حرب حفتر برعاية مصر والإمارات والسعودية

15 ابريل 2019
نجحت قوات حكومة الوفاق في صد الهجوم(محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -

اكتملت صورة المشهد الليبي وهجوم اللواء خليفة حفتر على طرابلس، بزيارته أمس الأحد القاهرة ولقائه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بعدما كانت معلومات مسربة قد كشفت أخيراً أن السعودية وعدت حفتر بتمويل حربه على طرابلس، إثر زيارته إلى الرياض قبل الهجوم، ثم الكشف عن إرسال الإمارات طائرتين تحملان مساعدات عسكرية لقواته، ليؤكد كل ذلك على الدعم الذي يلقاه حفتر في حربه على العاصمة الليبية، والتي تتعدى حسابات داخلية باتجاه تحقيق أهداف الدول الداعمة له.

ومع تصريحات قوات حفتر والموالين له عن أنه مستمر في حملته العسكرية، على الرغم من فشله في اقتحام العاصمة منذ انطلاق هجومه في 4 إبريل/ نيسان الحالي، بل حتى نجاح القوات الموالية لحكومة الوفاق في استعادة المبادرة وطرد قوات حفتر من كثير من المواقع التي تقدّمت إليها في محيط طرابلس، فإن حصيلة الضحايا لا تزال ترتفع، وسط اتهامات للواء الليبي باستهداف مواقع مدنية، آخرها مدرسة في منطقة عين زارة في طرابلس يوم السبت، فيما تستعد حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج للتحرك دولياً لإدانة خروق القوات المهاجمة على طرابلس للقانون الدولي الإنساني.

وفي تطور لافت أمس، استقبل السيسي في القصر الرئاسي في القاهرة، حفتر، وبحث معه "مستجدات وتطورات الأوضاع في ليبيا"، بحسب الإعلان الرسمي. لكن مصادر دبلوماسية مصرية، كشفت لـ"العربي الجديد"، أن الاستقبال الرسمي لحفتر، في قصر الاتحادية، جاء بـ"أوامر" سعودية، مؤكدة أن دخول الرياض بشكل معلن أخيراً، بقوة في الملف الليبي، كان كلمة السر في تسريع وتيرة الأحداث، وتشجيع حفتر على الهجوم على العاصمة.

ولفتت المصادر إلى أن الرياض "تقود معركة دبلوماسية" لوقف تحركات دولية تستهدف منع تقدّم حفتر وسيطرته على العاصمة، كاشفة أن الأيام الأولى لتحركات حفتر، شهدت تباينات واضحة داخل المحور الرباعي العربي، الذي يضم مصر والسعودية والإمارات والبحرين، بشأن الخطوة وتداعياتها، التي قد تتسبّب في حرب أهلية واسعة في ليبيا تصعب السيطرة عليها، متابعة "إلا أن سلسلة من الاتصالات التي تمت بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، والسيسي، وكذلك زعماء غربيين، أسهمت في منح مزيد من الوقت لحفتر حتى ينجز مهمته".
وأوضحت المصادر المصرية أن القاهرة ما زالت حريصة على عدم الظهور كداعم مطلق لحفتر بشكل شخصي، بعيداً عن التعاطي الأممي، وهو ما دفعها لتوجيه الدعوة لرئيس حكومة الوفاق، فائز السراج، خلال الساعات القليلة الماضية لزيارة القاهرة ولقاء الرئيس المصري، وذلك للحفاظ على دور وسيط.

وجاء استقال حفتر ليؤكد الأنباء المتداولة عن دعم القاهرة وأبوظبي والرياض لحملة حفتر على العاصمة، إذ سُربت معلومات عن وصول طائرتي شحن إماراتيتين، يوم الجمعة، إلى قاعدة بنينا في بنغازي وعلى متنهما عتاد عسكري للقوات حفتر. وإثر تداول صور للطائرتين، اعترفت إدارة مطار بنينا بوصول الطائرتين، لكنها قالت في منشور على صفحتها الرسمية ليل السبت، إن "كل الطائرات الآتية من مطار دبي العالمي، هي من مؤسسة زايد الخير لدعم مؤسسات الخيرية في الجنوب بالتنسيق مع الحكومة المؤقتة".

