حدود مرسومة بالدم

09 فبراير 2015
+ الخط -

جريمة إحراق الطيار الأردني، معاذ الكساسبة، غير المسبوقة في تاريخ صراعات المنطقة، وحَّدت الأردنيين أكثر من ذي قبل. وكانت مصائب المنطقة التي تلقَّى الأردن نصيبها الأكبر قد قرَّبت الأردنيين بعضهم من بعض، وحدَّت من تنابزهم الجهوي والإقليمي البائس، وجعلتهم يخفضون أصواتهم، وهم يطالبون بخطوات إصلاحية جدية في نظامهم السياسي، خشية أن تنفتح البلاد على الخراب والمجهول. بهذا هم أكثر حرصاً على بلادهم من النظام، وأكثر حرصاً على الدولة من الممسكين بأعنَّتها. لكنَّ هذا لا يعني أن ينام النظام على حرير الحرص الشعبي على وجود الدولة وبقائها، وعلى شكل البلاد الحالي، وحدودها. فما يجري في المنطقة خطير جداً، ولن ينجّيه من هذا الطوفان إلا طوق شعبه. وهذا يُرتِبُ عليه المسارعة إلى إرساء حياة سياسية سليمة، لا أن يعتبرها ترفاً في زمن "المواجهة". فالنظام الأردني لا يواجه، حتى الآن، أياً من التحديات الوجودية التي تواجه بلدين كبيرين، يحيطان به من الشرق والشمال، وهو الأصغر منهما، والأقل موارد وإمكانات مادية. بحياة سياسية سليمة وفاعلة، تعبّر عن تطلعات شعبه الواقعية، يمكن أن ينجو الأردن من الطوفان الذي يعصف بالمنطقة، وربما يسهم في إعادة تشكيلها من جديد.
جيّدٌ ردَّ الفعل الاردني الشعبي التضامني على محرقة معاذ، النكراء بكل الأعراف، الوحشية بكل المقاييس، وجيّدٌ أن يستفيد الأردن من كونه البلد الأكثر استقراراً في محيطه. ولكن، عليه أن يعي أن جزءاً من هذا الاستقرار مصلحة خارجية. وهو قابل للتغير في أيِّ وقت تتغير فيه مصلحة الخارج. لذلك، ليس من مصلحة الأردن أن يجرَّه "داعش"، ولا غيره، إلى التمدد خارج حدوده، ومغادرة خطاه الحذرة التي ميَّزت سياسته الخارجية حيال ما يجري حوله حتى الآن.
من يقول إنَّ المنطقة ستخرج بعد أن ينقشع غبار الحرب على الإرهاب، والصراع على مصائر سورية والعراق، كما كانت من قبل، متفائل جداً. لا نحتاج أن نستشهد بزعيم أكراد العراق، مسعود البرزاني، عندما قال، قبل يومين، إن حدود المنطقة الجديدة ترسم، الآن، بالدم داخل الدول أو بينها، بعدما كانت رسمت بقلم سايكس وبيكو، قبل قرن من الزمان. الحرب التي لا يعرف كيف يسميها المرء في العراق وسورية، الآن، هي حرب في قلب سايكس بيكو. ولكن، ليس لمصلحة وعود فرنسا وبريطانيا للعرب، عندما خاضوا معهم معركة طرد العثمانيين من المنطقة. الأكراد يعلمون ذلك، الإيرانيون يعلمون ذلك، الأتراك يعلمون ذلك، الإسرائيليون يعلمون ذلك إلا العرب، المعنيون بذلك، لا يعلمون بذلك. وهذا هو واقع الحال دائماً، فالعرب آخر من يعلم!

قرأت مرةً أننا قد نقاتل في سبيل بقاء خارطة تقسيم المشرق العربي التي قرَّرها دبلوماسيان، فرنسي وبريطاني، بمعرفة روسية، فمن رحم اتفاقية النهب تلك ولدت ما تسمّى "الدولة الوطنية" العربية التي تدخل، الآن، غرفة العناية الفائقة.. وهذا هو اليوم يأتي. فقصارى ما نطمح إليه حالياً أن يبقى العراق، المنبثق عن سايكس بيكو، موحداً، وأن تبقى سورية التي اقتُطعت منها ثلاثة كيانات، وقدِّم جزء منها هدية إلى الأتراك، على خارطتها الحالية.. حتى من دون عودة الجولان!
أما الأردن، الذي لم يرَ الاستعمار شعبه، وأراده أن يكون "منطقة عازلة"، وتتلقى فائض أزمات المنطقة في آن، فليس أعصى على العبث بكيانه وتغيير شكله من سورية والعراق. لهذا السبب، على النظام أن يكون حذراً، أكثر من أيّ وقت مضى، وهو يوضع في قلب الإعصار. لا ضرورة لهذا الكلام الكبير عن المحق والسحق. فمن هم أكبر من الأردن، القادرون فعلاً على السحق والمحق، لم يسحقوا ويمحقوا، لأمرٍ في نفوسهم. وهذا الأمر الذي في نفوسهم هو بيت القصيد.

E7B23353-660D-472F-8CF3-11E46785FF04
أمجد ناصر

شاعر وكاتب وصحفي من الأردن