تغمر مشاعر القلق الدكتور كمال مغيث الخبير فى المركز القومى للبحوث التربوية، منذ إعلان وزارة التربية والتعليم المصرية في 9 فبراير/شباط الماضي وقف الدراسة في محافظة شمال سيناء لأجل غير مسمى في مختلف المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، فيما توقفت الدراسة في جامعة العريش الحكومية والتي تضم 8 كليات في 10 فبراير، وهو ما تلاه قرار مشابه بوقف الدراسة في جامعة سيناء الخاصة لحين إشعار آخر، بالتزامن مع العملية العسكرية الشاملة التي يخوضها الجيش المصري ضد مسلحي تنظيم ولاية سيناء (الفرع المحلي لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).
واكتفت الوزارة بتوزيع أقراص مدمجة لشرح المواد الدراسية للطلاب، حتى يتم البت في قرار عودة الدراسة من جديد، لكن مغيث يرى مشكلة تربوية في القرار إذ يؤثر على استيعاب الطلاب ولا يكفي لتعويض الحالة التربوية التعليمية الناتجة عن تفاعل الطالب مع أستاذه، والأخطر والحديث لمغيث هو تأثير تلك الحالة على المدى البعيد على انتماء الطلاب للوطن، خاصة أن الدولة تريد زرع حب الوطن والوطنية في الأجيال المقبلة كما يقول، وتابع موضحا "لو كان الطلاب يقدرون على المتابعة والدراسة في بيوتهم، فلماذا أنشأت الدولة المدارس، متى سينتهي العبث بالعملية التعليمية؟ الاهتمام بالنشء أساسي في تقدم الدول، المدارس تم إنشاؤها، وتوظيف مدرسين لمتابعة العملية التعليمية مع الطلاب وتوضيح وشرح المفاهيم عبر الكتب الدراسية".
ويخالف هذا القرار المادة 19 من الدستور المصري، والتي تنص على أن "التعليم حق لكل مواطن، هدفه بناء الشخصية المصرية، والحفاظ على الهوية الوطنية، وتأصيل المنهج العلمى في التفكير، وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار، وترسيخ القيم الحضارية والروحية، وإرساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز، وتلتزم الدولة بمراعاة أهدافه فى مناهج التعليم ووسائله، وتوفيره وفقاً لمعايير الجودة العالمية. والتعليم إلزامي حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها...." كما أكمل التربوي مغيث حديثه.
نقل طلاب ومقر جامعة سيناء
توقفت الحياة في شمال سيناء، وطاول هذا التوقف العملية التعليمية الجامعية وما قبل الجامعية، غير أن تصاعد أحداث العنف في المحافظة الواقعة شمال شرقي مصر دفع جامعة سيناء الخاصة إلى نقل مقرها الرئيسي، والذي يبعد عن مدينة العريش عاصمة شمال سيناء 10 كيلومترات بسبب استمرار إغلاقها حتى الآن، بحسب مصدر مسؤول في الجامعة المملوكة لرجل الأعمال المقرب من النظام ومالك قناة المحور الفضائية حسن راتب، ويضيف المصدر الذي رفض الكشف عن هويته للحفاظ على عمله، أن "الدراسة عادت جزئيا خلال شهر إبريل مرة أخرى، بعد إبلاغ الجامعة طلاب كلية طب الأسنان في العام الرابع والخامس أنهم سيكملون العام الدراسي وسيؤدون امتحانات نهاية العام في كلية طب الأسنان بجامعة السادس من أكتوبر في محافظة الجيزة"، مضيفا أن إدارة جامعة سيناء قامت بالتنسيق مع إدارة جامعة السادس من أكتوبر لاستقبال طلاب طب الأسنان القادمين من جامعة سيناء.
