21 فبراير 2018
حرب مجنونة
يسأل المواطن العربي، بعفوية من يجهل تعقيد الأزمات الدولية وخلفياتها: أما آن للحرب في سورية أن تتوقف، وللدم أن يحقن؟ كل الدول والحركات والأحزاب تتفاوض وتتنازل، وتبحث عن حل للأزمات والحروب، خصوصاً عندما تتيقن أن النصر مستحيل، إلا العرب يقاتلون بضراوة بعضهم بعضاً، ويعرفون كيف يدخلون إلى أتون الحروب الأهلية، ولا يعرفون كيف يخرجون منها.
حصيلة الحرب الأهلية السورية، حتى اليوم، مخيفة، بل مرعبة. تتحدث الأرقام عن سقوط 350 ألف قتيل، وأكثر من مليون جريح ومعاق، وعن خمسة ملايين لاجئ، وسبعة ملايين نازح، وعن الحاجة إلى 500 مليار دولار لإعادة إعمار ما دمرته الحرب، وعن عشرات السنوات من الجهد لإعادة سورية إلى ما كانت عليه عشية انطلاق الثورة التي كانت سلمية، فتعسكرت بسرعة فائقة منذ 2011.
لم تقنع الأرقام المفزعة هذه بعد الأطراف الداخلية أو الخارجية للنزاع بضرورة وضع نقطة نهاية لتدفق الدم السوري، والجلوس إلى طاولة البحث عن حل سياسي، لا منتصر فيه، ولا مهزوم. المشكلة في سورية، الآن، أن كل الأطراف ترى أن ما أعطته من دم ومال وخسائر ومآسيَّ على مدى أربع سنوات لا يوجد فوق طاولة المفاوضات شيء يستحق أن يُقايض به. لهذا، تبحث الأطراف جميعها عن النصر الذي يعني، في عرفها، القضاء على الآخر، لأن ذلك هو الثمن الممكن لما سال من دم. وهنا يغرق الجميع في حمام دم ليس له آخر.
يستحيل حسم الصراع في سورية عسكرياً، فنظام الأسد، الذي لم يعد يسيطر سوى على 20٪ من الأراضي السورية الآهلة بالسكان، لا يستطيع القضاء على المعارضة، وفيها الجيش الحر وجبهة النصرة وداعش وعشرات الفصائل المسلحة المدعومة من تركيا وأميركا ودول الخليج، وكلما ربح نظام الأسد جولة إلا وتحرك الدعم المالي والعسكري والبشري، لكي لا يختل الميزان. وفي المقابل، لا تستطيع المعارضة، وفيها الوطني والأصولي والإرهابي، أن تدخل إلى دمشق، أو تقضي على النظام، لأن وراءه أقلية علوية خائفة على مصيرها من تطرف المعارضة. وخلف النظام في دمشق روسيا وإيران وحزب الله وميلشيات عراقية كثيرة، وكلما فقد الأسد موقعاً ورجالاً وعتاداً، تشحن إيران إليه الدعم والمقاتلين من أفغانستان والعراق وباكستان ولبنان وأوزبكستان، حتى لا يسقط، ولتظل موازين القوى على حالها.. حرب مفتوحة لا نصر فيها ولا هزيمة.
لا النظام السوري الذي يحكم بالحديد والنار دمشق منذ 50 سنة مستقل في قراره، لأن من يدفع له المال والسلاح والرجال يشترك معه في القرار، ولا المعارضة، بمختلف أطيافها، مستقلة في قرار الحرب والسلم، لأن من يمولها لا يفعل ذلك لوجه الله، بل لتخدم الحرب أهدافه ومراميه. وحده الشعب السوري عالق في هذه المحرقة، وكل يوم يمضي تزداد رقعة الحرب اتساعاً، ومشاعر الكره والضغينة والانتقام تأججاً.
يريد الأسد تسوية يبقى بمقتضاها حاكماً، وتريد إيران تسوية تبقي سورية ورقة في يدها للضغط على الخليج، ويريد حزب الله تسوية بمقتضاها ترجع علاقته مع دمشق إلى ما قبل 2011. في الجهة المقابلة، تريد المعارضة سورية بلا أسد، وتريد جبهة النصرة الانتقام للسنة من العلويين واستدعاء نظام حكم إسلامي من القرون الوسطى، ويريد داعش استمرار الفوضى غير المنظمة، لأنها تنعش حربه الدينية، وهو يسعى إلى الاحتفاظ بالرقة وجزء من سورية على الحدود مع العراق، لأنها الامتداد الاستراتيجي لدولته في الموصل، ولأنها الطريق إلى عبور المقاتلين الأجانب من تركيا للانخراط في الحرب المقدسة.
