حذر أوروبي من وصول "واعظ الكراهية" إلى البيت الأبيض

29 اغسطس 2016
مخاوف من تأثير مواقف ترامب على السياسة الخارجية(دارين ماكولسترGetty)
+ الخط -
يستعد الأوروبيون بشكل جدي لنتائج الانتخابات الأميركية. ويثير بروز المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، صدمةً لدى السياسيين في أوروبا، الذين يخشون من انعكاسات سلبية على سياسة واشنطن على الساحة الدولية في حال وصوله إلى البيت الأبيض.

وتطرح خطابات ترامب، المبنية على تناقضات، الكثير من التساؤلات، ولا سيما أثرها على منطلقات السياسة الخارجية تجاه أوروبا. معاداته للمسلمين ووقوفه ضد الهجرة والمهاجرين، يدفعان اليمين الأوروبي إلى التحصن خلف الولايات المتحدة والدعوة إلى الفصل بين المصالح الداخلية للقارة العجوز والأعباء التي تتكبدها بسبب تدخلها الإنساني لحماية الوافدين الجدد. ويتناقض هذا التوجه مع سياسة الأحزاب التقليدية في كل من فرنسا وألمانيا، اللتين تستعدان لاستحقاقات انتخابية حاسمة. في الانتخابات الألمانية العامة المرتقبة عام 2017، لا يستبعد أن يتمكن الحزب اليميني "البديل من أجل ألمانيا" في إيصال عدد من مرشحيه إلى البرلمان.

ولا يمكن تجاهل مطالبة ترامب بإعادة النظر في الالتزامات الأميركية بشأن حماية أوروبا. وكان اعتبر أن حلف شمال الأطلسي غير ضروري لأن الحلفاء الأوروبيين هم المستفيدون من الإنفاق العسكري على الحلف الذي تتحمل الولايات المتحدة الجزء الأكبر منه. وهو ما يمكن أن يشكل خطراً على الأمن والنظام الأوروبيين. وأمام هذا الواقع ذهب العديد من الخبراء في الشؤون الخارجية الأوروبية إلى القول إن ترامب سيشكل عبئاً على أميركا أولاً، في زمن أصبح هاجس الإرهاب والتحولات المالية والأزمات تعصف في أرجاء المعمورة.

وعن مهاجمته للإسلام والمسلمين، يلفت مراقبون في ألمانيا إلى أن التعميم لا يخدم الغرب. وبالتالي فإن المطلوب، في نظرهم، إيجاد قواسم مشتركة مع الإسلام المعتدل.

ويعتبر الأوروبيون أن التقلب في المواقف بشأن السياسة الخارجية الأميركية، يحدث المزيد من التوترات التي من الممكن أن تفضي إلى حدوث انهيارات في التحالفات الاستراتيجية القائمة، لا سيما مع الدول الأوروبية المؤثرة في السياسة العالمية ومنها فرنسا وألمانيا. وسيناريو كهذا يشكل هاجساً لدى صناع القرار في برلين حالياً. وهو ما عبر عنه وزير الخارجية الألماني، فرانك-فالتر شتاينماير، بعدما أكدت متحدثة باسمه، أن انتخاب ترامب رئيساً للولايات المتحدة سيكون مخيفاً. ولفتت إلى أن خطاب المرشح الجمهوري يشير إلى مدى الخطر الذي سيهدد العالم في حال فاز "واعظ الكراهية"، وفق وصف شتاينماير، بالرئاسة الأميركية.