ويعيد المصدر الذي يعمل في كلية تكنولوجيا الإعلام، سبب استكمال طلاب كلية طب أسنان الدراسة بجامعة السادس من أكتوبر إلى عدم تجهيز المبنى الجديد لجامعة سيناء الواقع بمنطقة القنطرة شرق بالمعدات والمعامل اللازمة للطلاب، مشيرا إلى أن جامعة سيناء (الأم) قامت منذ ثلاثة أعوام بالشروع في بناء مقر آخر في مدينة القنطرة شرق، التي تبعد 230 كيلومترا من مدينة العريش عاصمة شمال سيناء، فيما تبعد عن مقر جامعة سيناء الأم 220 كيلومترا.
وتم تشغيل المبنى الجديد لجامعة سيناء في 7 إبريل/نيسان الجاري عوضًا عن الجامعة الأم المتوقفة في العريش، من أجل أن تستقبل طلاب المرحلة الرابعة من كليات تكنولوجيا الإعلام، في حين أن باقي طلاب الجامعة من مختلف الفرق الدرسية بتخصصات الصيدلة والتصنيع الدوائي والعلوم الهندسية وإدارة الأعمال والتسويق الدولي وتكنولوجيا الإعلام، وتكنولوجيا المعلومات وعلوم الحاسب يمكنهم الدراسة بالكلية المناظرة في كل من جامعة قناة السويس أو الإسماعيلية الحكوميتين أو جامعة 6 أكتوبر الخاصة، الأمر الذي يقيمه الدكتور كمال طاهر عضو هيئة التدريس بكلية التربية في جامعة العريش (حكومية) باعتباره حلا لن يعوض الطلاب بشكل كامل عن توق العملية التعليمية وتغيير المناخ الدراسي والأساتذة، قائلا "التعليم عملية تراكمية، لا يصح أن ينتقل الطلاب من مرحلة لمرحلة لاحقة دون اكتساب مهارات معرفية كاملة في المرحلة السابقة عليها، كما أن الطلاب الدارسين بجامعات خارج شمال سيناء لا يستطيعون الذهاب إلى جامعتهم، بسبب توقف حركة النقل والحاجة إلى تنسيق مسبق مع جهات أمنية من أجل التمكن من الحركة".
المرحلة ما قبل الجامعية
استغل عبد الرحمن سلام، الطالب بالصف الثالث الثانوي، مرض والدته العجوز من أجل الخروج من شمال سيناء إلى محافظة الشرقية، للحصول على دروس خصوصية تعوضه عن توقفه القسري عن الدراسة، إذ ربما يتمكن من خوض الاختبارات التي لا يعرف حتى الآن في أي مكان ستجري بعد توقف الدراسة، كما يقول لـ"العربي الجديد"، مضيفا أن زملاءه لا يمكنهم الخروج من شمال سيناء إلى أي محافظة مجاورة، بعدما منعت قوات الجيش والشرطة تحرك المواطنين القادمين والخارجين من وإلى شمال سيناء، إلا بتنسيق مسبق مع جهات أمنية.
وتوقفت 269 مدرسة ابتدائية، و151 مدرسة إعدادية، و98 مدرسة ثانوية، و46 مدرسة خاصة، عن العمل بعد قرار وزارة التربية والتعليم وقف الدراسة ما تسببت في معاناة 110 آلاف طالب وطالبة وفقا لإحصاء حصل عليه "العربي الجديد" من مديرية التربية والتعليم في محافظة شمال سيناء، وهو ما جعل الدكتور كمال طاهر يدعو وزارة التربية والتعليم إلى تعويض طلاب شمال سيناء، وخاصة في المرحلة الثانوية، مشددا على ضرورة منحهم درجات تفضيلية عبر آلية تقييم مختلفة تراعي معاناتهم وضياع فصل دراسي من عمرهم.
