حروب "طالبان باكستان": إبحث عن إسلام آباد والزعامة والقبلية

12 ابريل 2014
ممثل طالبان ومساعد رئيس الحكومة في فبراير (GETTY)
+ الخط -

 لم يكن مفاجئاً إعلان مسؤولين في جهاز الاستخبارت الباكستانية، يوم الجمعة، عن وصول حصيلة قتلى معارك الفصائل المتناحرة لحركة طالبان ــ باكستان، في منطقة وزيرستان، شمال غربي البلاد، إلى 43 قتيلاً، خلال الأسبوع الجاري وحده. فهذه البقعة المعزولة من العالم تشهد حرباً حقيقية، منذ أشهر، بعيداً عن وسائل الاعلام، لم يكن كُثـُرٌ يتوقعون نشوبها بين فصائل التنظيم الإسلامي، الذي لطالما أظهر تماسُكاً داخلياً لافتاً.

محسود... أصل الحكاية

بدأت القصة في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2013، عندما لقي زعيم حركة طالبان باكستان، حكيم الله محسود، مصرعه في غارة جوية نفذتها طائرة أميركية من دون طيار، في منطقة "درتي دربه خيل"، التي تبعد نحو 500 كيلومتر من مدينة "ميران شاه" في مقاطعة شمال وزيرستان القبلية. وبعد أيام من مقتل محسود، أعلنت الحركة أن قيادياً فيها يُدعى عصمت الله شاهين بيتاني، سيخلف محسود لفترة قصيرة، إلى أن يتم تعين زعيم "دائم" جديد للحركة.

في هذا الوقت، وقعت خلافات بين مختلف فصائل طالبان على اسم الزعيم الجديد الموعود، بعدما أصرّ فرع محسود من حركة طالبان، الذي كان ينتمي إليه مؤسس الحركة بيت الله محسود، وزعيم الحركة السابق، حكيم الله محسود، على أن يكون سيد خان محسود، المعروف في أوساط طالبان، زعيماً جديداً للحركة. غير أن الفصائل الأخرى أصرت على إجراء انتخابات في مجلس شورى طالبان لتعيين زعيم جديد. لكن هذه الخلافات سرعان ما هدأت بعد إعلان الحركة المولوي فضل الله زعيماً جديداً لها.

وبعد فترة وجيزة، بدأت أولى محاولات إبرام سلام بين الحكومة الباكستانية وحركة طالبان ــ باكستان، مع استمرار أعمال العنف، والتي تعثرت عقب مقتل حكيم الله محسود. وتحدثت تقارير حكومية وإعلامية عن اندلاع خلافات بين مختلف فصائل الحركة تجاه عملية السلام مع الحكومة في إسلام آباد، كما أكدت وزارة الداخلية الباكستانية أن حركة طالبان انقسمت إلى نحو خمسين فصيلاً، بعضها موافق على عملية السلام، وبعضها الآخر رافض لها.

وفي شهر فبراير/شباط الماضي، تعرّض رئيس مجلس شورى طالبان، عصمت الله شاهين بيتاني، الذي كان يخلف حكيم الله محسود لفترة وجيزة، إلى كمين مسلح في منطقة "دركه مندي"، القريبة من "ميرانشان"، ولقي حتفه مع ثلاثة من رفاقه. اكتفت حركة طالبان ــ باكستان في حينها بإدانة الحادث، معتبرة شاهين "قيادياً بارزاً في الحركة ومجاهداً كبيراً". لكن المصادر القبلية عزت مقتل شاهين إلى الخلافات الداخلية نفسها.

هدأت الأمور نسبياً بين فصائل طالبان حتى مطلع الشهر الجاري، لكن الأزمة استفحلت بينها إثر اشتباكات عنيفة في منطقة "شكتوي" بين جناحي الحركة، الأول بين رجال الزعيم السابق حكيم الله محسود، والآخر هو جناح سيد خان سجنا. وفي هذه المعارك، قُتل قائد ميداني يُدعى كاشيد محسود، ويُعتبر من أشد المعارضين لعملية السلام.

مفاوضات السلام

وقد اعترفت الحركة الإسلامية أخيراً، على لسان المتحدث باسمها، شاهد الله شاهد، بوقوع الاشتباكات، وأرسلت وفداً إلى المنطقة لمحاولة احتواء الأزمة بين الطرفين. غير أن شاهد رأى أن المعارك "وقعت بين الطرفين على خلفية خلافات طفيفة تحدث من حين إلى آخر"، من دون أن يذكر نوعية هذه الخلافات، نافياً، في الوقت نفسه، أن تكون الخلافات بشأن عملية السلام مع الحكومة.

لكن، بعد يوم واحد من إرسال حركة طالبان وفدها إلى المنطقة لاحتواء الأزمة، تجددت الاشتباكات بين الطرفين، لا بل اتسعت رقعتها إلى مناطق "تانك" و"شوال" في شمال وزيرستان.

لا يزال الصراع مستمراً بين فصائل طالبان المتخاصمة، والأجواء المحتقنة لا تزال تسود مناطق مختلفة من وزيرستان، والجهود التي يبذلها وفد طالبان، و"شبكة حقاني" لاحتواء الأزمة، باءت بالفشل. كما تضاربت الآراء بشأن السبب الحقيقي للصراع؛ فعلى الرغم من نفي حركة طالبان ــ باكستان أن يكون السبب هو عملية السلام مع الحكومة الباكستانية، تؤكد المصادر القبلية أن مفاوضات السلام هذه هي السبب الحقيقي للصراع القائم بين مختلف فصائل الحركة.

أما مصادر قبلية أخرى، فترى أن عملية السلام جزء من الخلافات ولا تختصرها جميعها، في إشارة واضحة إلى أن الخلافات القبلية قد تسربت بقوة إلى أوساط طالبان، وتسببت في تفاقم الخلافات الداخلية في ما بينها، وهي التي سيعاني منها المواطن القبلي قبل أن تتسبب في إضعاف قوة طالبان العسكرية والشعبية. من هنا، يرى الخبراء أن الجهود القبلية ستؤدي الدور الأكبر في احتواء الأزمة.

   

المساهمون