والنتيجة أن الأطراف جميعها تريد أن تحصل بالمفاوضات السلمية على ما عجزت عن انتزاعه بالحرب، وهذه معادلة مستحيلة. المفاوضات تنجح، والتسويات تتقدم عندما تشعر كل الأطراف بأنها خاسرة إذا استمرت الحرب، وأن التسوية لا تعطيك كل ما تطلبه، لكنها توقف خسائرك ونزيفك، وما دامت الأطراف لم تصل إلى هذه النتيجة، سنتابع المزيد من أخبار القتل والدمار.
حصيلة الحرب الأهلية السورية، حتى اليوم، مخيفة، بل مرعبة. تتحدث الأرقام عن سقوط 350 ألف قتيل، وأكثر من مليون جريح ومعاق، وعن خمسة ملايين لاجئ، وسبعة ملايين نازح، وعن الحاجة إلى 500 مليار دولار لإعادة إعمار ما دمرته الحرب، وعن عشرات السنوات من الجهد لإعادة سورية إلى ما كانت عليه عشية انطلاق الثورة التي كانت سلمية، فتعسكرت بسرعة فائقة منذ 2011.
لم تقنع الأرقام المفزعة هذه بعد الأطراف الداخلية أو الخارجية للنزاع بضرورة وضع نقطة نهاية لتدفق الدم السوري، والجلوس إلى طاولة البحث عن حل سياسي، لا منتصر فيه، ولا مهزوم. المشكلة في سورية، الآن، أن كل الأطراف ترى أن ما أعطته من دم ومال وخسائر ومآسيَّ على مدى أربع سنوات لا يوجد فوق طاولة المفاوضات شيء يستحق أن يُقايض به. لهذا، تبحث الأطراف جميعها عن النصر الذي يعني، في عرفها، القضاء على الآخر، لأن ذلك هو الثمن الممكن لما سال من دم. وهنا يغرق الجميع في حمام دم ليس له آخر.
يستحيل حسم الصراع في سورية عسكرياً، فنظام الأسد، الذي لم يعد يسيطر سوى على 20٪ من الأراضي السورية الآهلة بالسكان، لا يستطيع القضاء على المعارضة، وفيها الجيش الحر وجبهة النصرة وداعش وعشرات الفصائل المسلحة المدعومة من تركيا وأميركا ودول الخليج، وكلما ربح نظام الأسد جولة إلا وتحرك الدعم المالي والعسكري والبشري، لكي لا يختل الميزان. وفي المقابل، لا تستطيع المعارضة، وفيها الوطني والأصولي والإرهابي، أن تدخل إلى دمشق، أو تقضي على النظام، لأن وراءه أقلية علوية خائفة على مصيرها من تطرف المعارضة. وخلف النظام في دمشق روسيا وإيران وحزب الله وميلشيات عراقية كثيرة، وكلما فقد الأسد موقعاً ورجالاً وعتاداً، تشحن إيران إليه الدعم والمقاتلين من أفغانستان والعراق وباكستان ولبنان وأوزبكستان، حتى لا يسقط، ولتظل موازين القوى على حالها.. حرب مفتوحة لا نصر فيها ولا هزيمة.
لا النظام السوري الذي يحكم بالحديد والنار دمشق منذ 50 سنة مستقل في قراره، لأن من يدفع له المال والسلاح والرجال يشترك معه في القرار، ولا المعارضة، بمختلف أطيافها، مستقلة في قرار الحرب والسلم، لأن من يمولها لا يفعل ذلك لوجه الله، بل لتخدم الحرب أهدافه ومراميه. وحده الشعب السوري عالق في هذه المحرقة، وكل يوم يمضي تزداد رقعة الحرب اتساعاً، ومشاعر الكره والضغينة والانتقام تأججاً.
يريد الأسد تسوية يبقى بمقتضاها حاكماً، وتريد إيران تسوية تبقي سورية ورقة في يدها للضغط على الخليج، ويريد حزب الله تسوية بمقتضاها ترجع علاقته مع دمشق إلى ما قبل 2011. في الجهة المقابلة، تريد المعارضة سورية بلا أسد، وتريد جبهة النصرة الانتقام للسنة من العلويين واستدعاء نظام حكم إسلامي من القرون الوسطى، ويريد داعش استمرار الفوضى غير المنظمة، لأنها تنعش حربه الدينية، وهو يسعى إلى الاحتفاظ بالرقة وجزء من سورية على الحدود مع العراق، لأنها الامتداد الاستراتيجي لدولته في الموصل، ولأنها الطريق إلى عبور المقاتلين الأجانب من تركيا للانخراط في الحرب المقدسة.
والنتيجة أن الأطراف جميعها تريد أن تحصل بالمفاوضات السلمية على ما عجزت عن انتزاعه بالحرب، وهذه معادلة مستحيلة. المفاوضات تنجح، والتسويات تتقدم عندما تشعر كل الأطراف بأنها خاسرة إذا استمرت الحرب، وأن التسوية لا تعطيك كل ما تطلبه، لكنها توقف خسائرك ونزيفك، وما دامت الأطراف لم تصل إلى هذه النتيجة، سنتابع المزيد من أخبار القتل والدمار.