وتزداد قوة هذه الحركات مع تزايد سياسة التنكيل التي تمارسها دولة الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني الأعزل وخنقه اقتصادياً وعسكرياً وعبر المستوطنات.
وأكبر دليل على قوة وتأثير هذه الحركات استجابة دول وكيانات اقتصادية وشركات كبرى وجامعات ومعاهد وأساتذة جامعات لدعوات المقاطعة، وكذا حجم الخسائر التي تعرض لها الاقتصاد الإسرائيلي جراء المقاطعة.
فقد كشفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية منتصف عام 2015 أن حملة المقاطعة الأوروبية على المنتجات الزراعية الإسرائيلية الخاصة بالمستوطنات فقط، كبدت اقتصاد البلاد خسائر تقدر بستة مليارات دولار في عامي 2013 و2014.
كما رصدت حركة "المقاطعة" الدولية بالاحتلال الإسرائيلي "خسائر اقتصادية فادحة تعرضت لها دولة الاحتلال، فقد تم فسخ عقود بقيمة 23 مليار دولار، وتراجعت قيمة الصادرات الاسرائيلية، في ظل توقع خسارة ما بين 28 و56 مليار دولار بالناتج القومي الإسرائيلي".
ولذا أفزعت حركات المقاطعة الاقتصادية المتصاعدة لإسرائيل كلاً من الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة والمتعاطفين مع دولة الاحتلال، خاصة مع الخسائر الفادحة والمتزايدة التي بات يتكبدها الاقتصاد الإسرائيلي بسبب قوة تأثير هذه الحملات واتساع دائرة المنضمين لها.
ومن هنا يمكن تفسير التحرك الأميركي الجماعي العنيف لحماية الاقتصاد الإسرائيلي وإجهاض حركات المقاطعة للسلع والاستثمارات الإسرائيلية، والحفاظ على صادرات دولة الاحتلال خاصة المنتجة داخل المستوطنات المقامة على أراضٍ عربية محتلة.
ومن أبرز التحركات الأميركية الجارية لحماية الاقتصاد الإسرائيلي تحرك الكونغرس لسن مشروع قانون "مكافحة حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها". وإذا أقر المشروع، فسيصبح محظوراً على أي جهة أميركية مقاطعة إسرائيل، وكان نواب في الكونغرس قد قدموا بالفعل مشروع قانون لحظر مقاطعة إسرائيل ومواجهة حملات مقاطعتها التي تلقى رواجاً خاصة في أوروبا.
وتعليقاً على هذا التطور قال موقع صحيفة "يديعوت أحرنوت" إن الكونغرس يعد هجمة مضادة لـ «تسونامي المقاطعة»، من خلال تقديم مشروع قانون يمنح إسرائيل مكانة اقتصادية خاصة بالنسبة للولايات المتحدة ويحميها من العقوبات.
ولم يقف التحرك الأميركي عن هذا الحد، فقد تحرك نصف الولايات الأميركية لإقرار مثل هذا القانون الذي يهدف إلى ملاحقة حركات المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل، والتضييق عليها، ومن بين هذه الولايات: أريزونا، كاليفورنيا، كولورادو، فلوريدا، جورجيا، انديانا، ايوا، ماستشوسيس، نيو جرزي، فيرجينيا، بنسلفانيا.
بل ووافقت ولايتا، الينوي وكارولاينا الجنوبية، العام الماضي على قوانين تنص على سحب استثمارات الولايات من الشركات التي تقاطع إسرائيل.
كما أصدر حاكم ولاية نيويورك، أندرو كومو، الليلة قبل الماضية، قراراً عنيفاً يقضي بفرض عقوبات على حركة مقاطعة البضائع والاستثمارات الإسرائيلية، بل وتوعّد بتوجيه عقوبات لمن يقاطع إسرائيل، ومنعه من إقامة أي استثمارات بالولاية.
القرار الأخير موجّه بالطبع ضد حركة المقاطعة العالمية لإسرائيل (بي دي أس) BDS التي أطلقها المجتمع المدني الفلسطيني في العام 2005 وتقود حملة لمقاطعة المنتجات والشركات الإسرائيلية، خاصة تلك العاملة داخل المستوطنات، وسحب الاستثمارات من إسرائيل وفرض عقوبات عليها.
كما يأتي القرار بعد أن أكدت تقارير إسرائيلية أن حركات مقاطعة سلع الاحتلال تتصاعد داخل أميركا، وأن هناك خطراً شديداً لها على الاقتصاد الإسرائيلي، من بين هذه التقارير مثلاً ما قاله المكتب الوطني الاسرائيلي للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان بأن إسرائيل وبكل تهديداتها فشلت في كبح جماح المقاطعة لسلعها واستثماراتها المتزايدة عالمياً.
قرار حاكم نيويورك ليس الأول، فقد وقعت نيكي هالي، حاكمة ولاية ساوث كارولينا، على تشريع قانون يحظر على الكيانات العامة ممارسة أعمال مع شركات تمارس التمييز ضد الكيان الإسرائيلي.
في مقابل هذا التضييق الأميركي، تتعاظم الدعوات المناهضة للسلع الإسرائيلية خاصة داخل أوروبا وأميركا اللاتينية وآسيا، فأوروبا تعلن الحرب الاقتصادية على إسرائيل، كما قال بنيامين وينثال، الباحث بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في مقال بصحيفة نيويورك بوست الأميركية.
الغريب أنه في الوقت الذي تتزايد فيه حملات المقاطعة للسلع والمنتجات الإسرائيلية على مستوى العالم نجد أن الوضع يختلف عربياً، فقد دخلت مصر والأردن في تطبيع اقتصادي مباشر مع دولة الاحتلال، حيث تعاقدتا على استيراد الغاز من إسرائيل لمدة 15 سنة وبصفقة قيمتها 30 مليار دولار، ورغم أن البرلمان الأردني يقاوم بشدة خططاً حكومية لاستيراد الغاز من إسرائيل، إلا أن الحكومة تصر على موقفها ضاربة بالبرلمان عرض الحائط.
أما بالنسبة لمصر، فإن القمع والاعتقال يخيفان الرافضين للتطبيع الاقتصادي بل والسياسي مع دولة الاحتلال والمطالبين بوقفه، ولذا يخفت صوت هؤلاء، وربما يختفي بعض الوقت.