22 فبراير 2016
حرب السيسي على الإنترنت
عندما يكون تصورك لتاريخك وماضيك، مبنيا على مجموعة من الأكاذيب والأوهام، يكون بديهيا أن تُكرر خطايا الماضي بحذافيرها، وحين يعيد ذلك إنتاج كوارث الماضي، فتهرب من مواجهة خطاياك، وتقوم بتحميل مسؤوليتها للمؤامرات الداخلية والخارجية، ستأتي حتما من بعدك أجيال تحمل تصورا مزيفا ومشوشا لتاريخها وماضيها، فتكرر أخطاءك نفسها، وتُنتج الكوارث نفسها، بخيبة أشد كثافة وضحايا أكثر عددا.
يزداد تأثير تلك الدائرة الملعونة، حين يخلو المجتمع من مؤسسات شعبية تساعده على حماية ذاكرته من النسيان، وتقاوم فرض القراءة الرسمية للتاريخ التي يتبناها أصحاب السلطة وحلفاؤهم من جماعات المصالح، ومع أنه لم يعد هناك مكان لتعبير (متفق عليه)، في عصر صار فيه التقدم قرينا بالاختلاف والتنوع في الرؤى والتصورات، وأصبح عبثياً أن نطلب وجود قراءة وحيدة لتاريخنا، إلا أن مجتمعنا، للأسف، يعاني دائما من طموح حكامه في الشر وحده، إذ إن الرواية الرسمية التي يسعون لفرضها، مبنية أصلاً على تشكيلة من الأكاذيب والأوهام، ولعلك في ظل إدراك هذا، تفهم سعي نظام عبد الفتاح السيسي إلى إحكام سيطرته على وسائل الإعلام، واسعة الانتشار الحكومية والخاصة، لكي لا تصبح فقط ألسُناً تردد "روايته الميري" التي يرغب في تعميمها على كل المواطنين من "لابسي العِمّة اختيارا أو اضطرارا"، بل لتصبح تلك الوسائل أذرعا تؤدب كل من يرفض الرواية السيساوية للتاريخ القريب الدامي وللواقع الآني المعكوك، وتغتال معنويا كل من يذكر الناس بما تورط فيه السيسي ونظامه من جرائم وأكاذيب.
لا يمكن أن تفصل هذا أيضا عن سعي نظام السيسي إلى تحجيم دور الإنترنت، لكي لا يُستخدم كسلاح لتقوية الذاكرة الشعبية، أو كإعلام بديل غير قابل للشكم، حيث يتفنن ترزيته القانونيون في إصدار تشريعات تحلم بالسيطرة على فضاء الإنترنت الرحب، آخرها إصدار قانون تجرم بعض مواده الإرسال الإذاعي عبر الإنترنت للقضاء على الإذاعات الشبابية المزعجة. وفي الطريق قانون آخر يبيح حجب مواقع إنترنت معينة، بعد استصدار أحكام تتهمها بدعم الإرهاب والسعي إلى إسقاط الدولة، وهو ما سبق أن فعلته أنظمة عربية قمعية مع مواقع إنترنت عديدة متمردة. في الوقت نفسه، تتزايد، أخيراً، أعداد المعتقلين بسبب نشاطهم على الإنترنت، والذين يوصمون بتهمة الإرهاب، في غفلة من المؤسسات الداعمة لحرية التعبير التي تتعرض أصلاً لضربات متتالية، ولولا أن السيسي ما زال بحاجة للدعم الدولي المالي، لما تورع مثل غريمه، أردوغان، عن استخدام سلاح القضاء، ضد مواقع التواصل الاجتماعي التي تجلب له الصداع، بعد أن فشلت أجهزته في ترويضها التام، على الرغممن أنها استغلتها من قبل في نشر الأكاذيب والتشنيعات ضد معارضيه.
