حريق البصرة يتمدد ويستنفر المؤسستين الدينية والسياسية في العراق

08 سبتمبر 2018
تظاهرات البصرة مستمرة (حيدر محمد علي/فرانس برس)
+ الخط -

قرّر البرلمان العراقي الجديد عقد جلسة طارئة، صباح اليوم السبت، لمناقشة أوضاع البصرة، في وقت شكك فيه مراقبون بإمكانية انعقادها بسبب اعتراض عدد من الكتل على عدم امتلاك رئيس السن المؤقت الصلاحية الدستورية لعقد جلسات طارئة، وأن مهمته فقط إدارة جلسات اختيار رئاسة دائمة للبرلمان. بدورها، بدأت كتل معسكر نوري المالكي ـ هادي العامري استغلال أزمة البصرة، بجمع تواقيع برلمانية لإقالة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الذي يستعد خلال الساعات المقبلة للتوجه إلى البصرة واتخاذ قرارات حاسمة فيها، من بينها ما يتعلق بإقالات وطرد لمسؤولين أمنيين، وتخويل الجيش بملف الخدمات إلى جانب وزارات أخرى، حسبما كشف مسؤولون عراقيون مقرّبون منه. ولا يمكن اعتبار العبادي بوضع مريح، خصوصاً في ظلّ مخاوف من تمدد شرارة الاحتجاجات إلى مدن جنوبية أخرى، ومن أن تعنف بصورة أكبر من التي حدثت قبل نحو شهرين.

ويستعد البرلمان لعقد جلسة طارئة لمناقشة الأزمة المتفاقمة في محافظة البصرة، وقال رئيس السن في البرلمان محمد علي زيني، إن "مجلس النواب سيعقد، اليوم السبت، جلسة خاصة لمناقشة أزمة البصرة"، مؤكداً في بيان، أن "الجلسة ستكون بحضور رئيس الوزراء حيدر العبادي، وعدد من الوزراء المعنيين بالأزمة". وأضاف "بناء على الطلب المقدم من 54 نائباً لعقد جلسة خاصة لمناقشة وضع البصرة، وجه رئيس السن بعقد جلسة لمجلس النواب لمناقشة المشاكل والحلول والتطورات الأخيرة".

بدوره، قال مسؤول عراقي في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إن "القلق يسود أوساط السياسيين والمرجعيات الدينية على حد سواء، وهناك خوف حقيقي من أن امتدادها لمدن جنوبية أخرى وبالمستوى نفسه من العنف الذي شهدته البصرة باليومين الماضيين، يعني خروج الأمور عن السيطرة"، مضيفاً أن "تقارير الجيش والشرطة ومجلس المحافظة في البصرة أكد أن المتظاهرين صاروا ينظمون أنفسهم على شكل تنسيقيات واسعة بين المناطق، لتنظيم خروجهم بالساعة والمكان المحدد وكذلك الشعارات المرفوعة".

وبيّن أن "رئيس الوزراء حيدر العبادي أخطأ في عدم تنفيذ ما وعد به أهل البصرة في شهر يوليو/ تموز الماضي، فحتى الآن لم يتوظف أحد ولم يصل أي مبلغ مالي للمحافظة. كما أن مشكلة ملوحة المياه وتلوثها تفاقمت، والكهرباء ما زالت سيئة، ومرضى السرطان لم يحصلوا على حصصهم الشهرية من الدواء. ويعود ذلك إلى تحفظه على فكرة تسليم مبالغ لحكومة البصرة المحلية ورغبته بأن تكون بغداد مشرفة على المشاريع والمنح، حتى لا تكون المبالغ والمخصصات دعاية للأحزاب في البصرة".



وتعتبر البصرة أول مدن العراق في أعداد المصابين بالسرطان، إذ يتجاوز عددهم المعدل الطبيعي، ويستقبل مستشفى السرطان الوحيد فيها ما بين 20 إلى 25 شخصاً شهرياً، يتم اكتشاف إصابتهم بالسرطان، معظمهم أطفال أو نساء.

