مع انتشار فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي من داخل إحدى المدارس العراقية في بغداد، يظهر فيه طفل تعرض لكدمات وحروق وطعن بآلات حادة على يد زوجة والده، فُتح الباب مجدداً أمام تصاعد حالات العنف الأسري في العراق، وغياب القانون. في حين أشار مواطنون إلى فشل الحكومة، التي تركز على تعديل مشوه لقانون الأحوال المدنية يتيح زواج القاصرات، وتركها مثل هذه الحالات دون علاج.
الطفل البالغ من العمر 8 سنوات يظهر في مقطع فيديو صوّرته المشرفة التربوية في مدرسته، وعلى جسده آثار تعرضه للضرب المبرح والتعذيب على يد زوجة والده، التي تعذبه وتسكب الماء الساخن على جسده وتطعنه في أماكن متفرقة من جسده.
ولاحظت المشرفة التربوية حال الطفل خلال زيارة تفقدية للمدرسة، وبعد الكشف على إصاباته.
وتداول الفيديو العديد من الناشطين العراقيين على صفحاتهم، وناشدوا الجهات المعنية الإسراع بإنقاذ الطفل وإنزال أقسى العقوبة بزوجة الأب ووالد الطفل، الذي ترك ابنه بيد امرأة متوحشة، على حدّ وصفهم.
وعرضت عشرات العوائل العراقية أن تتبنى الطفل، وإنقاذه من موت وشيك في حال بقائه تحت رحمة زوجة الأب، أو اعتقال الأخيرة وإيداعها السجن فوراً، ومحاسبة الوالد الذي لا يعلم عن حال ابنه.
ونشر عراقيون عبر صفحاتهم، في وقت سابق من هذا العام، مقاطع مصورة تظهر تعذيب الأطفال على يد ذويهم في مدينة البصرة أقصى جنوب العراق. أحدها يشير إلى وفاة طفلة تبلغ من العمر 9 أشهر، بعد تعرّضها للتعذيب من قبل والدها، وأخرى تعرض كلاً من الطفلتين زهراء وغدير للضرب من قبل والدهما. وأشارت والدة الطفلتين للصحافيّين أنّ زوجها كان يقيّدها ويكمّم فمها ويطفئ الأضواء، ثمّ يبدأ بضرب الطفلتين.
كما يظهر أحد الفيديوهات، استخدام والد الطفل علي عبّاس في مدينة كركوك شمال بغداد، أدوات جارحة لتعذيب ابنه لمجرّد أنّه تأخّر في لعبة كرة القدم. وبيّن فيديو آخر قيام والد الطفلين علي وبنين وأعمامهما بتعليقهما في مروحة السقف، وضربهما وركلهما وعضّهما باستمرار.
وعلّقت وديان خليل، عضوة جمعية أجيال لتنمية الذكاء والابداع، بالقول: "إن ظاهرة تعذيب وتعنيف الأطفال على أيدي ذويهم أصبحت مقلقة للغاية، فالطفل الذي لا يجد الأمان داخل منزله يصبح عرضة للأمراض النفسية بعد فقدان الشعور بالطمأنينة من أقرب الناس إليه، وهذا يخرّج جيلاً غير سوي لا يمكنه أن يندمج اندماجاً طبيعياً مع المجتمع".
وبيّنت خليل، لـ"العربي الجديد"، إن "عدة أسباب تقف وراء تنامي العنف الأسري ضد الأطفال، أولها وأهمها تفكك الروابط الأسرية نتيجة الحروب والفقر والنزوح وقساوة الظروف المعيشية؛ وهذا ينمي حالة الغضب لدى الأسرة وبالتالي يَصب الوالدان أو أحدهما جام غضبه على الطفل الذي لا حول له ولا قوة".
واعتبرت أن الحاجة والفقر المدقع دفعا بالعديد من الأسر إلى إجبار أطفالهم على العمل في الشوارع، وتعرضهم للعنف في حال رفضهم العمل أو عدم حصولهم على المال، كما لعب انتشار وتعاطي المخدرات دوراً في التعنيف ما جعل الأطفال ضحية كل ذلك.
ودعت خليل، المنظمات المحلية والدولية للعمل بجدّية على الحد من ظاهرة تعنيف الأطفال، لافتة إلى أنّ نسبة الأطفال الذين يتعرضون للعنف داخل العراق تصل إلى 4 من أصل 10 أطفال وربما أكثر، ما يلزم الحكومة العراقية بإيجاد قوانين تحمي الأطفال، وتعاقب من يرتكب العنف ضدهم.
وقال الناشط محمد علي، لـ"العربي الجديد"، إنّ اهتمام البرلمان العراقي بتعديل قانون الأحوال المدنية وإباحة تزويج القاصرات يساند إلى حد ما تعنيف الأطفال، لأن المشرع نسيّ أو تناسى تشريع قانون يحمي الأطفال من العنف الأسري؛ ما يعطي انطباعاً بأن الحكومة العراقية تساهم بتعنيف الأطفال عن طريق إهمال حقوقهم وتركهم دون حماية.
ورصدت المنظمات الدولية والحقوقية وجود نحو 4 ملايين طفل عراقي يواجهون خطر الموت، والتعرض لإصابات خطيرة والعنف الجسدي والخطف، والتجنيد لدى الفصائل المسلحة.
كما حذرت لجنة المرأة والأسرة والطفل النيابية، في إبريل/نيسان الماضي، من استمرار مسلسل تعذيب الأطفال في العراق الذي يمارس من قبل ذويهم أو في المدارس، داعيةً إلى إنزال أقصى العقوبات بحق الفاعلين.
وقالت عضوة اللجنة رحاب العبودة في بيان لها، إن مثل هذه الحالة وحالات أخرى سبقتها، تؤكد أن هناك انحرافاً في طبيعة ومستوى الجريمة في العراق، ولا بد من وقوف مؤسسات الدولة التربوية والدينية والاجتماعية عندها، فضلاً عن رجال الدين ومنظمات المجتمع المدني، بالإضافة إلى السلطتين التشريعية والتنفيذية واتخاذهما الإجراءات الفعالة التي تحد من مثل هذه الممارسات بإنزال أقصى العقوبات بحق مرتكبيها.
كما أعربت هيئة رعاية الطفولة في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية عن أسفها وقلقها الشديدين من الارتفاع الملحوظ في ظاهرة العنف ضد الأطفال. وحذرت في بيان لها من آثارها السلبية على الطفل والأسرة والمجتمع، داعية مجلس النواب إلى تشريع قانون مناهضة العنف الأسري لوضع حد لهذه الظاهرة".
من جهتها، دانت لجنة حقوق الإنسان والأسرة والطفل النيابيّة في بيان لها تلك الممارسات بحقّ الأطفال، واصفة إيّاها بالوحشيّة.
وتداول نشطاء عراقيون في الآونة الأخيرة على مواقع التّواصل الاجتماعي مقاطع الفيديو تظهر مشاهد مأسويّة في تعذيب الأطفال وسط غياب التشريعات القانونيّة والإجراءات الرادعة، التي يمكن أن تحدّ من تلك الممارسات التي تنتشر على نطاق واسع في العراق خاصة في المناطق الفقيرة.