في الآونة الأخيرة، لعبت مواقع الإنترنت المختلفة دورا مهما، في فرملة الاندفاع العسكري إلى حرب اليمن، حيث تم تداول عشرات الموضوعات والبوستات والتغريدات التي تستعيد وقائع مأساة حرب اليمن في عهد عبد الناصر، وتذكّر بجرائم إعلام الصوت الواحد، وكشفت بعضا من المسكوت عنه في محنة سيناء، وما يدور فيها من حرب دامية، يدفع ثمنها الجنود والضباط والمدنيون، دون أن تظهر تأثيرا حقيقيا على قدرات الإرهابيين حتى الآن. ولأن كثيرين فقسوا فولة وسائل الإعلام الخاصة، منذ سمعوا عبارة "بتكتب ورايا يا أحمد". لذلك، لم يعد يخيل عليهم الاستئساد المفاجئ لعرائس التوك شو، وهو ما ضاعف من مصداقية الإنترنت وأهميته، بشكل ستدرك أهميته أكثر، حين تقرأ وقائع التعامل الإعلامي مع حرب اليمن في عهد عبد الناصر، وكيف تم تصويرها أولا للشعب مهمة سهلة أقرب إلى العملية التدريبية، ولم يتضح كيف صارت مأساة دامية إلا بعد فوات الأوان.
في هذا الصدد، لفت انتباهي ما رواه كمال حسن علي في مذكراته عن اشتعال الخلاف بين عبد الناصر وعبد الحكيم عامر، وكيف كتب عامر، بكل ثقة، مذكرة نارية بتاريخ 7 سبتمبر/ أيلول 1967، يلقي فيها مسؤولية حرب اليمن على ناصر وحده، لأنه "أدخل الجيش في الحرب من دون دراسة ولا تجهيز"، ولم يجد بالطبع قوة شعبية تذكره، أنه قبل ذلك بأشهر، وتحديداً في 24 أبريل/نيسان 1967 نَتَع خطبة عصماء قال فيها: "سوف نبقى في اليمن عشرين عاما حتى لا يعود اليمن إلى الوراء"، ومع أن هذا النوع من البجاحة والاستنطاع الرسمي ما زال من سُنن الحكم المؤكدة في مصر، إلا أن وجود الإنترنت الآن يجعله أصعب، ليعرقل كثيرا من محاولات إفلات السيسي، بكثير من أكاذيب وجرائم نظامه، "من أول فضيحة جهاز الكفتة وأنت نازل ومتدحدر".
حفظ الله الإنترنت، ليحفظ لمصر ذاكرتها، فلا أمل في أي تغيير، بدون ذاكرة يقظة.
يزداد تأثير تلك الدائرة الملعونة، حين يخلو المجتمع من مؤسسات شعبية تساعده على حماية ذاكرته من النسيان، وتقاوم فرض القراءة الرسمية للتاريخ التي يتبناها أصحاب السلطة وحلفاؤهم من جماعات المصالح، ومع أنه لم يعد هناك مكان لتعبير (متفق عليه)، في عصر صار فيه التقدم قرينا بالاختلاف والتنوع في الرؤى والتصورات، وأصبح عبثياً أن نطلب وجود قراءة وحيدة لتاريخنا، إلا أن مجتمعنا، للأسف، يعاني دائما من طموح حكامه في الشر وحده، إذ إن الرواية الرسمية التي يسعون لفرضها، مبنية أصلاً على تشكيلة من الأكاذيب والأوهام، ولعلك في ظل إدراك هذا، تفهم سعي نظام عبد الفتاح السيسي إلى إحكام سيطرته على وسائل الإعلام، واسعة الانتشار الحكومية والخاصة، لكي لا تصبح فقط ألسُناً تردد "روايته الميري" التي يرغب في تعميمها على كل المواطنين من "لابسي العِمّة اختيارا أو اضطرارا"، بل لتصبح تلك الوسائل أذرعا تؤدب كل من يرفض الرواية السيساوية للتاريخ القريب الدامي وللواقع الآني المعكوك، وتغتال معنويا كل من يذكر الناس بما تورط فيه السيسي ونظامه من جرائم وأكاذيب.
