مناطق حرجية، ويطالب الناس بدلاً من ذلك، بنقلهم إلى البرّ اليوناني، وحسم مصيرهم بعد سنوات انتظار"، كما يذكر العراقي عبد اللطيف صياح. ومن ناحيتها، تقول متطوعة عربية تحفظت على ذكر اسمها، إنّ الاتهامات التي وجهت للمهاجرين بافتعال الحريق "تأتي على خلفية أحداث سابقة ساد فيها عنف بين مجموعات قومية مختلفة في المخيم، فمنذ تفشي وباء كورونا وتحول المخيم إلى ما يشبه سجناً مغلقاً، ازداد التوتر بين بعض الجنسيات ومهاجرين من أفغانستان". الناشطة العربية المتطوعة في منظمة أوروبية لمساعدة المهاجرين، تفيد أيضاً بأنّ "من الصحيح أنّ البعض شارك في تظاهرة تعبيراً عن إحباطه، وقد واجهتهم الشرطة بعنف وبقنابل مسيلة للدموع، من دون تفريق بين نساء وأطفال ورجال، لكن نظراً للظروف التي عاشها البعض منتظراً منذ 2016 حسم أمره، مع بيروقراطية وبطء واضحين في تصرف سلطات الهجرة في أثينا، فإنّ لدى البعض رغبة بترك الجزيرة، وهو ما تسبب برفض الانتقال إلى مخيم جديد مؤلف من خيام".

الصورة

ينتقد ناشطون أوروبيون، من بينهم الألماني فردريش بورغدوف، بطء المساعدات الأوروبية للمشردين بالقول: "عندما ضربت الحرائق اليونان قبل فترة هبّ الجميع لمساعدة 10 آلاف سائح خلال ساعات، فيما يجري ضرب قنابل غاز على محتجين على أوضاع غير إنسانية، وتعلم السلطات الأوروبية تماماً ما يجري في موريا منذ الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا في 2016".
من ناحيتها، تذكر محامية وناشطة يونانية تواصلت "العربي الجديد" معها، وطلبت ذكر اسمها الأول فقط، ماركيلا، أنّ "حالة من العجز والإحباط أصابت حتى المتطوعين من هذه اللامبالاة الأوروبية". ماركيلا، الموجودة في أثينا، تضيف لـ"العربي الجديد"، أنّ وعود السلطات بإقامة مخيم دائم بدلاً من الذي احترق، لن تحل المشكلة الأصلية المتمثلة في خلل سياسة اللجوء والهجرة الأوروبية، "وهي سياسة ساءت كثيراً خلال الأعوام الماضية. والمريب في هذا الحريق أنّه جاء قبيل أسابيع قليلة من مناقشة الاتحاد الأوروبي مقترحات لسياسة هجرة جديدة (أواخر سبتمبر الجاري)، بهدف إصلاح نظام اللجوء، ومعاهدة دبلن".
وفي معلومات خاصة بـ"العربي الجديد"، فإنّ نقاشاً أوروبياً يجري خلال أيام "لجلب نحو 400 طفل وقاصر من ليسبوس باتجاه معسكرات استقبال أوروبية لتخفيف العبء عن أثينا". وتلك المصادر البرلمانية الأوروبية تذكر لـ"العربي الجديد"، أنّ ذلك "لا يعني منحهم اللجوء، بل التخفيف عن أسرهم وعن أثينا، ريثما يحسم لجوء أهاليهم". ومن الجدير بالذكر أنّ الاتفاقية الأوروبية - التركية في مارس/ آذار 2016، تقضي ببقاء طالبي اللجوء/ المهاجرين على الجزر التي وصلوا إليها ريثما تحسم قضايا منحهم إقامات أو رفضهم من دول أوروبية. وفي حال رفض طلب المتقدمين باللجوء، بحسب الاتفاقية، يصار إلى إعادة المرفوضين إلى تركيا، التي بدورها تقوم بترحيل هؤلاء إلى دولهم.

وتناقلت وسائل إعلام ألمانية خلال الأيام الماضية صور نساء أفغانيات يحملن لافتات تتوسل ألمانيا ترحيلهن وأطفالهن إلى برلين. وبعض هؤلاء المقيمين فوق جزيرة ليسبوس وغيرها من الجزر، وحتى في أثينا، لديهم أقارب في دول اللجوء الأوروبي، ويصف بعضهم أحوالهم بـ"العالقين بعيداً عن أسرنا". ومن بين هؤلاء الذين استطاعوا الوصول من ليسبوس إلى أثينا، يقول الشاب عبد الحسين: "أهلي في السويد وحصلوا على لجوء مؤقت، لكن حين تقدموا بطلب لمّ شمل لي حين كنت في تركيا، رفضت السفارة طلبي، لأنّي تجاوزت الثامنة عشرة. ومنذ 2018 أحاول الوصول بأيّ وسيلة إلى السويد، بعدما نجوت من مخيم موريا باتجاه أثينا". عبد الحسين في العشرين من عمره الآن، ويصف نفسه بأنّه "عالق بين البقاء في حالة صعبة هنا وخداع المهربين". وقصة المهربين قصة بحد ذاتها تؤرق فقراء المهاجرين في أثينا الباحثين عن الوصول إلى دول شمال القارة الأوروبية، فبعض المهربين يستغلون ظروف الذين علقوا في أثينا لتهريبهم عبر طرقات خطرة تمر بالبلقان، وقد انتهى الحال بالبعض منهم على حدود كرواتيا، من بين آلاف الذين غادروا اليونان تهريباً.

