الرواتب متدنية والأسعار متزايدة وأيام الشهر طويلة. النتيجة واضحة: قصور عن تأمين احتياجات الأسرة توقع الزوجين في حرب متأججة قوامها اتهامات متبادلة ترتبط بالإسراف وترشيد الإنفاق
ارتفاع الأسعار وضعف القدرة الشرائية في موريتانيا يؤثران سلباً في معيشة الأسر وجودة الحياة. أمام تزايد حاجيات الأسر وانعدام ثقافة إدارة الموارد المالية، خلقت هذه الوضعية حالة من الصراع بين الزوجين حول ميزانية البيت، كما أثّرت على ترتيب الأولويات في نفقات الأسرة وأحياناً على صحة الأبناء ومستوى تعليمهم.
يفرض المجتمع الموريتاني على الأسر مجموعة من العادات المرتبطة بإكرام الضيف، واستضافة الأقارب لمدة طويلة، والتكافل الاجتماعي، بالإضافة إلى "واجبات العرف" في المناسبات الاجتماعية كالعقيقة والأعراس والمآتم التي تفرض على الأسر تقديم "نقطة" العرس والمساعدات والهدايا، مما يثقل كاهلها.
يبرز كلّ هذا في مشاحنات وشجارات بين الزوجين اللذين يتبادلان الاتهامات بشأن عدم قدرة ميزانية البيت على الوفاء بالاحتياجات. وتقول عائشة بنت محمد التجاني (38 عاماً، ربة بيت) إنّ المصروف الذي تتسلمه من زوجها بداية كلّ شهر لم يعد يكفي حتى منتصفه بسبب ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية وتزايد حاجيات الأسرة، خصوصاً ما ينفَق على الضيوف. تضيف: "الغلاء لم يترك طريقاً للمناورة كما كان عليه الأمر في السابق. كنت أشتري الحاجيات اليومية بأسعار أقل وأحرص على اقتناء المواد التي تباع بأسعار مناسبة في مستوى الميزانية المخصصة للبيت. اليوم بات الأمر في غاية الصعوبة فجميع المواد ارتفعت أسعارها، ولم يعد هناك خيار لنا لشراء مواد بأسعار مخفضة".
تعترف عائشة أنّ مشكلة ميزانية البيت تؤثر سلباً على علاقتها بزوجها، بل هي من أكثر المشاكل التي تستأثر باهتمامهما. تقول: "زوجي يتهمني بالإسراف وعدم القدرة على تسيير ميزانية البيت وفق الاحتياجات.. ويحتد النقاش بيننا حين أطلب منه زيادة المخصصات، ما يدفعني إلى ترك البيت أحياناً والذهاب إلى بيت أهلي تعبيراً عن غضبي مما يوجه إليّ من اتهامات، وما أسمعه من تعليقات منه".
تؤثر مثل هذه الأوضاع في ارتفاع نسبة الطلاق في موريتانيا، التي تقدّر بنحو 43 في المائة. تقول مليكة بنت محمد الشيخ (34 عاماً، عاملة) إنّها اضطرت إلى العمل من أجل توفير ما يكفي من مال، حتى نهاية الشهر، فراتب زوجها لا يغطي احتياجات الأسرة المكونة من خمسة أفراد، بالإضافة الى الضيوف والأقارب الذين يأتون إلى العاصمة من أجل العلاج أو التبضع.
تشير مليكة إلى أنّ خلافاتها مع زوجها كانت تتمحور حول مصروف البيت وغلاء المعيشة وتدني الراتب. كان يتهمها بإنفاق الميزانية على أمور أخرى كشراء الكماليات والملابس والأواني وتقديم الهدايا تحت ضغط الواجب الاجتماعي. تضيف: "الحقيقة أنّ غلاء المعيشة وتردي الأوضاع الاقتصادية أثرا سلباً على الأسر ذوات الدخل المتوسط والمحدود والتي أصبح هاجسها تأمين ما يكفي حتى نهاية الشهر". تؤكد مليكة أنّ حالات طلاق وقعت في محيطها الأسري بسبب ميزانية البيت والاتهامات المتبادلة بين الزوجين.
إذا كان الإنفاق الزائد هو السبب الرئيسي للخلل الذي تعاني منها ميزانية الأسر في موريتانيا فإنّ الواجب الاجتماعي وطبيعة المجتمع الاستهلاكي، بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار هي ما جعلت الأسر تجهز على ميزانية البيت في منتصف الشهر أو قبل نهايته بعشرة أيام، لتدخل مرغمة في دوامة الديون.