لا يمكن أن تفصل هذا أيضا عن سعي نظام السيسي إلى تحجيم دور الإنترنت، لكي لا يُستخدم كسلاح لتقوية الذاكرة الشعبية، أو كإعلام بديل غير قابل للشكم، حيث يتفنن ترزيته القانونيون في إصدار تشريعات تحلم بالسيطرة على فضاء الإنترنت الرحب، آخرها إصدار قانون تجرم بعض مواده الإرسال الإذاعي عبر الإنترنت للقضاء على الإذاعات الشبابية المزعجة. وفي الطريق قانون آخر يبيح حجب مواقع إنترنت معينة، بعد استصدار أحكام تتهمها بدعم الإرهاب والسعي إلى إسقاط الدولة، وهو ما سبق أن فعلته أنظمة عربية قمعية مع مواقع إنترنت عديدة متمردة. في الوقت نفسه، تتزايد، أخيراً، أعداد المعتقلين بسبب نشاطهم على الإنترنت، والذين يوصمون بتهمة الإرهاب، في غفلة من المؤسسات الداعمة لحرية التعبير التي تتعرض أصلاً لضربات متتالية، ولولا أن السيسي ما زال بحاجة للدعم الدولي المالي، لما تورع مثل غريمه، أردوغان، عن استخدام سلاح القضاء، ضد مواقع التواصل الاجتماعي التي تجلب له الصداع، بعد أن فشلت أجهزته في ترويضها التام، على الرغممن أنها استغلتها من قبل في نشر الأكاذيب والتشنيعات ضد معارضيه.
في الآونة الأخيرة، لعبت مواقع الإنترنت المختلفة دورا مهما، في فرملة الاندفاع العسكري إلى حرب اليمن، حيث تم تداول عشرات الموضوعات والبوستات والتغريدات التي تستعيد وقائع مأساة حرب اليمن في عهد عبد الناصر، وتذكّر بجرائم إعلام الصوت الواحد، وكشفت بعضا من المسكوت عنه في محنة سيناء، وما يدور فيها من حرب دامية، يدفع ثمنها الجنود والضباط والمدنيون، دون أن تظهر تأثيرا حقيقيا على قدرات الإرهابيين حتى الآن. ولأن كثيرين فقسوا فولة وسائل الإعلام الخاصة، منذ سمعوا عبارة "بتكتب ورايا يا أحمد". لذلك، لم يعد يخيل عليهم الاستئساد المفاجئ لعرائس التوك شو، وهو ما ضاعف من مصداقية الإنترنت وأهميته، بشكل ستدرك أهميته أكثر، حين تقرأ وقائع التعامل الإعلامي مع حرب اليمن في عهد عبد الناصر، وكيف تم تصويرها أولا للشعب مهمة سهلة أقرب إلى العملية التدريبية، ولم يتضح كيف صارت مأساة دامية إلا بعد فوات الأوان.
في هذا الصدد، لفت انتباهي ما رواه كمال حسن علي في مذكراته عن اشتعال الخلاف بين عبد الناصر وعبد الحكيم عامر، وكيف كتب عامر، بكل ثقة، مذكرة نارية بتاريخ 7 سبتمبر/ أيلول 1967، يلقي فيها مسؤولية حرب اليمن على ناصر وحده، لأنه "أدخل الجيش في الحرب من دون دراسة ولا تجهيز"، ولم يجد بالطبع قوة شعبية تذكره، أنه قبل ذلك بأشهر، وتحديداً في 24 أبريل/نيسان 1967 نَتَع خطبة عصماء قال فيها: "سوف نبقى في اليمن عشرين عاما حتى لا يعود اليمن إلى الوراء"، ومع أن هذا النوع من البجاحة والاستنطاع الرسمي ما زال من سُنن الحكم المؤكدة في مصر، إلا أن وجود الإنترنت الآن يجعله أصعب، ليعرقل كثيرا من محاولات إفلات السيسي، بكثير من أكاذيب وجرائم نظامه، "من أول فضيحة جهاز الكفتة وأنت نازل ومتدحدر".
حفظ الله الإنترنت، ليحفظ لمصر ذاكرتها، فلا أمل في أي تغيير، بدون ذاكرة يقظة.