خجل سكان كالشتات الألمانية
ولا يقتصر رفض خطاب ترامب على السياسيين الألمان. المواطنون، ولا سيما سكان بلدة كالشتات الألمانية، البلدة الصغيرة التي يتحدر منها جدّ ترامب وجدّته، عبروا في تعليقات صحافية عن خجلهم من التصريحات والتصرفات التي تصدر عنه. الرأي السائد في أوساط هؤلاء السكان هو أن رجل الأعمال الأكثر شهرة في الولايات المتحدة الذي تقدر ثروته بأكثر من 10 مليارات دولار لا يعنيهم، وأنه لا يمكنهم تخيله كرئيس لأقوى دولة في العالم بسبب افتقاده الخبرة والنضج السياسي، ناهيك عن سطوته وإمبراطوريته المالية.
وكان جد وجدة ترامب هاجرا في عام 1885 إلى الولايات المتحدة. وقد أصبحت البلدة، مسقط رأسهما، محط اهتمام الصحافة بعدما صورت جارة العائلة، المخرجة سيمونه فيندل، فيلماً قصيراً بعنوان "ملوك كالشتات"، ومنهم ترامب ومخترع ماركة الطماطم الشهيرة هاينز. وتحدث ترامب، في الفيلم خلال لقاء معه بـ"برج ترامب " في نيويورك، عن أسلافه وفخره بجذوره، ووعد بزيارة البلدة التي يكاد لا يعرفه أي شخص فيها.

المخاوف الاقتصادية
ويرى خبراء اقتصاديون ألمان أن احتمال وصول ترامب في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل إلى رئاسة الدولة التي تملك أكبر اقتصاد في العالم، من المرجح أن يؤدي إلى فوضى في الأسواق، نظراً لجرأة الخطوات التي من الممكن أن يقدم عليها هذا الرجل، والتي سيكون لها تداعيات أبعد من حدود الولايات المتحدة. وفي هذا الإطار، يقول الخبراء أنفسهم إن العديد من الدول الأوروبية، ومنها ألمانيا كدولة مصدرة، ستتأثر بشكل خاص، لا سيما أن الأسواق ستشهد تقلبات في الأسعار والتعريفات الجمركية العقابية وكذلك العوائق التجارية لأن ترامب من المدافعين عن فكرة أنه يمكن صنع كل شيء في أميركا. وبالتالي يجب اتخاذ تدابير الحماية التي يمكن أن يتخذها ترامب، على محمل الجد.

وعن تركيز ترامب في خطاباته على ألمانيا وموقفه من المستشارة أنجيلا ميركل، يعتبر متابعون للشؤون السياسية الأوروبية أن هذا يعود إلى شخصية ترامب نفسه، إذ "يستطيع بسهولة ابتزاز الآخرين" في حين تتمتع المستشارة بحس هادئ، والمواجهة الصوتية المباشرة والحديث بصوت عال ليست من أخلاقياتها. ووفقاً لهؤلاء فإن ترامب يعتمد في سياسته "على كثرة الكلام والثرثرة وأسلوبه لا يتناسب بالتالي مع النمط السياسي للمستشارة". أما ميركل، بالنسبة للمتابعين أنفسهم، "تتعاطى بنفس دبلوماسي وحذرة في ردود فعلها. وتنتمي بالتالي إلى فئة الشخصيات التي تفضل الصمت على أي ردة فعل من شأنها أن تعزز النرجسية لدى أشخاص مثل ترامب".

ويضيف الخبراء أن مواقف المرشح الجمهوري تجاه ألمانيا وميركل لا تأتي من فراغ. ويشيرون إلى أن استطلاعات الرأي تظهر أن الكثير ممن يتحدرون من أصول ألمانية سيصوتون بأغلبيتهم للمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون. كذلك يبدو واضحاً أن ترامب منزعج من سياسة انفتاح ألمانيا على اللاجئين. ولا يروق له كيف أن هذا البلد نما على المستويين السياسي والاقتصادي وبات اللاعب الأقوى ضمن دول الاتحاد الأوروبي، ناهيك عن تمتعه بسمعة طيبة لدى الأميركيين ومنها حسن التنظيم والاهتمام بالوضع الصحي والاجتماعي للمواطنين الألمان. وبالإضافة إلى كل ذلك، هناك موقف ميركل المؤيد لكلينتون لأن هذه الأخيرة تحمل نظرة واقعية للسياسة العالمية، وكانت ضيفة ولأكثر من مرة في المستشارية.

يشار إلى أن ترامب رفع أخيراً سقف المواجهة مع ألمانيا بتصريحاته النارية التي طالب فيها بإخضاع المسافرين منها إلى أميركا لرقابة أكثر صرامة، لأنها تأوي شبكات متطرفة، وذلك بعدما فتحت برلين الباب أخيراً أمام الهجرة الجماعية.

المساهمون