بالإضافة إلى ذلك، فإن أكثر ما لفت بتظاهرات البصرة هو ما وصفه الناشط البصري علي جمعة، بـ"خلوها من الخطوط الحمراء"، مضيفاً لـ"العربي الجديد"، أن "الفقراء هم من يغذي الشوارع بالمحتجين، وشيوخ العشائر في البصرة لا يجرؤون على التدخل أو مطالبتنا بالتهدئة، لأنهم فعلوا ذلك في نهاية يوليو الماضي وانصاع لهم الناس وعادوا ولم يحصل شيء، ولم تنفذ الحكومة شيئاً ورجال الدين يطالبون بالتزام الهدوء. وأعتقد بأنهم لا يعرفون ما يحدث في بيوت الناس بالجنوب، فقد صاروا يبيعون من حاجيات منازلهم كي يأكلوا وتمنعهم عفة النفس عن مد أيديهم بالشوارع، ولا نعرف كيف حال أهل الغربية والشمالية، فإذا كنا نحن هكذا ومدننا مستقرة أمنياً، فكيف حالهم هم؟".

من جهته، اعتبر أحد زعماء البصرة القبليين، عضو مجلس أعيان المدينة، الشيخ ناصر العلي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "ما يجري في البصرة متوقع، والقمع ليس حلاً للسيطرة على الأوضاع". وأضاف أن "لا تغيير في البصرة والجوع والبطالة تفعل الكثير، والشاب بات أمامه إما أن يكون بمليشيا مسلحة أو حزب ديني أو يعمل بتهريب النفط أو بيع المخدرات والحشيش، أو تعيينه في دائرة حكومية، بما تتطلبه من دفع 13 إلى 15 ألف دولار، ولا أمل لدى من خرج سوى التظاهر".

وتابع "أعتقد أن الحرق والتدمير الذي حدث اشترك فيه متظاهرون غاضبون، طاولوا المقرات الحزبية والفصائل المسلحة وعبارة (لا مكان للجالية الإيرانية بعد اليوم)، التي كُتبت على مقرات الأحزاب، رسالة غضب، لكن في الوقت نفسه هناك دوائر حكومية أُحرقت. وأعتقد أن من أحرقها ليس المتظاهرون بل مسؤولون فاسدون استغلوا الموضوع للتغطية على فسادهم، خوفاً من لجنة النزاهة الموجودة حالياً في البصرة".

مليشيات الحشد بدورها أصدرت بياناً مشتركاً لفصائل عدة احترقت مقراتها في البصرة، اعتبرت أن "ما يجري بالبصرة اليوم هو مؤامرة أميركية سعودية لإحداث اقتتال داخلي شيعي ــ شيعي"، مطالبة في الوقت نفسه بـ"استقالة فورية لرئيس الوزراء حيدر العبادي".



وبلغ عدد المباني التي أحرقت في الأيام القليلة الماضية أكثر من 40 مقراً حكومياً وحزبياً ومقرات لمليشيات مسلحة ومنازل فارهة لمسؤولين محليين وزعماء سياسيين، وكذلك مقرات لمحطات تلفزيون وإذاعات محلية. ومن أبرزها مباني المحافظة والبلدية والضريبة وديوان المحافظة وثلاثة مبان تابعة لقائممقامية البصرة ومبان لمجالس محلية حكومية، عدا عن دار استراحة حكومي وبيت المحافظ وبيت رئيس مجلس المحافظة بالوكالة ومكاتب قنوات العراقية الحكومية والغدير وإذاعة النخيل، إضافة إلى مقرات مليشيات بدر والنجباء وثأر الله وحزب الله والخراساني والإمام علي وروح الله، ومقرات أحزاب الدعوة والمجلس الأعلى وإرادة والفضيلة وتيار الحكمة وأهل الحق وعطاء. كلها أحرقت فضلاً عن سيارات وممتلكات تابعة لها، تم إخراجها للشارع وإحراقها وسط شعارات منددة بالأحزاب الحاكمة. كما تعطل عدد من الموانئ التجارية على الخليج العربي، وشهد عدد من حقول النفط إرباكاً واضحاً بين الموظفين الأجانب فيها، ما استدعى من الجيش تأمين قوات إضافية لبث الطمأنينة في نفوس العمال الأجانب، وفقاً لمسؤولين محليين.

