حراك بمطالب اجتماعية في الجنوب الجزائري

19 يونيو 2020
أبناء المنطقة يطالبون بإنهاء التهميش (فيسبوك)
+ الخط -

شهدت مدينة برج باجي مختار، أقصى جنوبي الجزائر، إضرابا عاما وإغلاقا للمتاجر، إثر خروج سكان المدينة للمطالبة بالحق في التنمية وإنهاء التهميش الذي تعاني منه المنطقة ومجموع المناطق في الجنوب وعلى الحدود مع الجارة مالي خاصة.
وتظاهر سكان المدينة في الأيام الأخيرة رافعين شعارات تطالب السلطات بالاستجابة سريعا لمطالبهم الاجتماعية والاقتصادية وتحسين ظروفهم المعيشية ووقف التهميش الذي يطاول المناطق الجنوبية في الصحراء، كما أعلنوا مساندتهم لسكان بلدة تين زواتين الحدودية التي كانت قد شهدت قبل أيام أحداثا عنيفة.

وتجمع المتظاهرون قرب مقر الولاية، فيما أغلق التجار أبواب محلاتهم استجابة لنداء وجهه ناشطون، في إضراب عام في المدينة يعد الأول من نوعه، مع الإصرار على الحفاظ على الطابع السلمي ورفض أي استخدام للعنف. وتوضح الصور والفيديوهات التي نشرها ناشطون طبيعة البنى التحتية الهشة للمدينة كغيرها من مدن الجنوب الجزائري.
في المقابل، لم تتدخل الشرطة لقمع المظاهرة، برغم وجود تعليمات كان رئيس الحكومة عبد العزيز جراد قد أصدرها أمس، يعطي فيها الإذن للمسؤولين وحكام الولايات باستخدام القوة لفض أي تجمعات تعد إخلالا بالتدابير الوقائية الخاصة بمحاربة انتشار وباء كورونا.


ويفسر ذلك بعدم رغبة السلطات في إثارة مزيد من المشاكل وتلافي الدفع بالأوضاع إلى المواجهة والانزلاق، وكذا تجنب لفت الأنظار بشكل مركز إلى هذه المناطق التي تسكنها غالبية من الطوارق، خاصة في منطقة بالغة الحساسية بالنسبة للأمن القومي، لوقوعها على تماس مع مناطق شمال مالي والنيجر، حيث تتمركز مجموعات إرهابية وشبكات تهريب متعددة.
وفي السياق نفسه، خرج نشطاء ومواطنون في مدينة أقصى رقان، جنوبي الجزائر، في مظاهرة لإظهار الدعم والتضامن مع سكان مدينة تين زواتين. ورفع الناشطون لافتة كتب عليها "توارق رقان معك تين زواتين".
ولليوم الرابع على التوالي استمرت احتجاجات السكان في منطقة تيمياوين، أقصى جنوبي الجزائر، على الحدود مع شمال مالي، للمطالبة بالحق في التنمية وإصلاح قنوات توصيل الماء. وتجمع المتظاهرون وسط المدينة رافعين شعارات كتب عليها "تيمياوين تموت عطشا"، كما أعلن السكان تضامنهم مع منطقة تين زواتين.
وكانت تين زواتين الحدودية قد شهدت، الاثنين الماضي، أحداثا دامية ومواجهات بين قوات الدرك والسكان المحليين الذين كانوا يطالبون بإزالة سياج شائك أقامه الجيش في المحيط العمراني وسواتر رملية تفصلهم عن واد يتزودون منه بالماء لمواشيهم وتمنعهم من الحركة خارج المدينة وتعزلهم عن بلد اخرابن بمالي، التي تبعد عن البلدة عدة أمتار.

وأدى ذلك إلى مقتل شاب وجرح آخرين، ونفت وزارة الدفاع الجزائرية في بيان لها، مسؤوليتها عن إطلاق الرصاص، وقالت إن مصدره بلدة اخرابن، لكن السكان والناشطين رفضوا راوية وزارة الدفاع الجزائرية وطالبوا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بإيفاد لجنة مستقلة للتحقيق في الأحداث وتحديد المسؤوليات ومعاقبة الفاعلين.


إلى ذلك، اعتبر الناشط السابق في لجنة الدفاع عن حقوق البطالين (العاطلين من العمل) إبراهيمي عبد الحميد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن المظاهر الاحتجاجية المستمرة منذ خمس سنوات على الأقل في الجنوب "تؤشر إلى وجود تحولات لافتة في مستويات الوعي المطلبي لسكان الجنوب يجب أخذها بعين الاعتبار، خاصة مع وجود جيل متعلم ومثقف ومتصل بالعالم ومطلع على الحقوق الأساسية وأكثر فهما للسياسات الحكومية".
وأشار إلى أن "وجود هذا الجيل الجديد سمح بتجاوز المؤسسات العرفية التي كانت تتحدث باسم السكان من جهة، ونقل إلى الجنوب أسلوب المطالبة السلمية بالحقوق الأساسية".


في المقابل، دعا إيدابير أحمد، أمين عقال الطوارق في تمنراست (هيئة عرفية تضم وجهاء الطوارق)، سكان الولاية والمناطق الحدودية إلى "توخي الحذر لما يتم زرعه في الأوساط من بلبلة وقطع الطريق أمام ذوي النوايا المغرضة التي تهدف إلى الفساد أكثر من الإصلاح"، محذراً من أن هناك "جهات مجهولة تحاول زرع البلبلة وسط الساكنة من خلال الاتصال بقنوات أجنبية وكيانات مشبوهة".

أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة ورقلة، جنوبي الجزائر، مبروك كاهي، فقال خلال حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الظروف المعيشية باتت تفرض على السلطة وضع خطة تنمية واضحة لصالح سكان الجنوب والبلدات الحدودية"، مشيرا إلى أن إطلاق مشاريع التنمية هناك سيكون هو العامل الأكثر تأثيرا في الاستحقاق الأمني والاستقرار.
وحذر من أن هشاشة البنى التحتية في المنطقة تظل من العوامل الرئيسة التي يمكن أن تغذي التوترات المحلية، وخاصة أن مطالب السكان بسيطة وأساسية تتعلق بأبسط الضرورات الحياتية.


لكن بعض الناشطين في الحراك الشعبي ينظرون ببعض الريبة إلى الحراك الاحتجاجي القائم في منطقة الجنوب، منذ مسيرة الأسبوع الماضي في مدينة ورقلة، عاصمة النفط في الجزائر، ويشككون في أنه من الممكن أن يخدم ارتكاز هذا الحراك على مطالب اجتماعية السلطة بشكل خاص، لقدرتها على استيعاب هذه المطالب، بدلا من المطالب السياسية التي يتبناها الحراك الشعبي والمتعلقة بتغيير النظام السياسي.