في ظلّ هذا الوضع، هل بالإمكان تسيير ميزانية أسرة موريتانية متوسطة الحال والوفاء بجميع احتياجاتها؟ يجيب الموظف محمد أحمد ولد حسنا (45 عاماً): "كنت أتهم زوجتي بالإسراف وشراء بطاقات التعبئة الهاتفية على حساب حاجيات البيت.. فتوليت الأمر وبدأت أجلب كلّ ما يلزم بنفسي.. فلم تصمد الميزانية المخصصة للبيت حتى نهاية الشهر.. ثم تخليت عن شراء بعض المواد وعوضتها بأخرى لترشيد النفقات ولم تتغير النتيجة كثيراً عن الحالة الأولى.. وفي الشهر التالي اشتريت المواد الغذائية بالجملة للاقتصاد أكثر، ولم أحصل على نتيجة مرضية. في النهاية أدركت أنّ الراتب لا يكفي، فحوّلت غرفة من بيتي إلى دكان وأجرته لأستفيد من الإيجار في تغطية مصاريف الأيام التي لا يمكن للراتب تغطيتها".
في المقابل، يعتبر الباحث الاجتماعي، إبراهيم ولد سيد أحمد، أنّ ميزانية البيت تؤثر سلباً على الواقع الاجتماعي والاقتصادي للأسرة مما يضطرها للاستدانة ويهددها بالتفكك والطلاق. يشير إلى أنّ الغلاء ظاهرة خطيرة على النسيج الاجتماعي ومقدرات الأسرة وله تأثير سلبي على جودة حياة الأسر والمستوى التعليمي والصحي للأبناء. كما يعتبر أنّ الإسراف له علاقة بالتنشئة الاجتماعية وضغط المحيط الذي يفرض على المرء أشياء ليس باستطاعته تأمينها. ويؤكد أنّ معظم الموريتانيين لم يعد باستطاعتهم الادخار، بل يلجأون إلى الاستدانة لتغطية النفقات، ويضعون خططاً وترتيبات ليتمكنوا من السفر أو تجديد البيت.
يتابع: "يجب أن يحرص الجميع على تحقيق التوازن بين حجم الاستهلاك والراتب، فسوء إدارة الموارد المالية للأسرة لن يسمح لها بالادخار. لكنّ تحقيق التوازن بين الاستهلاك والراتب سيمنح للأسر فرصة ادخار ما تبقى في نهاية الشهر".
يدعو إلى الابتعاد عن القروض الاستهلاكية والتخلي عن شراء كل ما يمكن الاستغناء عنه واستبدال شراء السلع التي ترتفع أسعارها بسلع أخرى بديلة.
اقرأ أيضاً: معيلات الأسر في موريتانيا مجبرات على العمل
ارتفاع الأسعار وضعف القدرة الشرائية في موريتانيا يؤثران سلباً في معيشة الأسر وجودة الحياة. أمام تزايد حاجيات الأسر وانعدام ثقافة إدارة الموارد المالية، خلقت هذه الوضعية حالة من الصراع بين الزوجين حول ميزانية البيت، كما أثّرت على ترتيب الأولويات في نفقات الأسرة وأحياناً على صحة الأبناء ومستوى تعليمهم.
يفرض المجتمع الموريتاني على الأسر مجموعة من العادات المرتبطة بإكرام الضيف، واستضافة الأقارب لمدة طويلة، والتكافل الاجتماعي، بالإضافة إلى "واجبات العرف" في المناسبات الاجتماعية كالعقيقة والأعراس والمآتم التي تفرض على الأسر تقديم "نقطة" العرس والمساعدات والهدايا، مما يثقل كاهلها.
يبرز كلّ هذا في مشاحنات وشجارات بين الزوجين اللذين يتبادلان الاتهامات بشأن عدم قدرة ميزانية البيت على الوفاء بالاحتياجات. وتقول عائشة بنت محمد التجاني (38 عاماً، ربة بيت) إنّ المصروف الذي تتسلمه من زوجها بداية كلّ شهر لم يعد يكفي حتى منتصفه بسبب ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية وتزايد حاجيات الأسرة، خصوصاً ما ينفَق على الضيوف. تضيف: "الغلاء لم يترك طريقاً للمناورة كما كان عليه الأمر في السابق. كنت أشتري الحاجيات اليومية بأسعار أقل وأحرص على اقتناء المواد التي تباع بأسعار مناسبة في مستوى الميزانية المخصصة للبيت. اليوم بات الأمر في غاية الصعوبة فجميع المواد ارتفعت أسعارها، ولم يعد هناك خيار لنا لشراء مواد بأسعار مخفضة".
تعترف عائشة أنّ مشكلة ميزانية البيت تؤثر سلباً على علاقتها بزوجها، بل هي من أكثر المشاكل التي تستأثر باهتمامهما. تقول: "زوجي يتهمني بالإسراف وعدم القدرة على تسيير ميزانية البيت وفق الاحتياجات.. ويحتد النقاش بيننا حين أطلب منه زيادة المخصصات، ما يدفعني إلى ترك البيت أحياناً والذهاب إلى بيت أهلي تعبيراً عن غضبي مما يوجه إليّ من اتهامات، وما أسمعه من تعليقات منه".