وشهدت القنصلية الإيرانية في البراضعية، وسط البصرة، ليل الخميس ـ الجمعة، تظاهرات حاشدة استمرت حتى فجر أمس، الجمعة، رغم الإجراءات التي فرضها الجيش حول المكان، وأظهرت مقاطع فيديو شباناً غاضبين وهم يرددون "جارة السوء إيران برة برة، البصرة تبقى حرة".

وفي أول رد حكومي، قال المتحدث باسم مكتب رئيس الوزراء سعد الحديثي، إن "بغداد سترسل مبلغاً قدره 425 مليار دينار (356 مليون دولار)، من ضمن الـ3.5 تريليونات دينار (3 مليارات دولار)، التي وعد بها العبادي لمحافظة البصرة". وأوضح في تصريح أطلقه لسكان البصرة عبر راديو المربد المحلي في المدينة، أن "الأموال التي وعد بها رئيس الوزراء لا يمكن إطلاقها كاملة، خصوصاً بعدما حدد العبادي عدداً من الشروط لإطلاقها، تتمثل بأن تقدم المحافظة طلباً إلى رئاسة الوزراء لتنفيذ المشاريع مع إرفاق تفاصيلها وآليات الإنفاق، فضلاً عن سقوف التنفيذ".

ولفت الحديثي إلى أن "الحكومة أعطت استثناءً لمحافظ البصرة من تعليمات تنفيذ القوانين النافذة، في ما يخص التعاقد والإحالة إلى الشركات"، مؤكداً أن "ذلك الاستثناء لم يسبق أن أعطته الحكومة الاتحادية إلى أي حكومة محلية أو وزارة". وعن مشكلة ملوحة المياه والإجراءات الحكومية بصدده، أكد أن "وزارة الموارد المائية قامت بزيادة الإطلاقات المائية من خلف ناظم قلعة صالح، والبالغة 75 متراً مكعباً بالثانية و7.15 أمتار مكعّبة بالثانية، من قناة البدعة، إلا أن التجاوزات حالت دون استفادة البصرة من زيادة تلك الإطلاقات". وأشار إلى أن "عملية رفع التجاوزات التي تقوم بها القوات الأمنية من شأنها وصول الحصة الكافية من المياه والتي باستطاعتها دفع اللسان الملحي الذي تغلغل بالمدينة".

وتطرق الحديثي إلى الدرجات الوظيفية التي خصصتها الحكومة لمواطني البصرة وباقي المحافظات، مؤكداً أن "الحكومة تسعى لتوفير تخصيصات مالية لتلك الدرجات من أحد البنود الموجودة في الموازنة المالية لجمهورية العراق للسنة المالية 2018، والذي يلزم الحكومة بتخصيص الدرجات الوظيفية في حال توفر الوفرة المالية فضلاً عن وجود أموال احتياطي الطوارئ".

أما المرجع الديني علي السيستاني، فقد قدّم وصفة متعلقة باختيار رئيس الوزراء الجديد، جاءت في معرض بيان له حول أحداث البصرة، وأوضح فيها أن "الحكومة الجديدة يجب أن تكون مختلفة عن سابقاتها التي قامت على المحاصصة"، مشترطاً في من يتولى قيادة الحكومة المقبلة أن "يتحلى بالكفاءة، والشجاعة، والنزاهة، والحزم، والإخلاص". ووفقاً لوكيل المرجع السيستاني في كربلاء، عبد المهدي الكربلائي، فإن "الشعب لم يعد يطيق مزيداً من الصبر، لما يراه من عدم اكتراث من قبل المسؤولين لحلّ الأزمات"، مبيناً خلال خطبة الجمعة، أن "السياسيين منشغلون بالتنازع في ما بينهم على المكاسب السياسية". وأوضح أن "معاناة أهالي البصرة ومناطق أخرى هي بسبب فشل المسؤولين وذوي المناصب الحساسة في الحكومات المتعاقبة، والتي بنيت على المحسوبية والمحاصصة وتغييب الكفاءات"، مبيناً أن "المرجعية الدينية لم تجد آذاناً صاغية بشأن ما طرحته لمعالجة الأوضاع في البصرة".