وفي ظل هذا الوضع، تسعى حكومة الوفاق إلى "اتخاذ موقف إزاء التدخلات الخارجية التي حرّضت على الهجوم على طرابلس". وأكد المتحدث الرسمي باسم الحكومة، مهند يونس، أن حكومته لديها معلومات عن دعم الإمارات لقوات حفتر. وأضاف، في مؤتمر صحافي السبت، أن "الحكومة ستتحقق من تلك المعلومات وستعلن موقفها منها".
في غضون ذلك، وفيما يصرّ حفتر على استكمال الهجوم على طرابلس، كما أكد رئيس برلمان طبرق، عقيلة صالح، السبت، قائلاً إن "الجيش الوطني الليبي" سيكثف الهجوم "للتخلص من التنظيمات الإرهابية والجماعات الخارجة عن القانون"، فإن حصيلة الضحايا ترتفع. وأعلنت منظمة الصحة العالمية، أمس الأحد، مقتل 121 شخصاً، وإصابة نحو 600 آخرين، في معارك طرابلس. وفي السياق، دانت المنظمة "الهجمات المتكررة على العاملين في مجال الرعاية الصحية والمركبات والمرافق". وتابعت: "تم قصف سيارتي إسعاف إضافيتين في ليبيا، السبت، أثناء قتال طرابلس، ليصل العدد الإجمالي إلى 8 منذ اندلاع العنف".


ميدانياً، أكد المتحدث الرسمي باسم عملية "بركان الغضب" التابعة لحكومة الوفاق، محمد قنونو، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن قواته شارفت على إكمال فرض سيطرتها على طوق العاصمة الجنوبي، "فقد تمت السيطرة على المنطقة من السواني غرباً وحتى وادي الربيع شرقاً، وسيكتمل قريباً اتصال محور عين زارة بمحور وادي الربيع". وأضاف قنونو أن "سلاح الجو أدى دوراً كبيراً في دحر قوات حفتر والسيطرة على كامل منطقة الساعدية والعزيزية السبت"، مشيراً إلى أن الغارات التي نفذها طيران حفتر على تاجوراء وعين زارة كانت ردة فعل انتقامي. وأعلن استعداد قواته لخوض معركة جديدة لمهاجمة أماكن تمركز القوات الموالية لحفتر خارج العاصمة والبدء في ملاحقتها وردها إلى مواقعها التي انطلقت منها، من دون أن يحدد مسار قواته باتجاه غريان أم باتجاه ترهونة. وتتركز قوات حفتر الآتية من الشرق في معسكرات في مدينة غريان غرب العاصمة، بينما تَقدَّم اللواء التاسع الموالي لحفتر من معسكراته داخل ترهونة باتجاه مناطق وادي الربيع وقصر بن غشير.

في موازاة ذلك، كشف مصدر دبلوماسي مقرب من حكومة الوفاق، لـ"العربي الجديد"، أن السراج يعمل على تكثيف جهوده في أكثر من محفل دولي، منها محكمة الجنايات الدولية، للتبليغ عن انتهاكات اقترفتها قوات حفتر، ولدى لجنة حظر السلاح الدولية في مجلس الأمن لتقديم أدلة ضد دول قدّمت السلاح لحفتر، من بينها الامارات وفرنسا.
وكان السراج، أكد خلال لقائه المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، يوم السبت في طرابلس، أن قوات حفتر "مستمرة في استخدام الطيران والقصف العشوائي لمناطق مدنية تشمل البيوت والبنية التحتية، وكان آخرها قصف مدرسة في منطقة عين زارة اليوم (السبت)" بحسب المكتب الإعلامي للسراج.
لكن أحمد المسماري، المتحدث باسم قوات حفتر، قال إن العملية للسيطرة على طرابلس تسير وفق المعايير الدولية في محاربة الإرهاب والجريمة، معتبراً أن المعركة موجهة ضد تنظيمي "داعش" و"القاعدة" وما وصفها بالمليشيات المسلحة التي تسيطر على العاصمة. ولفت إلى أن المعركة مستمرة حتى تحقيق أهدافها.

من جهتها، أكدت البعثة الأممية في ليبيا، أنها توثق الأعمال الحربية في طرابلس المخالفة للقانون الدولي الإنساني، تمهيداً لإحاطة مجلس الأمن الدولي ومحكمة الجنايات الدولية بها. وحذرت البعثة، في بيان لها، من "قصف المدارس والمستشفيات وسيارات الإسعاف والمناطق الآهلة بالمدنيين"، مؤكدة أنها "أعمال يحرمها تماماً القانون الدولي الإنساني".

في سياق آخر، عاد سلامة أمس للتشديد على أن الحل في ليبيا سياسي. وأسف المبعوث الأممي لتسبّب معارك طرابلس في تأجيل الملتقى الوطني الجامع، الذي كان مقرراً انطلاقه أمس الأحد. وقال عبر "تويتر": "كان اليوم، يوم ملتقاكم في غدامس، تخطون فيه معاً معالم سبيل نحو دولة موحدة قادرة منصفة مدنية ديمقراطية". وأضاف "لكن الرياح راحت في مناحٍ أخرى لم تكن السفن تشتهيها، ولطّخ الدم المسيرة... موقفنا لن يتبدل فإنما الحرب ما علمتم وذقتم، ولا حل، مهما اشتد العناد، إلا سياسي".