ويحتاج أهالي شمال سيناء ممن كانوا يقطنون في المناطق التي تدور فيها المعارك بين قوات الأمن والمسلحين، إلى تنسيق أمني للخروج أو حتى الدخول إلى سيناء عبر الذهاب إلى قسم الشرطة التابع له المواطن لدراسة سبب التحرك وإبلاغ الارتكازات الأمنية بالطريق، كما يقول أشرف أيوب الناشط الحقوقي السيناوي، والذي ألمح إلى أنه عادة لا تتم الموافقة على طلب التنسيق، إلا للحالات المرضية التي تستدعي العلاج خارج المحافظة، وهو ما يؤكده الطالب عبدالرحمن سلام الذي نسّق لخروجه من محافظة شمال سيناء إلى محافظة الشرقية، باعتباره مرافقا لوالدته التي تحتاج إلى غسل كلى كما يقول مستدركا "ما كنت أستطيع الخروج من المحافظة، لولا مرض والدتي".
تدمير العملية التعليمية
بلغ عدد الأسر النازحة من منطقتي رفح والشيخ زويد من الفترة 2013 وحتى 2016 خمسة آلاف و824 أسرة يقيمون في 68 تجمعا في مدينة العريش وبئر العبد، بحسب لجنة حصر النازحين الحكومية التابعة لمحافظة شمال سيناء، ومن بين هؤلاء النازحين الأربعيني عمار خالد (اسم مستعار) والذي يسكن في منطقة بئر العبد مع أبنائه الأربعة، الذين يدرسون في المرحلة الأساسية.
ويقول خالد إن عدد الأسر النازحة من شمال سيناء خارج المحافظة ضعف العدد الذي قامت بحصره لجنة المحافظة، نظرا لكونها تعتمد في آلية عملها على ذهاب النازح إليها وتسجيل بياناته، في حين أن العديد من النازحين لم يتمكنوا من تسجيل أسرهم ضمن قوائمها.
ونزح خالد إلى بئر العبد من مدينة الشيخ زويد الواقعة على الطريق الدولي الساحلي بين رفح والعريش، خوفاً من الموت الذي يطارد أهلها بسبب المعارك بين الجيش وإرهابيي ولاية سيناء، غير أن إعلان قوات الأمن عن العملية العسكرية الشاملة تسبب في تدمير حياتهم، كما يقول لـ"العربي الجديد"، مضيفا أن موظفاً في مديرية تعليم شمال سيناء كان يستفسر منه عن موعد عودة الدراسة، خاصة أن امتحانات المراحل التعليمية المختلفة على الأبواب، رد عليه "معندناش أي أخبار، أو معلومات، كله في أيد الجيش".
مطالب بعودة الدراسة
يطالب حسام الرفاعي، عضو مجلس النواب عن دائرة العريش، الحكومة بضرورة عودة الدراسة في محافظة شمال سيناء، مضيفا لـ"العربي الجديد"، أنه "ذهب إلى وزارة التربية والتعليم، وحضر عددا من الاجتماعات مع قيادة محافظة شمال سيناء لحل الأزمة، ولكن حتى الآن لم يتم تحديد ميعاد لاستئناف الدراسة"، وهو ما تؤكده ليلى مرتجى وكيل مديرية التعليم بشمال سيناء، والتي تابعت لـ"العربي الجديد": "لم يرد إلى مديرية التعليم حتى الآن قرار بإعادة الدراسة في المحافظة مرة أخرى، ونحن على تواصل دائم بوزارة التربية والتعليم وقيادات من الجيش والشرطة، لبحث سبل عودة الدراسة مرة أخرى، أو ترتيب تنظيم الامتحانات"، غير أن كل الاحتمالات مفتوحة، والأمور حتى الآن لم تتضح، الأمر الذي سيضطر معه عمار خالد إلى ترك مكان سكنه في شمال سيناء حين تتاح له الفرصة، ويذهب إلى الإسماعيلية أو الشرقية، من أجل محاولة تخفيف إنقاذ أبنائه من تدمير مستقبلهم بعدما ضاع حاضرهم.