تؤثر مثل هذه الأوضاع في ارتفاع نسبة الطلاق في موريتانيا، التي تقدّر بنحو 43 في المائة. تقول مليكة بنت محمد الشيخ (34 عاماً، عاملة) إنّها اضطرت إلى العمل من أجل توفير ما يكفي من مال، حتى نهاية الشهر، فراتب زوجها لا يغطي احتياجات الأسرة المكونة من خمسة أفراد، بالإضافة الى الضيوف والأقارب الذين يأتون إلى العاصمة من أجل العلاج أو التبضع.
تشير مليكة إلى أنّ خلافاتها مع زوجها كانت تتمحور حول مصروف البيت وغلاء المعيشة وتدني الراتب. كان يتهمها بإنفاق الميزانية على أمور أخرى كشراء الكماليات والملابس والأواني وتقديم الهدايا تحت ضغط الواجب الاجتماعي. تضيف: "الحقيقة أنّ غلاء المعيشة وتردي الأوضاع الاقتصادية أثرا سلباً على الأسر ذوات الدخل المتوسط والمحدود والتي أصبح هاجسها تأمين ما يكفي حتى نهاية الشهر". تؤكد مليكة أنّ حالات طلاق وقعت في محيطها الأسري بسبب ميزانية البيت والاتهامات المتبادلة بين الزوجين.
إذا كان الإنفاق الزائد هو السبب الرئيسي للخلل الذي تعاني منها ميزانية الأسر في موريتانيا فإنّ الواجب الاجتماعي وطبيعة المجتمع الاستهلاكي، بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار هي ما جعلت الأسر تجهز على ميزانية البيت في منتصف الشهر أو قبل نهايته بعشرة أيام، لتدخل مرغمة في دوامة الديون.
في ظلّ هذا الوضع، هل بالإمكان تسيير ميزانية أسرة موريتانية متوسطة الحال والوفاء بجميع احتياجاتها؟ يجيب الموظف محمد أحمد ولد حسنا (45 عاماً): "كنت أتهم زوجتي بالإسراف وشراء بطاقات التعبئة الهاتفية على حساب حاجيات البيت.. فتوليت الأمر وبدأت أجلب كلّ ما يلزم بنفسي.. فلم تصمد الميزانية المخصصة للبيت حتى نهاية الشهر.. ثم تخليت عن شراء بعض المواد وعوضتها بأخرى لترشيد النفقات ولم تتغير النتيجة كثيراً عن الحالة الأولى.. وفي الشهر التالي اشتريت المواد الغذائية بالجملة للاقتصاد أكثر، ولم أحصل على نتيجة مرضية. في النهاية أدركت أنّ الراتب لا يكفي، فحوّلت غرفة من بيتي إلى دكان وأجرته لأستفيد من الإيجار في تغطية مصاريف الأيام التي لا يمكن للراتب تغطيتها".
في المقابل، يعتبر الباحث الاجتماعي، إبراهيم ولد سيد أحمد، أنّ ميزانية البيت تؤثر سلباً على الواقع الاجتماعي والاقتصادي للأسرة مما يضطرها للاستدانة ويهددها بالتفكك والطلاق. يشير إلى أنّ الغلاء ظاهرة خطيرة على النسيج الاجتماعي ومقدرات الأسرة وله تأثير سلبي على جودة حياة الأسر والمستوى التعليمي والصحي للأبناء. كما يعتبر أنّ الإسراف له علاقة بالتنشئة الاجتماعية وضغط المحيط الذي يفرض على المرء أشياء ليس باستطاعته تأمينها. ويؤكد أنّ معظم الموريتانيين لم يعد باستطاعتهم الادخار، بل يلجأون إلى الاستدانة لتغطية النفقات، ويضعون خططاً وترتيبات ليتمكنوا من السفر أو تجديد البيت.
يتابع: "يجب أن يحرص الجميع على تحقيق التوازن بين حجم الاستهلاك والراتب، فسوء إدارة الموارد المالية للأسرة لن يسمح لها بالادخار. لكنّ تحقيق التوازن بين الاستهلاك والراتب سيمنح للأسر فرصة ادخار ما تبقى في نهاية الشهر".
يدعو إلى الابتعاد عن القروض الاستهلاكية والتخلي عن شراء كل ما يمكن الاستغناء عنه واستبدال شراء السلع التي ترتفع أسعارها بسلع أخرى بديلة.
اقرأ أيضاً: معيلات الأسر في موريتانيا مجبرات على العمل