الصورة

مسؤولية الانقسام
بالرغم من السجال الأوروبي، بعد حريق مخيم موريا، حول استقبال بعض دول الاتحاد مئات المهاجرين من ليسبوس، سرعان ما تعالت أصوات أوروبية في معسكر اليمين المتشدد ترفض "استقبال ولو مهاجر واحد"، كما هو خطاب ذلك المعسكر في الدنمارك وألمانيا. ففي الأولى ذهب "حزب الشعب الدنماركي"، يوم الإثنين الماضي، إلى اقتراح "إقامة أسلاك شائكة وجدران على الحدود مع ألمانيا"، على غرار الحدود التي أقامتها المجر في 2015 - 2016 لوقف تدفق المهاجرين عبرها. وألمانيا التي شهدت بعض التحركات في الشارع وعلى المستوى الحزبي، خصوصاً من اليسار ويسار الوسط، بدعوة الحكومة لاستقبال بضعة آلاف عالقين في اليونان، يرفض اليمين المتشدد فيها (البديل لأجل ألمانيا)، تلك المطالبات، كما ترفضها أصوات في صفوف الاتحاد الديمقراطي المسيحي، بزعامة المستشارة أنجيلا ميركل. مع ذلك، أعلنت الحكومة الألمانية ومصادر بالائتلاف الحاكم، أمس الأول الثلاثاء، أنّ ميركل ووزير الداخلية هورست زيهوفر اتفقا على فتح الباب أمام نحو 1500 مهاجر من الجزر اليونانية، وليس من ليسبوس حصراً.

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

ولا يعول كثيرون على أن تأتي مقترحات إصلاح سياسة الهجرة واللجوء في الاتحاد الأوروبي، نهاية الشهر الجاري، بنتائج ملموسة على خلفية حريق مخيم موريا. ويقول أستاذ قانون الهجرة في جامعة "كوبنهاغن" توماس غامليتوفت هانسن، إنّ "شيئاً لن يتغير على خلفية احتراق موريا وتشريد الآلاف إذا كان المقصود إصلاح نظام اللجوء لاستيعاب عشرات آلاف طالبي اللجوء من اليونان أو إيطاليا، والمتدفقين عبر البحر الأبيض المتوسط".
كذلك، تقول خبيرة قضايا اللجوء والهجرة، مديرة مركز "سياسات الهجرة الأوروبية" في بروكسل هانا بيرينس: "أشك في أن تغير كارثة موريا شيئاً في سياسة اللجوء الأوروبية، فكلّ ما سيجري هو استمرار السياسة الراهنة بإرسال مساعدات طارئة للتعامل مع الكارثة، من دون تفكير عميق بسببها ولماذا كان الوضع في مخيم موريا كارثياً لسنوات عدة، ولماذا سمح في الأصل لهذا النوع من المآسي أن يحصل على الأراضي الأوروبية، لتجنب حدوثها مستقبلاً". وتضيف أنّ كارثة حريق موريا والأوضاع المأساوية في جزر أخرى في بحر إيجه "تعبير عن انقسام أوروبا في التعاطي الأحادي لكلّ دولة مع قضية اللجوء". فالتركيز الأوروبي، وفقاً لهانسن وبيرينس، يبقى مهتماً بإبعاد المهاجرين عن البرّ الأوروبي، خصوصاً بعد التدفق الذي شهدته القارة قبل خمس سنوات. ولا يخفي مدير منظمة "برو أزول" الأوروبية، كارل كوب، أنّ أهداف أوروبا من الحفاظ على "سياسة الأمر الواقع في الجزر اليونانية، هدفها إيصال رسالة مرعبة للمهاجرين عما ينتظرهم: لا تحاولوا الوصول إلى أوروبا فستعلقون في مستنقع شبيه بمستنقع ليسبوس ومخيم موريا".

ذات صلة

الصورة
حريق المنقف أسفر عن أكثر من 41 حالة وفاة، 12 يونيو 2024 (فرانس برس)

مجتمع

استيقظت الكويت، صباح اليوم الأربعاء، على فاجعة "حريق المنقف" الذي تسبب في وفاة أكثر من 49 عاملاً، وإصابة العشرات معظمهم من الجنسية الهندية
الصورة
تظاهرة تضامنية مع فلسطين وغزة في كتالونيا 26/11/2023 (روبرت بونيت/Getty)

سياسة

منذ صباح 7 أكتوبر الماضي بدا الاتّحاد الأوروبي، أو القوى الكبرى والرئيسية فيه، موحدًا في الاصطفاف إلى جانب إسرائيل، ورفض عملية طوفان الأقصى ووصمها بالإرهاب
الصورة

سياسة

أكد نائب في البرلمان الأوروبي، اليوم الخميس، أنّ السلطات التونسية رفضت دخول بعثة نواب أوروبية من كتل مختلفة في البرلمان الأوروبي إلى أراضيها.
الصورة
تييري بريتون (تييري موناس/Getty)

منوعات

تواجه أكبر شركات التكنولوجيا في العالم تدقيقاً قانونياً غير مسبوق، مع دخول قانون الخدمات الرقمية للاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ اليوم الجمعة، إذ يفرض قواعد جديدة بشأن الإشراف على المحتوى وخصوصية المستخدم والشفافية.